انطلاق مشروع “بلدي” .. تكريماً لأميرلاي وبمعونته
-
عندما قرر أميرلاي الشروع في إنجاز مشروعه التسجيلي حول الممثلة السورية “إغراء” قبل ربيع الثورات العربية كان يريد رصد ذلك التدهور الذي عصف بالمجتمعات العربية عبر عقود حسب ما قال: “… إنها ترمز بكل معنى الكلمة إلى حال المجتمعات العربية، فسواء أكان للأمر علاقة بوضع النساء أو بصعود التطرف الديني، رافقت “إغراء” منذ سنوات مجدها، الانحدار الصاعق الذي كنا نعاني منه جميعاً”.
والحاصل أن عمر أميرلاي حصل في العام 2009 على منحة إنتاجية من “آفاق” من أجل المشروع الذي لم يتمكن من إنجازه وغاب قبل أن يستطيع (وقد استطاع رؤية ما جرى في مصر وتونس) رؤية بزوغ حراك سورية الجديد المغير لحركة الانحدار “الذي كنا نعاني منه جميعاً” نحو صعود هو الأول من نوعه في زخمه وشموله في تاريخ العرب الحديث.لقد استطاعت على ما يبدو كل من “برو آكشن فيلم” و”آفاق” (الصندوق العربي للثقافة والفنون) استشفاف ما كان سيفكر به عمر، فيما لو كان موجوداً، حول ما يمكن صناعته الآن بالمنحة البالغة 50 ألف دولار كاستمرارية لمشروع طويل وحلم لم ينفصل عن واقعه كان يضطلع به المخرج الراحل وعينه على جيل شاب لطالما سعى إلى تحفيزه وإطلاق شراراته إن كان من خلال أفلامه بشكل غير مباشر..أو بأشكال مباشرة من خلال الممارسة اليومية في ظروف لم تعد خافية على أحد.
لقد قررت المؤسستان بمبادرة استثنائية، تحويل المنحة إلى إنتاج مجموعة من الأفلام الروائية القصيرة تتيح للشباب السوريين التعبير عن رؤاهم (أفلامهم) للواقع وهو لا بد أنه واقع خاص في أيامنا… إنتاج عدة أفلام قصيرة ودمجها في فيلم طويل واحد.. في خطوة تبدو كرمية مبكرة نحو صياغة استراتيجيات جديدة، فاعلة، في عالم عربي جديد يبدو أنه سيصيغ نفسه نحو ثقافة جديدة أيضاً أكثر ديمقراطيةً وانفتاحاً. وكيف يمكننا من ناحية أخرى، تخيل استغلال (سينمائياً) مكتسبات الحراك السوري الوليد في الأشهر القليلة السابقة بطريقة أفضل من هذه الطريقة!!

يقول أسامة الرفاعي المدير التنفيذي لـ “آفاق”: “تقديراً منا لمسيرة المخرج الراحل عمر أميرلاي السينمائية وإيماناً بالأثر الكبير الذي تركه في المشهد السينمائي العربي عموماً وبمكانته الملهمة بين السينمائيين السوريين الشباب خصوصاً، أردنا من خلال نقل هذه المنحة الإنتاجية إلى جيل جديد من السينمائيين الشباب في سورية أن نؤكد على أهمية الفيلم الوثائقي في مواكبة التحولات وقياس نبض المجتمعات، وأن نستكمل دورنا الهادف إلى دعم الإنتاج السينمائي العربي والمواهب الشابة”.
سينجز المشروع “بلدي” في عدة مراحل تنتجها “برو آكشن فيلم”، تبدأ باستقبال المشاريع واختيار مابين ثلاثة وخمسة منها من قبل لجنة مختصة في الحقل السينمائي، ومن ثم تطور هذه المشاريع وتنجز بإشراف لجنة من المدربين والمستشارين لتكون جاهزة للعرض في أواخر عام 2012. وستنضم إلى “برو آكشن فيلم” و”آفاق” مؤسسات وجهات دعم أخرى عربية وأجنبية لتحقيق المشروع.
ويبقى أن نذكر في النهاية ما قاله عروة النيربية المنتج والعضو المؤسس في “برو آكشن فيلم” في معرض حديثه عن مبادرة “بلدي”: “هناك ثلاثة عوامل رئيسية تجعل من “بلدي” استمرارية طبيعية لمشروع “إغراء” أو مشروع أميرلاي عموماً: العلاقة القريبة التي كانت تربط الراحل بالمخرجين الشباب، الظرف الاجتماعي والسياسي الذي تمر به سوريا اليوم، والغياب المفجع لأميرلاي قبل أن يشهد كل هذه التحولات. “بلدي” هو بمعنى ما المشروع الذي كان سيهتم عمر بإنجازه أو الإشراف عليه فيما لو كان موجوداً معنا اليوم”.