دور السينما في اليمن.. بين الماضي والحاضر

من أصل 49 دار عرض سينمائي في اليمن لا توجد في الخدمة الآن سوى 10 دور معظمها تعمل على تكرار عرض الأفلام القديمة وغير النوعية, ومنها ما تحول من عرض الأفلام السينمائية إلى عرض أفلام اسطوانات مدمجة DVD)) من خلال تقنية “البروجكتر” عرف اليمن صالات العرض السينمائي في خمسينات القرن الماضي في عدن, ومنها انتشرت إلى بقية المحافظات الجنوبية والشرقية (قبل إعادة الوحدة عام 1990م ) وكانت هذه المحافظات تمتلك جميعها دورا للعرض التي وصل عددها إلى 24 دار عرض حتى عام 1990م.

أما المحافظات الشمالية , فهي لم تعرف ظهور هذه الصالات إلا عام 1962م , ويملك القطاع الخاص في هذه المحافظات جميع دور العرض. والتي وصل عددها حتى عام 1990م إلى (25) دار عرض .
يؤكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للمسرح والسينما الأستاذ: حسين محمد عبد الله أن جميع دور العرض في اليمن هي دور عرض شعبية تفتقر إلي شروط دور العرض  الحديثة بإمكاناتها العصرية .

السينما في صنعاء..
لا نعثر الآن في العاصمة صنعاء سوى على دار عرض سينمائي واحدة, من أصل أربع دور عرض كانت مفتوحة  ثلاث منها أغلقت, بما فيها أقدم وأكبر دار سينما في صنعاء وهي “دار سينما بلقيس” الواقعة في ميدان التحرير, والتي أغلقت أبوابها عام 2004م , فيما كانت توقفت كل دار “سينما حدة” و”سينما خالدة ” في الحي السياسي سنة 2003 لتبقي على لائحة دور العرض في هذه المدينة فقط “الدار الأهلية للسينما” الواقعة في حي شعوب غربي مدينة صنعاء القديمة .
و”الدار الأهلية للسينما  هي ثاني صالة سينما تفتتح في صنعاء حيث بدأ نشاطها عام 1962م عقب شهور من افتتاح ” دار سينما بلقيس ” .

تعرض هذه الدور أساسا الأفلام الهندية وهي هي أول الأفلام التي أدخلت اليمن بعد عام 1962م وبسب الإقبال مشاهدة هذا النوع من الأفلام – ويقول الدكتور عبدا لله الزين في كتابه “اليمن ووسائله الإعلامية” وانتهى الأمر بأن أصبح المشاهد اليمني يعرف حبكة القصص العاطفية التي تتخللها الأغنيات الشرقية المعبرة والمشاهد الخلابة .. وتتناول الأفلام الهندية التي تعرض في اليمن موضوع الحب المثالي الذي يتردد في الشعر الغنائي العربي , ويمثل قيمة يحترمها حماة التقاليد في البلاد.
يقول الناقد السينمائي عبد ربه الهيثمي :” في نهاية عقد السبعينات كان وضع المؤسسة العامة للمسرح والسينما قد اختل وتعثر نشاطها, بما في ذلك استيراد الأفلام الجديدة, حيث كانت المؤسسة متعاقدة مع عدد من الشركات العالمية لإنتاج وتسويق الأفلام . وكانت تشتري منها الجديد وتعمل على تأجيره لدور العرض . ولتعثر نشاط المؤسسة وتوقف استيرادها وتوزيعها لهذه الأفلام, عجزت إدارات دور العرض في المحافظات الشمالية, وهي إدارات لم يكن لها علاقة بالفن السابع ,عن مواجهة هذه المشكلة التي زاد من خطورتها الانتشار الكبير للدش والقنوات الفضائية وكذلك مقاهي الانترنت ومحال بيع الأقراص المدمجة, والتي استقطبت نسبة كبيرة من جمهور دور العرض , أضافه إلي أن دور العرض أخذت بتكرار عرض مخزونها من الأفلام القديمة فتراجع روادها وضعفت إيراداتها , فكان إغلاق معظمها”

عبد ربه الهيثمي

الدار الوحيدة التي تمارس نشاطها بصنعاء الآن هي ” الدار الأهلية للسينما” التي لم يعد يرتادها يوميا سوى (150-200) شخص وهي المشكلة التي حاولت إدارة هذه الدار التخفيف من وطأتها باستئناف استيراد وعرض الأفلام الهندية الجديدة منذ بداية هذا العام, بينما ظلت في السنوات الماضية تعيد عرض الأفلام القديمة, وهي الآلية التي ظلت دور العرض في المحافظات الشمالية, والمتمثلة في تكرار عروضها القديمة, والذي نتج عنه تراجع في عدد المترددين وبالتالي في مستوى الإيرادات ومنها “دار سينما بلقيس ” في صنعاء التي قيل إن إيراداتها قبيل إغلاقها وصلت إلى مستوى عجزت فيه عن تغطية نفقات تشغيلها, ما اضطر صاحبها إلي إغلاقها .
ومع اختلاف طفيف في التفاصيل أغلقت معظم دور العرض في بقية المحافظات الشمالية, فهذه مدينة الحديدة مركز محافظة الحديدة كان بها خمس دور عرض لم تعد تمارس نشاطها سوى دار عرض واحدة, ومثلها في مدينة تعز مركز محافظة تعز.  ويرجع كثير من المصادر إغلاق  19 دار عرض في المحافظات الشمالية من أصل 25 إلى الإدارة غير المؤهلة, وحيث كانت تدار هذه الدور من قبل عناصر لا علاقة لها أو دراية بالفن السابع, فكان همها الأول هو الربح السريع, دون العناية بصالات العرض من ناحية النظافة المستمرة والصيانة الدائمة والعروض الجديدة ذات القيمة النوعية المناسبة للعرض, أسهم في ذلك غياب الدولة عن أداء دورها في تنمية هذا القطاع بالإشراف علية, وفق رؤية واضحة ومن خلال مؤسسة وهيئة متخصصة وفاعلة.
ونتيجة لهذا الواقع ظل مستوى خدماتها يتراجع, وبالتالي تراجع عدد روادها, ولم تصمد أمام تراجع الإيرادات, فكان قرار الإغلاق هو الحل, أما الدور التي استمرت تمارس نشاطها فهي إما تعرض الأفلام القديمة , وإما تحولت من عرض الأفلام السينمائية إلي عرض أفلام الأقراص المدمجة من خلال تقنية “البروجكتر” بل إن مباني بعضها صارت أسواقا شعبية لبيع القات والخضراوات.
يشار أن  ثلثي دور العرض في المحافظات الشمالية تنتشر في صنعاء والحديدة وتعز, بينما لا تزال هناك مراكز محافظات محرومة من هذه الفضاءات السينمائية حتى اليوم.
وراء كل هذا التردي والتراجع في مستوى خدمات هذا القطاع في اليمن, تقف  الدولة عاجزة بوصفها الراعي الذي يضم هذا الفن وهذا القطاع حتى اليوم ضمن دائرة اهتماماته , بما يمكن هذه الفنون من أداء دورها في تنمية أجيال قادرة على العطاء والانجاز إذ لم تعد الفنون _ حسب محمد عبد الله _ وسيلة لتنمية التذوق والنزعة الجمالية فحسب , وإنما أداة مهمة من أدوات تنمية التفكير.

الفيلم اليمني “الرهان الخاسر”

الحل قرار سياسي
    يبقي الحل لتجاوز هذا الوضع في رأي رئيس مجلس إدارة المؤسسة” هو في إصدار قرار سياسي, إما بتصفية المؤسسة ودور العرض, وإما بالإبقاء عليها وحل مشكلاتها وتوفير الشروط اللازمة لتفعيل نشاطها” وهو ما أكده الهيثمي, مشيرا إلى أن معالجة أوضاع السينما في اليمن بشكل عام, من دور العرض إلى الإنتاج . وأضاف :”يتوقف هذا الحل على الإرادة والقرار السياسيين, حينها ستكون هناك سينما يمنية منافسة, وهذا الأمر ليس مستحيلا في ظل توافر كافة الإمكانات من مواد خام وكوادر ومساحات طبيعة , لكن ما نحن بحاجة إليه هو الإرادة السياسية”.


إعلان