الإسلام على الشاشة بين السينما العربية والغربية
محمد رُضــا
حين قام المخرج الراحل مصطفى العقاد بتقديم “الرسالة” و”عمر المختار” واجه المعضلة إياها: هل من سبيل لتقديم الإسلام جيّداً لمواجهة الصورة السلبية المنتشرة في السينما الغربية عموماً؟ وكيف؟. الصعوبة كانت مضاعفة في الفيلم الأول كون الثقافة الإسلامية لا تسمح بتصوير الأنبياء بمن فيهم النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، بالتالي فإن ما كان على العقّاد فعله في هذا الإطار الحديث عن الفكرة وليس عن صاحبها. عن الدين وليس عن الرسول0
تحرر العقاد أكثر بكثير حين أنجز “عمر المختار” لكنه واجه سؤالا بديلاً: كيف يمكن تقديم شخصية مقاتل حمل السلاح لكنه كان مسلماً ممارساً للدين الحنيف؟ العقلية الغربية لا تقبل أن يرفع راهب الإنجيل بيد والسلاح بيد آخر ولو أن أفلاماً روّجت لهذه الصورة لكنها كانت خيالية وليست عن شخصيات واقعية. بالتالي، لا تستطيع (على نحو شبه مطلق) قبول شخصية رجل يحمل الله في قلبه ويواجه الآخرين بالعنف
ردُّ العقاد على هذا السؤال هو إظهار شراسة الإحتلال الإيطالي لليبيا وتعسّفه وكيف قاد ذلك الإحتلال الى إقامة أول معسكرات تجميع للمدنيين، أي قبل معسكرات الهولوكوست و، في الجانب الآخر، تقديم شخصية رجل يدرّس التلامذة طالباً منهم التعلّم والإستنارة0
في نهاية الفيلم يلتقط صبي النظّارة الطبيّة التي سقطت عن عيني عمر المختار بعدما اقتيد للإعدام. رمز صغير على أن الطريق من هنا وصاعداً سيكون علماً وثقافة ومعرفة0
في حين كانت الصور التي روّجتها الأفلام الغربية عن الإسلام والمسلمين عدائية بدافع إثارة الجمهور وخلق عدو يواجهه البطل التقليدي، فإن التشويه الذي أصاب الإسلام كان إما مقصوداً عن عمد وإما تلقائي في نتيجته من حيث تعاطيه ومفاهيم نمطية محددّة مستوحاة من ظروف سياسية واجتماعية مثل موقف الدول العربية من إسرائيل في الستينات، ومثل مصر والعدوان الثلاثي، والقضية الفلسطينية التي نجح الإعلام الإسرائيلي في جعلها تبدو حالة دفاع إسرائيلي عن النفس، والثراء البترولي الذي أصاب بعض دول المنطقة، كما من مفاهيم مغلوطة ساهم الأدب في تكوينها (عالم ألف ليلة وليلة وحكايات السلاطين). من ناحيتها فإن الأفلام الحديثة التي طُرحت حول الموضوع الإسلامي تُلغي (بقصد او بدونه) الكثير من الصور النمطية السابقة لتحل مكانها إما صوراً غير نمطية او صوراً نمطية مختلفة عن تلك السابقة0
![]() |
مصطفى العقاد مع عبد الله غيث خلال تصوير “الرسالة” |
في “إنذار بورن”، ثالث أجزاء سلسلة مغامرات عميل السي آي أيه [بول غرينغراس- 2007 ] يواجه بطل الفيلم الأميركي جاسون بورن (مات دامون) المُطارد من السي آي أيه أحد مطارديه: مغربي يعمل لصالح الجهاز الأميركي مكلّف بقتله. معركة يدوية كبيرة تقع بين الإثنين. وفي حين أن مثل هذه المعارك بين البطل الأميركي وغريمه العربي كانت تكشف مهارة الأول القتالية وجهل الثاني او لجوئه لحلها بالخنجر او السيف (“غزاة تابوت العهد المفقود” مثلاً) تكشف هنا عن مهارة متوازية على نحو كامل بحيث أن انتصار الأميركي على العربي تحصيل حاصل لبطولته الفيلم وليس لتفوّقه أساساً0
من ناحية، هذا وحده لا يلغي طموح المسلم بشخصية اسلامية صحيحة المواصفات، لكن من ناحية أخرى فإن المطروح هنا شخصية تستدعي الإعجاب وكونها تعمل لصالح المخابرات الأميركية يرفع عنها الكثير من التعامل عدائياً معها0
ما تطرحه السينما السائدة التي ينتمي اليها “إنذار بورن” من صور، لا يقل أهمية عما تطرحه الأفلام الفنية او ذات الرغبة في جمهور ذي مُلكية فكرية أعلى كما الحال في عدد من الأفلام الأوروبية التي بدأنا نراها في السنوات الأخيرة0
عدّة أفلام في هذا الصدد من مخرجين لهم أكثر من باع في هذا الطرح. في العام 2006 قام المخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب بتحقيق فيلمه “البلديّون” او كما سُمّي في أسواق عالمية “أيام المجد”، وفيه إظهار لدور الجنود العرب الذين عملوا تحت راية الحلفاء في الحرب العالمية Days of Glory
الثانية، في عملية تحرير فرنسا من الإحتلال الألماني0
تبعه المخرج بفيلم عنوانه “نهر لندن” (2009) حول صداقة غير متوقّعة بين أم إنكليزية مسيحية وأفريقي مسلم (برندا بليثين وصدّيقي كواياتي على التوالي) كل منهما خسر ولداً خلال يوم الإرهاب الذي قام به اسلاميون متطرّفون0
![]() |
كسكس بالسمك |
الفيلمان مثيران جداً على سطح ما يتعاملان به من شخصيات. في عالم لم يعد مضطراً للتفريق بين المسلم والعربي (حتى مع علمه بأن معظم المسلمين ليسوا بالضرورة عرباً) تعامل رشيد بوشارب مع شخصيات عربية من دون منحها مواصفات اسلامية في فيلمه الأول “البلديون”. أما في الثاني فتعامل مع شخصية رجل مسلم من دون أن يكون عربياً. ما حققه تلاقي الناحيتين في حلقة تستكمل مدارها: العرب مسلوبون من الهوية والإستحقاق في الفيلم الأول، والمسلمون مُعاملون سواسية كوجه واحد في حين أن الحقيقة وجود تباين كبير بين المسلم وبين المسلم المتطرّف في الفيلم الثاني0
عبد اللطيف قشيش أنجز فيلمه الفرنسي “كُسكُس بالسمك” معنياً بحياة مهاجر مسن وعلاقاته مع محيطيه العربي والفرنسي الذي يعيش وسطهما. المخرج يرسم صورة إنسانية صادقة وعميقة للعربي وعائلته محاطة بإطار البيئة الفرنسية العامّة ويفرض تعاملاً من نفس النوعية الإنسانية على المشاهد الغربي مستبدلاً صورة العربي الذي يشكّل خطراً على مجتمعات ما بعد 2001 الى صورته كضحية وضعه من دون أن يلوم الفرنسيين على هذا الوضع0