خلفيات صنع فيلم “مغامرات تان تان”
محمّد رُضــا
في الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ينطلق، أوروبياً على الأقل، فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد »مغامرات تانتان» وهو فيلم ينتظره جمعان من الهواة. هواة أفلام سبيلبرغ وهواة شخصية تانتان وهما بذلك جمعان كبيران سيعيد سبيلبرغ إلى حجمه السابق ككبير محققي الإيرادات من بين المخرجين بعدما خسر اللقب لصالح آخرين أوّلهم جيمس كاميرون.
الفيلم يعكس شغف المخرج المزدوج: شغفه بالشخصية التي أدركها أوّل مرّة سنة 1981 عندما طالعها بينما كان يصوّر الجزء الأول من مغامرات «إنديانا جونز» والثانية شغفه بالشعبية الكبيرة التي أنجزها تان تان منذ انطلاقته الأولى.
ما هو غير معروف هو متى تناهى إلى سبيلبرغ أن الفنان البلجيكي واضع الشخصية وصاحب حقوقها إيغريه، معاد للسامية، طبعاً إذا ما تناهى له ذلك، وسواء أكانت هذه التهمة صحيحة او ملفّقة او نتيجة سوء فهم. وماذا كانت ردّة فعل

المخرج المعروف بحساسيّته حيال ذلك. لقد طرد الممثلة ميغان فوكس من فيلم من إنتاجه (الجزء الثالث من «ترانسفورمرز» لأنها وصفت مخرج الفيلم مايكل باي بأنه مثل “هتلر”، فكيف يقبل بتحقيق فيلم عن فنان يشتبه بأنه كان معادياً لليهود؟
وُلدت الشخصية بإسم تان تان (بعض الأميركيين قد يلفظونها تِنتِن) في مطلع العام 1929 وهي لم تكن بحد ذاتها شخصية ذات عقد نفسية او عاطفية او تحمل همّا حقيقياً بإستثناء البحث عن الخروج من المأزق الذي وقع فيه نتيجة قيامه بالمغامرة التي يعيشها. هي ليست شخصية اجتماعية التواصل، وأقرب الناس إليه كلب صغير وقبطان بحري وتحريّان توأمان. على ذلك، فإن هذه القرابة ليست صداقة عميقة بل زمالة من خلال مسعى دائم لتعقب مجرم او البحث عن شرير او أكثر.
يبدو أصغر من عمره، وهو لا يزال في السن الذي مٌنح له (فوق العاشرة ودون العشرين- بلا حاجة لحلاقة ذقن، او هي ربما محلوقة دائماً). يتمتّع بقدرة على الملاحظة الثاقبة وقدرة موازية على تفويت أمور يدركها القاريء قبله، ربما لو انتبه إليها سلفاً لما كانت المغامرة ممكنة. لكن إيغريه ذكر أنه تخيّل صبياً في الخامسة عشر من العمر…. وبعد كل هذه السنوات ربما أصبح الآن في السابعة عشر.
فيلم سبيلبرغ (الذي شوهد في عرض خاص مطلع تشرين الأول/ أكتوبر) يضعه في هذه الصورة. لكن الطريقة التي اختارها المخرج المعروف لهذا الوضع ليست مئة بالمئة آدمية وليست أيضاً كرتونية. عن طريق المؤثرات المعمولة بها بطلاقة الآن، تم الإستعانة بالممثل جايمي بَل الذي مثّل الشخصية بنفسه تماماً ككل فيلم حي، ثم تم إدخال التصوير الدجيتال بالكومبيوتر ومسحه لتأليف صورة منتصف الطريق بين الرسم والواقع. وهذا لا يخص تان تان وحده، بل كل الممثلين الآخرين وشخصياتهم: أندي سركيس (الممثل البريطاني ذي الأصل العراقي كان أول من طوّع نفسه كليّاً لهذه المعالجة حين لعب شخصية القزم في فيلم بيتر جاكسون «سيد الخواتم») يؤدي شخصية الكابتن أرشيبولد، دانيال كريغ شخصية إيفان إيفانوفيتش ساكارين، سيمون بغ شخصية تومسون، التحري ديلاكورت أداه توني كوران وجاد إلمالح أدى شخصية بن سلعاد (وكلها

شخصيات موجودة في مغامرات تان تان الأصلية).
ثلاثة كتبوا السيناريو المنتهي إلى الشاشة ستيفن موفات (جديد على الصنعة مع خلفية تلفزيونية)، إدغار رايت وجو كورنيش وكلاهما اشترك في كتابة وإخراج أفلام صغيرة سابقة. وجيمي بَل هو الممثل نفسه الذي كان قاد بطولة «بيلي إديوت» سنة 2000 وكان أوّل فيلم له. كان لا يزال صبيّاً صغيراً. الآن هو شاب وأكبر سنّاً من شخصية تان تان، لكن مع الكومبيوتر يستطيع أن يتحوّل إلى رضيع إذا أريد له ذلك (طريقة براد بت في «قضية بنجامين باتون المثيرة للفضول»). حين قابلت أندي سركيس في لندن قبل خمسة أعوام حدّثني طويلاً عن تمثيل شخصيّته على النحو الذي ظهر بها في «سيد الخواتم» مادحاً التنكولوجيا الجديدة: “الطريقة الوحيدة التي كانت السينما تستطيع تقديم شخصيّة غولوم التي لعبتها قبل عصر الدجيتال هي الإستعانة بقزم فعلي ومشوّه الوجه والبدن كما تقترح الأحداث او تكوينه من طمى متحركة”.
بالفعل، كل ما هو مطلوب قيام الممثل بالإداء الحركي ثم ترك الباقي إلى فنيي الكومبيوتر ومصممي المؤثرات ما يعني أنك تستطيع (ومن دون مزاح) أن ترتدي القميص نفسه في كل المشاهد او أن تذهب بالبيجاما للتمثيل إذا ما أردت.
الكومبيوتر غرافيكس ليس لعبة ستيفن سبليبرغ الوحيد لهذا الفيلم. هناك لعبتان أخريتان.
على صعيد التقنيات، هذا الفيلم بالأبعاد الثلاثة (لو است��عت لتحاشيت مشاهدته علي هذا النحو) وهو نظام بات يشكل سيفاً ذا نصلين: الأول إيجابي: الفيلم يندفع إليك بعمقه فتعيش لحظات تخال فيها (إذا أردت) أن يد تانتان تطالك، لكن الثاني سلبي: كثرت أفلام الأبعاد الثلاثة وأخذ الجمهور يبتعد عنها.
هذا شكّل اعتباراً خاصّاً حين بدأ التخطيط لتسويق الفيلم، لكن حسنات واحتمالات النجاح أكثر من فرص الفشل فكان القرار بتوفير هذا الفيلم (وجزأه الثاني الذي يخرجه بيتر جاكسون) بالنظام المذكور.
اللعبة الثانية لها أيضاً علاقة بالتخطيط والجمهور: كما ذكرت في البداية، يتم إفتتاح الفيلم في أوروبا أوّلاً،ما يعني أن الفيلم لن يُفتتح أميركياً. ذلك القرار اتخذ بناءاً على دراسة أجراها الإنتاج تبيّن فيها أن نسبة الأميركيين التي تعرف تان تان أقل مما كان معتقداً، ما جعل التفكير متّجه إلى افتتاح الفيلم أوروبيا (حيث النسبة أعلى بكثير) وعالمياً (نسبة جيّدة) بحيث يتأخر عرض الفيلم في الولايات المتحدة وكندا الى منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، لعل أصداء الفيلم تكون فعلت فعلها عبر الأثير والإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى.
لكن ألا يعني ذلك أن سبيلبرغ لم يعد واثقاً من أن إسمه لا يكفي وحده على الفيلم ليبيع التذاكر؟