الدورة “25” للمهرجان الدولي لفلم الهواة بقليبية
![]() |
ملصق المهرجان |
تنظم مدينة قليبية التونسية مهرجانها الدولي لفيلم الهواة في دورته الخامسة والعشرين من 10 (يوليو) إلى 17 (أغسطس) التي تواجه تحديات ضخمة بين فكريّ وفنيّ باعتبار ما وصل إليه المهرجان من نضخ وإشعاع دولي وهو الذي تأسس منذ سنة 1964 وكان قبلة لرواد السينما المناضلة التي تعمل على تمكين هواة سابع الفنون من إنجاز أفلامهم والتعبير عن أفكارهم بحرية بعيدا عن ضغوطات هواجس المنتجين الربحية التي تنعكس حتما على مضامين السينما وعن هيمنة السياسة التي كثيرا ما اتهمت بدعم السينما الموالية لها والمروجة لخطابها الرسمي أو المحايدة التى تتعمد السكوت على ما يزعج أولى الأمر، وباعتبار طموحه إلى التغلّب على عوائقه المادية وعزمه على التحول إلى تظاهرة سنوية بعد أن كان ينتظم بالتداول مع المهرجان الوطني لفيلم الهواة.
1) أهداف المهرجان:
يهدف المهرجان الذي يستلهم مبادئه من الأرضية الثقافية للجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، إلى بناء ثقافة وطنية ديمقراطية مقاومة تنتصر إلى الإنسان وقضاياه وتواجه المد الامبريالي والاستلاب الثقافي كما يهدف في الآن نفسه إلى التواصل مع مختلف أصناف السينما غير المحترفة في العالم تلك السينما المستقلة التي كثيرا ما مثلت خيارا لهواة السينما يمكنهم من من ممارسة شعفهم بعيدا عن الإكراهات المادية لهذه الصناعة ولكنه بالمقابل بات يواجه تحديات جمة منها انتشار الوسائط الرقمية بشكل مذهل من آلات للتصوير وبرامج للمونتاج أو لتحريك الصور. ولئن أتاح هذا الأمر حلم السينما للجميع وجعلها وسيلة من وسائل التعبير، وهو ما تهدف إليه الجامعة وتعمل على ضمانه، فإنه جرّأ بالمقابل البعض على هذا الفن السينمائي وأعطى الانطباع بأنه ممارسة سهلة مبذولة لمن شاء مما سطّح الصورة وافقدها أبعادها الفكرية والتشكيلية. ثم إنّ هيمنة الفكر الاستهلاكي وتراجع الإيديولوجيا جعل الجامعة والمهرجان بالتبعيّة تواجهان جيلا من المقبلين على السينما ممن تعوزهم الرؤية الفكريّة والمدركة لخطورة الصورة وما يكمن خلفها من أبعاد. ولعلّ اللقاءات التي تعقد على هامش المهرجان والورشات التي تنظم خلاله أن تكونا سبيلا من سبل تجاوز هذه الهنات.
2) مسابقاته:
ينظم المهرجان ثلاث مسابقات بالتوازي هي:
– المسابقة الدولية وتضم أفلاما من روسيا و اسبانيا والمغرب والأرجنتين و إيران وبولونيا وألمانيا وكوريا وبريطانيا والجزائر و لبنان ومصر وتونس ويتولى لجنة تحكيمها كل من فتحي الهدّاوي النجم المسرحي والتلفزي والسينمائي التونسي و قاسم حول المخرج العراقي دارس الإخراج والتّمثيل وصاحب دور البطولة في فيلم الحارس المحرز على التانيت الفضي لأيام قرطاج السينمائية لسنة 1968وفانيسا ستويلكوفيتش الفرنسية ذات الأصول اليوغسلافية والمختصة في مهن الصورة والعاملة على توسّلها وسيطا يبلّغ أصوات الشعوب المضطهدة وبيار لابا وهو مخرج من المارتينيك يقيم منذ 1999 بالكوت ديفوار تدرج من هندسة الصوت إلى المونتاج إلى تصوير حفلات الافا بلوندي في أنحاء العالم إلى الإخراج ويعد فيلمه زواج بثلاثة وجوه رابع تجاربه الإخراجية وبابلوسيزار (الأرجنتين) صديق المهرجان الذي عمل على تصوير فيلم طويل بميزانية صغيرة جدا سنة 1991 بالاشتراك مع الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة فحمل عنوان ” اكينوكس، حديقة الورود” وعرض في افتتاح المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية.
– المسابقة الوطنية ويتولى لجنتها كل من لجنة التحكيم الوطنية السينمائي مصطفى التايب أحد مبدعي الصور المتحركة تكوّن في خضن الجامعة التي كانت إلى وقت قريب بمثابة مدرسة السينما الوحيدة بالبلاد التونسية. والسينمائي محمد دمق صاحب منجز أفلام قصيرة شأن “حي درابك” واخرى روائية طويلة مثل “دار الناس” ومحمد دمق حاصل على جائزة التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية عن فيلمه القصير “الوليمة ” 1998 والشاعر مراد العمدوني الحاصل الأستاذية في الفلسفة و عضو بالهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين ومؤسس دار إنانا للنشر.
– مسابقة المدارس التي تخول للمتميّزين من طلبة دارسي السينما عرض مشاريع تخرجهم وتضم في لجنتها كل من فني المونتاج العربي بن علي والمصورة الفوتوغرافية منى الكراي والجامعي أمين السعفي.
![]() |
فيلم الافتتاح من الارجنتين |
3) الأرجنتين ضيفة الشرف وزواج من ثلاثة وجوه في الافتتاح:
دأب المهرجان على اختيار دولة يجعلها ضيفة شرف. وبعد سوريا التي نالت شرف الاستضافة في السنة الماضية وكشفت لجمهور المهرجان عن طاقات مبدعيها المذهلة أحيانا تنال الأرجنتين شرف الاستضافة في هذه الدورة من خلال إنتاج طلبة معاهدها العليا أما شرف الافتتاح فحظي به فيلم زواج بثلاثة وجوه من سيناريو بيار لابا و إخراجه، يعرض قصّة فتاة ريفية تنقلب حياتها رأسا على عقب عندما يقرر قريبها أن ينظم لها زواجا برجل أوروبي عبر الانترنت ويكرس هذا الأثر النهج الكوميدي الذي اختاره المخرج في سائر تجاربه السينمائيّة.
4) هواجس السينما التونسية على هامش المهرجان:
تنتظم هذه الدورة في ظل المأزق الذي انتهت إليه السينما التونسية التي كانت دائما سينما طلائعيّة سبّاقة إلى طرح الأسئلة المحرجة أو المصيريّة مما جعلها تقطع مع السينما الاستهلاكيّة (طوق الحمامة المفقود للناصر خمير، خليفة الأقرع لحمودة بن حليمة، صفايح ذهب للنوري بوزيد، صمت القصور لمفيدة التلاتلي) لكن هذه السينما انحرفت على أيامنا عن المرجعيات الفكرية والجماليّة التي تحرّك سينما المؤلف وتحولت إلى استنساخ لتجارب بعينها يمعن في التركيز على حياة المهمشين ومشاغلهم (العلاقة بالجسد، حالات الانهيار النفسي، استهامات الذات…) إلى درجة التغاضي عن كل هموم جماعيّة.
لقد أفقد التغاضي عن مشاغل العالم الخارجي واختزال التعبير السينمائي في إدراك العالم الباطني للشخصيّة (في كثير من الإرباك والتكلّف والتّصنّع) هذه السينما من وجهة نظرنا المصداقيّة الفنيّة وأفضى بها إلى الانصراف المطلق عن تطلعات المتفرّج وهمومه وضع مصداقيتها الأخلاقية موضع سؤال وجعل السينمائي التونسي متهما بالاستجابة لتطلعات المموّل الغربي أو لجان التحكيم في مهرجاناته. والجامعة التونسية للسينمائيين الهواة مطالبة بالنظر إلى أرضيتها الثقافية وتطلّعاتها المناضلة إلى التصدّي إلى هذا الانحراف الذي يعادي النصّ ويميل إلى ما يسميه السّينمائي السوفياتي إزنشتاين بالتهريج الشكلاني، في كثير من الجهل بدواعي تهميش الحبكة السردية التي تنادي بها الحداثة السينمائيّة وما تتضمن من الخلفيات الفكريّة. ولعلّ هذا المطلب أن يظلّ عزيزا بالنظر إلى إقصاء لجان الاختيار عديد الأفلام ذات البناء الدرامي الواضح والطرح الإشكالي في ظلّ هيمنة هذه الأوهام الشّكلانيّة والانبهار بالسطح من منجز الحداثة السينمائيّة الغربيّة على النخب السينمائيّة في تونس مما يهدّد بمزيد عزلة هذا الفنّ عن متفرّجيه ويكشف عن عدم جاهزيّة هذه النخب للقيام بالمراجعات الفكريّة والجمالية الأكيدة.