فيلم دواحة التونسي / الخوف من الخارج

رغم تراجع الانتاج  السينمائي التونسي في السنوات الاخيرة ، بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور لهذا القطاع ، تبقى هناك افلام سينمائية تنتج سنويا قد لاتتجاوز العملين في احسن الاحوال ولكنها على الاقل اعمال  تحظى باهتمام دولي وعربي و بمشاهدةٍ عاليه نظرا لاهميتها موضوعيا واخراجيا .
ومن ضمن هذه الاعمال ، ما قدمته المخرجه الشابه (رجاء عماري )في فيلمها الاخير ” دواحة “من انتاج تونسي سويسري فرنسي ،وهو ثاني عمل سينمائي لها بعد فيلم”الساتان الاحمر” الذي فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان تورينو السينمائي وجائزة أفضل مخرج جديد في مهرجان سياتل السينمائي.
تدور احداث الفيلم والذي اسمه يوحي بمضمونه الدواحة” ارجوحة الطفل “او كما جاء بالفرنسية ” اسرار دفينه” في خطين متوازين ، الخط الاول الظاهر والعلني يحكي عن غياب دور الرجل ( الزوج ، الاب ، العشيق) وأثره النفسي والجسدي  لدى ثلاثة اجيال من النساء ( الام والابنه والحفيده ) رغم عدم وجود اي دليل قطعي لهذه العلاقة التسلسلية والتي تظهر للمشاهد انها قصة ام وابنتيها، مما يدفع بالام لاخذ دور المؤسسة العائلية برمتها ونتيجة خوفها تقوم  وبشكل ارادي باختيار العزلة والاختباء ضمن قبوا قديم تابع لاحد القصور المهجورة ، الى ان يدخل العالم الخارجي اليها حينما يعود صاحب القصر بصحبة عشيقته ، فينكسر هذا الحصار وتتدمر هذه الرابطة .
اما الخط الثاني والذي قد لا يبدو ملموسا او واضحا لدى الكثيرين ممن تابعوا الفيلم فهويتجلى في طرح فكرة الحداثة والانفتاح على الآخر ضمن بيئة ترفض وتخاف الآخر بكل اشكاله لما تحمله من صورةٍ ذهنية نمطية ومشوهه عنه ، رغم انه قد يكون سببا في رخائها الاقتصادي (حين تخرج البنت الكبرى وتبيع ما حاكت .
رغم ان قصة الفيلم ونهايته تقليدية نوعا ما  ،حيث كثرة الضغوط تولد صراعا قد ينتهي بجريمة  الا انه ضمنيا يجمع ما بين البساطة والعمق ، الوضوح والغموض .. وتأتي بساطته في طرحه لموضوع قد لا يحتمل أي تأويل لدى البعض في حين ان عوالمه غامضة واشبه بالخرافية ، ويأتي العمق فيه حين نشعر انه يستدرجنا كمشاهدين للبقاء في أماكننا حتى نهايته منتظرين حل لغزه ومعرفة هذا  السر الدفين وراء اختفاء هؤلاء النسوة وهذا في  حد ذاته ذكاء لمخرجة ومؤلفة العمل .
 يعتبر فيلم ” دواحة” احد الافلام التي تنقل الواقع للسينما ولا تنتقده على حد تعبير مخرجته  رغم انها أشارت في مرات عديدة  الى ان شخصيات العمل ليست نموذجا للمرأة التونسية وانها  استندت للخيال  لخلقها بهذه الطريقة  الفريدة ، مع ذلك تبقى قصة الفيلم بحد ذاتها قابلة للتصديق والقبول ضمن فئات مجتمعية ضيقة مرت بنفس الظروف وعاشت نفس المشاعر .


إعلان