“وراء الشمس”.. عندما تصنع من المريض نجما ومن النجم مبدعا

أيهما يستحق الثناء أكثر: المريض الذي جسد واقعه على الشاشة، أم الممثل الذي جسد واقع المرضى الآخرين؟

هذا السؤال سينتابنا مباشرة بعد مشاهدة العمل الدرامي السوري “وراء الشمس”، وهو العمل الذي كان الأكثر متابعة في الشارع السوري خلال شهر رمضان 2010، ويلعب دور بطولته كل من النجم بسام كوسا والشاب علاء الزيبق وصبا مبارك ومنى واصف وباسل خياط وثناء دبسي ونادين خوري وسليم صبري وضحى الدبس ورضوان عقيلي وآخرون. وهو من تأليف محمد العاص وإخراج سمير الحسين. والجواب عليه مؤكد لدى الجمهور.

تدور أحداث العمل لمن لم يشاهده حول مريضين أحدهما مصاب بـ”متلازمة داون” وينتمي بدوره في العمل إلى أسرة ميسورة الحال ومقتدرة نسبيا، والمريض الآخر مصاب بـ”التوحد بالتوازي” ويعيش في أسرة فقيرة جدا دون سند.

بسام كوسا.. أداء رائع لشخصية فريدة

يعتبر “وراء الشمس” العمل الدرامي الأول من نوعه الذي يتطرق بشكل مفصل وعلى مدى 30 حلقة لذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الأمراض السابقة الذكر، وهي الحالات الأكثر بؤسا، لما فيها من معاناة نفسية وجسدية واجتماعية، ليس فقط على المريض نفسه، وإنما على المحيطين به وعائلته بالدرجة الأولى.

ورغم الأداء الملفت لبطلي العمل الرئيسيين، فإنه لا يمكننا أن نتجاهل الأداء المتميز لكل ممثل في هذا العمل، بدءا من السيدتين منى واصف ونادين خوري والممثل المخضرم رضوان عقيلي والممثلين المبدعين صبا مبارك وباسل خياط والآخرين، فلكل منهم إبداعه بطريقته في تقديم شخصيته باقتدار وإحساس عاليين.

الممثل بسام كوسا بطل مسلسل “وراء الشمس”

ولكننا سنقف بشكل أكبر عند الأداء المتفرد لكل من بطلي العمل، الأول نجم درامي بكل المقاييس جسد دور المريض، والآخر مريض استطاع أن يصبح نجما رمضانيا وحديثا للعامة.

فالمبدع بسام كوسا الذي تعودنا منه الحضور الاستثنائي والبصمة المميزة التي تعطي لأي دور درامي -مهما صغر شأنه- نكهة خاصة يصنعها بنفسه، ونستذكر هنا مباشرة دوره في مسلسل خان الحرير حين لعب دور الرجل “النسونجي” بتفصيل خاص، ودوره في “سيرة آل الجلالي”، وشخصيته في مسلسل “باب الحارة”؛ تلك الشخصية الأقرب والأكثر بقاء في الذاكرة والتي تعتبر بشكل او بآخر إحدى العلامات المميزة للعمل وربما الفخ الذي نصب للجمهور ليتابع من بعدها باقي أجزاء هذا العمل.

بعد كل ما سبق ذكره، كيف نتوقع حال هذا المبدع وهو يجسد في عمله “وراء الشمس” شخصية مركبة تعاني من إعاقات جسدية ونفسيه تتطلب منه دراستها بشكل تفصيلي ومعايشتها عن قرب والقراءة عنها، علما بأن الشخصية التي يؤديها ليس لديها تصاعد درامي يصل إلى ذروته، رغم وجود بعض المفاصل الهامة.

وتبقى هذه الشخصية إحدى أهم الشخصيات التي أداها بسام كوسا وليست أهمها بطبيعة الحال، ويبقى أداؤه تحفة رائعة لدرجة أننا كنا ننسى بين لحظة وأخرى أنه فنّانُنا الذي نعرفه، بل تماهينا مع هذا المريض الذي لا حول له ولا قوة.

علاء الريبق.. مريض حقيقي في دور مصاب بمتلازمة داون

اما البطل الآخر فهو مريض حقيقي مصاب “بمتلازمة داون” وهو أحد أهم الأمراض الشائعة في العالم. ولأننا لا نعرف الكثير عن هذا المرض، ولأن المخرج أراد أن يشعرنا بالصدق في عمله، اختار بفطنته لهذا الدور مريضا حقيقيا ليجسد شخصيته الواقعية أمام الشاشة.

علاء الريبق (22 سنة) المصاب “بمتلازمة داون” تمكن عبر توجيهات المخرج من أن يكون نجما حقيقيا

فالشاب علاء الريبق (22 سنة) المصاب “بمتلازمة داون” تمكن عبر توجيهات المخرج من أن يكون نجما حقيقيا تتفاعل وتتعاطف معه الجماهير، بل فعل أكثر من ذلك حين عكس لنا صورة رائعة للمصابين بهذا المرض جعلتنا أقرب إليهم بعد أن كنا نخجل منهم ونشفق عليهم في أفضل الحالات. ولقد اختير علاء -حسب المخرج– من ضمن مئات الشباب المصابين بهذا المرض، وأُخضع لورشة تدريب استمرت أكثر من أربعة أشهر.

مخرج مبدع.. إطراء مفقود لمايسترو العمل الواقف خلف الكاميرا

ويعد هذا العمل الذي أخرجه سمير الحسين أحد أهم أعماله على الإطلاق، لما بذله من جهد واضح، ليس فقط في إخراج العمل وإدارة الممثلين، وإنما للجهد الخاص الذي كان يعترض التصوير مع هذا الشاب المريض الذي يعاني من ضعف الذاكرة بالدرجة الأولى ومن عدم القدرة على تحمل الساعات الطويلة من العمل ثانيا، مما كان يضطر المخرج لتوقيف العمل لإراحته جسديا ونفسيا.. كل ذلك ليظهر هذا الشاب المريض بطلا على الشاشة الصغيرة، ويؤثر بالصغير قبل الكبير عبر أداء مدروس.

سمير الحسين مخرج مسلسل “وراء الشمس”

مع الإشارة إلى أنه حين يثار الحديث عن هذا العمل لم نسمع كلمة إطراء أو إعجاب واحدة بشأن مايسترو العمل ومخرجه كما سمعنا عن بطليه، والسبب يعود بطبيعة الحال إلى أن الأول يعمل من خلف الكاميرا، بينما الآخران أمامها.

إن “وراء الشمس” عمل يجدر التوقف عنده لما يحمله من عناصر ناجحة ومكتملة، وقد يكون عيبه الوحيد هو إيقاعه البطيء الذي استوجب الإطالة والمط في حلقاته، وذلك بطبيعة الحال يعود لضرورات إنتاجية تفرضها شروط العرض والطلب في شهر رمضان.

هوامش:

متلازمة داون (أو المنغولية)، هي اضطراب خَلقي ينتج عن وجود كروموسوم زائد في خلايا الجسم. وتعتبر متلازمة داون واحدة من الظواهر الناتجة عن خلل في الصبغيات أو المورثات تسبب درجات متفاوتة من الإعاقة العقلية والاختلالات الجسدية.

2.التوحد بالتوازي: اضطراب عصبي تطوري ينتج عن خلل في وظائف الدماغ يظهر كإعاقة تطورية أو نمائية عند الطفل خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر. ومن علاماته الرئيسية أنه يؤدي إلى تأخر في تطور المهارات اللفظية وغير اللفظية وفي اضطراب السلوك واضطراب التفاعل والتواصل الاجتماعي.


إعلان