إفريقيا: من الكرة في جنوبها إلى السينما في شمالها

بعد اختتام مباريات العالم في كرة القدم التي تم الاحتفاء بها لأول مرة بالقارة الإفريقية وذلك بجنوبها كما يعلم الجميع، انتقل الاهتمام إلى لقاء إفريقي من نوع آخر يتجسد في السينما وذلك في شمال القارة وبالضبط بالمغرب حيث احتضنت مدينة خريبكة المغربية (وسط المغرب) الدورة 13 لمهرجان السينما الإفريقية طيلة أسبوع كامل. هذه إطلالة تاريخية، بتعثراتها ونجاحاتها، والتحولات التي عرفتها هذه التظاهرة طيلة ثلاثة عقود.

  أحمد بوغابة : خريبكة (وسط المغرب)

تُعد سنة 2010 محطة تحول إيجابية في تاريخ مهرجان السينما الإفريقية الذي تحتضنه مدينة خريبكة المغربية وبذلك وضع اللبنة الأولى في مساره الجديد نحو الاحترافية بعد سنوات من الفوضى والارتجال وسوء التسيير والتدبير في جميع الاتجاهات دون استثناء رغم أنه من أقدم التظاهرات السينمائية بالمغرب على الإطلاق حيث تأسس سنة 1977 كملتقى تؤطره الجامعة الوطنية للأندية السينمائية في سنوات عنفوانها، ولم يسبقه في الوجود إلا مهرجان السينما المتوسطية بمدينة طنجة (شمال المغرب) الذي ظهر سنة 1968 بالمدينة ليتم وأده قبل دورته الثانية في العاصمة بالرباط عند نقله إليها. كان المهرجان حينها نقطة ضوء في الثقافة السينمائية بمغرب الرصاص خاصة وأنه يُقام في مدينة عمالية ومناضلة بامتياز وهو ما كان يزعج السلطات التي عملت كل ما في وسعها لاحتلاله بصيغ مختلفة وهو ما كان لها في أواخر الثمانينات.

• من العنفوان إلى التدجين…
 
تعثر مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة مرارا وكاد أن يسقط نهائيا في جوف النسيان، خاصة وأن أطرافا عدة خارجة خريطة السينما – كما أشرنا قبل قليل إلى ذلك – استولت عليه و وضعت أخرى أياديها على قلبه لتتحكم في مصيره خدمة لأغراضها السياسية المرحلية للمرور إلى المؤسسات الرسمية بالمدينة ونواحيها. وبالتالي، كانت تتجاذبه كل جهة إليها وتعتبره ملكا خاصا بحكم موقعها في المدينة أو بقوة التاريخ عند الآخرين أو أيضا بسلطتها المالية عن جهات أخرى مما سبب في تأخير بعض دوراته إلى أكثر من أربع سنوات أحيانا، أو تحويل بعض من دوراته لسوق تسوده البهرجة المُفتعلة يستحيل للمدينة – حينها – استيعابه وغير ذلك من السقطات التي جعلت منه موضوعا للتنكيت في كثير من المجالس الخاصة بمفارقاته العجيبة بعد أن غيرت ملامحه الأولى المعتمدة على الإبداع السينمائي.
انتقلت تظاهرة السينما الإفريقية بخريبكة من ملتقى سينمائي حميمي، يعتمد على الثقافة السينمائية، إلى مهرجان يتضمن مسابقة حيث أرادت الجهة الجديدة التي أصبحت حينها تسيره أن يكون ضخما رغم أنف الواقع وكأنها تريد أن تدخله من عنق الزجاجة عنوة – كما يقولون – في محيط غير مؤهل أصلا لضخامة طموح أصحابه، ودون تهييئ شروطها الموضوعية والذاتية فسادت الفوضى التي سببت أيضا في الارتجال وهروب كثير من الأسماء والفاعلين منه.
ومن ملتقى يسيره النادي السينمائي المحلي بالمدينة والجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب إلى مهرجان يخضع للجميع، ويتحكم فيه الجميع، ويدلو كل طرف بدلوه فيه، فيضيع كثير من المدعوين بين مختلف الذاتيات وبالتالي يفقدهم المهرجان، وقد فقدهم حقا بصفة نهائية.

• عودة الروح…

ولإنقاذ المهرجان من عبثيته، تم في “العهد الجديد” تأسيس جمعية تشرف على تسييره، جمعت جميع الأطياف التي تعلن انتماءها إليه أو ملكيته التاريخية والجغرافية، إلا أنها لم تتخلص من إرثها الفكري والنفسي، فلم تفلح – هي أيضا – من وضع التظاهرة على سكتها الصحيحة بل لم تعمر طويلا حيث تم تقييم تجربة من موقع المسؤولية للخروج بنتيجة ملموسة تجسدت في تأسيس مؤسسة خاصة به تحمل إسم “مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة”. تتكون من مكتب تنفيذي يترأسه الأستاذ نور الدين الصايل، وهو المؤسس الفعلي لهذه التظاهرة منذ انطلاقها سنة 1977 (نشير بين قوسين إلى أن بعض الأطراف بالمدينة استغلت ظروف اشتغاله في الخارج خلال سنوات التسعينات لاستيلائها على المهرجان وتحريف مساره). كما تتضمن المؤسسة الجديدة كتابة خاصة بالمهرجان، ولجن وظيفية حيث أصبحت المهام المنوطة بكل لجنة تتحمل فيها المسؤولية المطلقة للحد من تداخل المهام، وبالتالي الحد من سيادة الأخطاء والفوضى وهذا ما جعل الدورة الثالثة عشرة، التي اختتمت قبل أيام، من الدورات الأكثر احترافا وكأول دورة تُقام تحت الإدارة الجديدة بالمؤسسة الجديدة المُشار إليها والتي تضم كذلك أهم المؤسسات الوطنية في الثقافة والسينما والإعلام. ووجدت المؤسسات المحلية بالمدينة والجهة مكانها الطبيعي فيها بدور جديد وفعال، بكل ما يحمله من احترام لمكانتها في تطوير مجالها عن قرب يبرز قدراتها الحقيقية التي كانت تضيع سابقا في متاهات ذاتية بدون جدوى يُذكر في سيرتها.
لكن لا يعني أن المشاكل قد انتهت بصفة نهائية إذ مازالت بعض الأطراف تحن إلى ماضيها ولم تدرك الفرق بين واجبها في دعم التظاهرة بحكم القانون وحق الرقابة عليها. ولم تستوعب بعد بأن مساهمتها في خلق الظروف المواتية لمثل هذه التظاهرات لا يعطيها الحق في ممارسة مجال لا تفقه فيه شيئا كالسينما والذي هو من اختصاص المجتمع المدني في إطار دمقرطة المجتمع. ينبغي أن تعي “مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية” بأنه مازال لها خصوما يحاربونها ولن يتركوها تشتغل باحترافية خاصة وأن نجاح الدورة 13 أزعج الكثيرون الذين يكرهون النجاح عوض أن يمدوا أيديهم بروح وطنية لإنجاح صورتنا.
 
• رقم 13 فال خير…
    
لم تكن تظاهرة السينما الإفريقية بخريبكة تعرف، من قبل، معنى الالتزام والضبط الزمني بحيث تنعقد حسب أهواء من يسيطر علي التظاهرة حينها بمبررات في غالبها وهمية تلف وتدور حول نفسها في إطار صراعاتها الداخلية. لكن، مع المؤسسة الجديدة تم الإعلان على أن ينعقد سنويا وليس حسب الأهواء.
إذا كان “رقم 13″ (وهو الرقم الذي تحمله الدورة الأخيرة) في الثقافة الأوروبية التقليدية رقما مشؤوما يحمل سوء الحظ فإنه كان حسن الطالع لمدينة خريبكة ومهرجانها الذي تدشن به مرحلة جديدة أثارت فعلا الانتباه بتحولاته نحو الأمام في مجمله، وبالإمكان أن يكون من أفضل المهرجانات المختصة في السينما الإفريقية بالقارة نظرا لما يتيحه المغرب من إمكانيات المشاهدة الجيدة وما يتوفر عليه من بنيات تحتية وقد تجلى ذلك في الإنتاجات المُشتركة مع عدد من الأقطار الإفريقية وجاء التأكيد من جديد على لسان رئيس مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة وهو في ذات الوقت المدير العام للمركز السينمائي المغربي كمؤسسة رسمية في كثير من المنابر الصحفية المحلية والإفريقية على ضرورة العمل المشترك ضمن خريطتها أو ما يُذكر في اللغة السياسية ب”الجنوب – جنوب” والاستقلال عن الغرب ومساعداته المشروطة والمُبهمة، وأن إفريقيا قادرة على رفع التحدي وترجمته على أرضها سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو التوزيع. وهذه الرؤية الإستراتيجية الشاملة لواقع السينما في القارة السمراء هو الذي دفع بالمنظمين لتنظيم ندوة في نفس الموضوع كأرضية لتأسيس هذا البعد الجماعي لسينما إفريقية بملامحها المحلية الغنية والمتعددة في آن واحد.

ثريا جبران رئيسة المهرجان                                                                             عصمان سمبين الراحل الكبير          

كما كانت الدورة 13 فال خير أيضا على المهرجان والمدينة بحيث تم شراء شاشة كبيرة وآلة العرض السينمائي وتثبيتهما في المركب الثقافي بصفة قارة ونهائية بعد أن كان سابقا يتم اكترائهما بميزانية خيالية تأكل من مال المهرجان. وبعد أن تخلصت التظاهرة من قاعة الأفراح التي كانت تسيء للسينما والمدعوين والمخرجين وأفلامهم بشروط بدائية. وعليه فستبقى الشاشة الكبيرة وآلة عرضها مكسبا لسكان المدينة ولمختلف العروض السينمائية التي ستحتضنها مستقبلا، وطيلة السنة، وليس بعروض موسمية فقط تفرضها الحاجة، فقد حصلت عليهما بفضل مؤسسة المهرجان التي تتضمن كما سلفنا مختلف الهيئات المحلية والوطنية.

• فوز سكان خريبكة بالسينما…

ونعتقد أن جمهور مدينة خريبكة يستحق هذه الهدية السينمائية الجميلة والرائعة بعد سنوات من العزلة المفروضة عليه، خاصة وأنه أبان، خلال العروض السينمائية، على سلوك حضاري متقدم باحترامه قانون الفرجة حيث لم يكن هناك تشويش على الأفلام كالسابق بالتعليقات أو الحديث في الهاتف وسط القاعة أو غيرها من الممارسات السلبية التي أصبحنا نعاينها للأسف في المدن الكبيرة التي يدعي سكانها أنهم “أكثر حضارة “(؟؟؟؟)، بل أحيانا من لدن السينمائيين أنفسهم والنقاد والصحفيين الذين من المفروض فيهم أن يكونوا أكثر إلتزاما بقواعد الفرجة.
ظهرت في الدورة 13 “نشرة” خاصة بالمهرجان، وهي خطوة هامة في سياق التطور الذي تعرفه التظاهرة للارتقاء بالعلاقات التواصلية، وبذلك تتحول إلى وثيقة تُؤرشف لمحطات التظاهرة وتبقى ذكرى جد إيجابية، بغض النظر عن نواقصها في ملامسة الأفلام المُبرمجة سواء داخل المسابقة الرسمية أو الموازية لها لأن كل مهرجان في العالم تصنعه الأفلام وليس غيرها.
اختتمت دورة يوليوز 2010 من مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة بهذه الاستحقاقات المذكورة أعلاه فتكون المدينة نفسها هي الفائزة بدورتها الثالثة عشرة، وهي التي حصلت على الجائزة الأولى الرمزية قبل فوز الأفلام المشاركة إن لم نقل بأن المؤسسة الجديدة للمهرجان هي التي مهدت الطريق لنجاح التظاهرة وإيصالها إلى قمتها بتجاوز النقط السوداء التي سادت لسنوات طويلة ويريد البعض إرجاعنا إليها بحجج واهية.

• نتائج المسابقة…

عرض المهرجان أكثر من 25 فيلما من بينها 12 فيلما في المسابقة الرسمية تمثل جزء من الخريطة الإفريقية التي تبارت أمام لجنة ترأستها الفنانة الممثلة المغربية المقتدرة ثريا جبران (وزيرة سابقة في الثقافة) والتي حظيت أيضا بتكريمها في هذا المهرجان. أسفرت نتائج اللجنة على مايلي: الجائزة الكبرى للمهرجان، التي تحمل إسم المخرج السنغالي الراحل وأحد مؤسسي السينما الإفريقية بامتياز عصمان سمبين، من نصيب المخرج المغربي محمد مفتكر عن أول فيلم روائي طويل له وهو “البراق” الذي سبق له أن نال من قبل الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني بطنجة في دورته الأخيرة.
ونال الفيلم المغربي “فينك أليام؟” للمخرج المغربي إدريس شويكة جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع المخرج أوليفيي هيرمانوس من جنوب إفريقيا عن فيلمه “شيرلي آدمس” بينما حصل الفيلم المصري “الفرح” لمخرجه سامح عبد العزيز جائزة الإخراج فيما نالت مواطنته المصرية مريم نعوم على جائزة السيناريو عن فيلم “واحد – صفر”.
جائزة الدور الأول نسائي حصلت عليه الممثلة دينيس نيومن عن دورها في فيلم “شيرلي آدمس” من جنوب إفريقيا و ذهبت جائزة الدور الأول رجالي للممثل سيرجي هينري عن دوره في فيلم “إمرأة ليست كمثيلاتها” من بوركينا فاصو. أما الأدوار الثانية فقد كان الدور النسائي للممثلة المغربية مجدولين الإدريسي عن دورها في فيلم “البراق”، والدور الرجالي للممثل سامسون أوديومبو عن دوره في الفيلم الكيني “فتى الروح”. ونوهت لجنة التحكيم بالفيلم التونسي “سينيسيتا” للمخرج إبراهيم لطيف.          
 


إعلان