حطيط سالاس: بحثتُ عن الطريقة الأكثر قوة وإمتاعاً

فيلمها «أقلام من عسقلان» المُشارك في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي
 
بشار إبراهيم

ليلى حطيط سالاس، مخرجة ومنتجة لبنانية اسبانية، تشارك بفيلمها الأول «أقلام من عسقلان»، في المسابقة الرسمية للأفلام العربية الوثائقية، في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي المنعقد الآن في الدوحة (25 – 29/10/2010).
كل ما في الفيلم، يوحي أنه يريد التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مختلف، فنياً ومضمونياً. لقد اختارت المخرجة العامل مع تجربة الفنان التشكيلي الفلسطيني زهدي العدوي، الذي قضى قرابة عقد ونصف من السنوات في المعتقلات الإسرائيلية، ولكنه تميز بتجربته الإنسانية والفنية، بأنها من خلال زنزانته استطاع الاستمرار والإبداع، وتمكن عبر رسوماته من الوصول إلى العالم، وتوجيه الأنظار نحو القضية الفلسطينية، أولاً، ونحو الحركة الأسيرة، ونضالاتها، حتى خلف القضبان.

هنا حوار أجريناه مع المخرجة، عبر المراسلة، قبيل انعقاد المهرجان:

ما الذي جعلك تذهبين في فيلمك الأول إلى موضوع فلسطيني؟.. لماذا تختار لبنانية أسبانية أن تقدم نفسها مخرجةً من خلال فيلم فلسطيني الموضوع، والقضية؟..
أصبحت القضية الفلسطينية موضوعأ كونياً، لا يعني الفلسطينيين فقط. من المؤكد أن كوني امرأة من جنوب لبنان جعلني أهتم بأمور الفلسطينيين، أكثر من شخص آخر، يأتي من بلاد أخرى. دائماً كنت مهتمة، وأشعر بارتباطي بالقضية الفلسطينية، التي أصبحت قضية عربية، وعالمية؛ قضية إنسانية، فضلاً عن جانبها السياسي.
الموضوع الفلسطيني على جانب هام بالنسبة لي، كما لكل لبناني، وإسباني.. وهذا يعني أن في وسع غير الفلسطينيين، أيضاً، أن ينجزوا أفلاماً عن فلسطين.

لماذا زهدي العدوي؟.. ما الذي أغراك في حكايته؟..
لأننا نجد في قصته الكثير من المكونات الضرورية في القصص السينمائية، فضلاً عن اني أهتم بالقضية الفلسطينية، كما قلت قبل قليل. أنا مهتمة بموضوع المقاومة، بشكل عام، وأعتقد أن الفن هو من أهم الأدوات، التي لا يمكن حرماننا منها، في هذا المجال. الفن يأتي من الأعماق، وهو في الحقيقة لغة عالمية، لا تحتاج إلى ترجمة.
من جانب آخر، فإن زهدي العدوي، وقد مكث في المعتقلات الإسرائيلية طويلاً، فإنه شكَّل نموذجاً متميزاً للفلسطيني؛ فناناً، ومقاوماً. زهدي العدوي، يمكن له أن يكون خلاصة الواقع الفلسطيني، ودليلاً رمزياً عليه. إنه دلالة رمزية بارعة على الوضع الفلسطيني. فهو، بشكل شخصي، مارس فعل المقاومة في وضع رهيب، داخل المعتقلات الإسرائيلية. لقد احتفظ زهدي العدوي بالأمل حتى في أسوأ الظروف.
يبدو أنك انتهجت طريقة/ أسلوبية فنية لا يمكن وصفها بالوثائقية تماماً، ولا بالروائي تماماً.. ما الصفة التي تفضلين إطلاقها على الفيلم؟..

الفن من أهم أدوات المقاومة وأردتُ تكريم المخرجين العرب الروّاد

من الصعب أن نصنف هذا العمل على نحو محدّد، وهذا يفرحني حقاً. أكثر ما كان يعنيني كان أن أحترم رسوم زهدي العدوي، لذلك صممت على إنجاح اللقاء بين الشكل والمضمون. في هذا الفيلم، أظن أن رسومات زهدي العدوي، هي المضمون والشكل في آن معاً. نستطيع القول إننا نجد في هذا الفيلم الشعور والرسوم، نجد أيضاً قدرات الفنان زهدي العدوي الذي يستطيع أن يتخيّل ويبدع، رغم الظروف الصعبة. إنه فيلم يتكلم ويجعلك تتعاطف، لا أكثر ولا أقل. أما في حال أردنا أن نناقش ما هو واقعي، وما هو غير واقعي، في الفن، فالمسألة أكثر عمقاً، وتحتاج الى الوقت والحديث المطول.
في ما يخص الأسلوب، أيضاً، كنتُ أريد أن أكرِّم المخرجين العرب الرواد، الذين عملوا مع ممثلين غير محترفين؛ أي مخرجي السبعينات من القرن المنصرم، مثل المخرج اللبناني برهان علويه، والمخرج السوري محمد ملص.. ومخرجين آخرين أتوا بعدهما.. فأنا دائماً أؤمن بقدرة السينما العربية على فتح أبواب جديدة.
في العموم، يمكن القول إن الفيلم ينتمي إلى صنف «الوثائقي الإبداعي»، كما إلى تيار التجديد، الموجود في العالم العربي، وغير العربي. لقد اشتغلت على فيلمي بطريقة فنية إبداعية، أرى أنها تتناسب مع الاشتغال على موضوع زهدي العدوي، وتجربته الحياتية والإبداعية.

لماذا اخترت هذه الطريقة/ الأسلوب؟.. هل لأن شخصية الفيلم الرئيسية فنان تشكيلي؟.. هل لأن جوهر الأحداث تدور في أحد المعتقلات الإسرئيلية؟.. أم ثمة أسباب أخرى؟..
نعم، دون شك. الشكل يمنح المضمون. أنا، أكثر من شيء آخر، بحثت عن الطريقة الأكثر قوة وإمتاعاً. اختيار طريقة البناء والسرد. الصورة المناسبة، خاصة من ناحية التعامل البصري مع الرسومات. بحثت عن الطريقة التي أعتقد أنها الأفضل.
هذا الفيلم ليس تقريراً، ولا فيلماً تلفزيونياً. إنه فيلم فني وسياسي، يتعامل مع فنان وناشط سياسي. لهذا، مرة أخرى، كان تركيزي على فن زهدي العدوي، الذي أعتقد أنه جوهرة، حرصت من الفيلم أن يحافظ عليها، ويقدمها بالطريقة المناسبة.

إلى أي درجة كان للضرورات الإنتاجية أن تتدخل في اختياراتك الفنية، سواء على مستوى الأسلوب/ الطريقة، أو على صعيد الممثلين، ومواقع التصوير؟..
بداية، ينتمي هذا الفيلم إلى السينما قليلة الإمكانيات المادية؛ السينما الفقيرة، التي عُرفت في أمريكا اللاتينية، والعالم العربي، في السبعينيات من القرن المنصرم. بمعنى ليست تلك السينما التي تشبه ما تقدمه السينما الهوليودية، وبالتالي تخضع لمقياس الصح والخطأ.
من ناحية أخرى، بالتأكيد لقد واجهتُ صعوبات خلال تصوير الفيلم، وتنفيذه، كما يحصل مع الكثيرين في العالم. ولكن الأمر كان أكثر صعوبة، خاصة في مكان مثل جنوب لبنان. إسرائيل قصفت بالقرب من المكان الذي كنا ننفذ الفيلم فيه. كما كان هناك مشكلات تتعلق بانقطاع الكهرباء. كانت التصوير صعباً. ولكن الناس الذين تعاونوا كانوا يخففون الصعاب.

يشارك فيلمك «أقلام من عسقلان» في «مسابقة الأفلام العربية الوثائقية».. هل فاجأك هذا؟.. وما هو شعورك وأنت تدخلين بوابة المهرجانات السينمائية العربية بهذه القوة؟..
لقد شعرنا حقا بالسعادة، لأننا عملنا بكل محبة لإنجاز هذا الفيلم، ومهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي مهرجان مهم جداً، يهتم بالسينمائيين العرب، وبي بشكل خاص.
لقد كان من السعادة أن نكون في المسابقة، فهذا أمر هام، خاصة بالنسبة للفيلم، ولعله يشكل دافعاً قوياً له لمشاهدة واسعة، ومشاركات أوسع.
عملي الأول كان إنجاز تقارير لقناة الجزيرة أطفال، وبقيت لمدة سنة. وأنه لأمر عظيم أن أجد دعماً من قطر، مرة أخرى، وأنجز مشروعي هذا.

تشكو غالبية الأفلام التي تتناول الشأن الفلسطيني بأنها تنطلق من مبدأ التعاطف شبه المطلق مع فلسطين والفلسطينيين، إلى درجة تمنع أي جانب نقدي.. ما رأيك بهذه المقولة؟.. وكيف تعاملت أنت شخصياً وفنياً مع هذا الموضوع؟..
لست موافقة، على هذا. أنا أكتب عن السينما العربية، وسأقدم أطروحة الدكتوراه قريباً، وأستطيع أن أقول لك إن هذا ليس صحيحاً بحسب رأيي.
وفي كل حال، أي فيلم ينبع من مشاعر المخرج، الكاتب، المنتج.. وكذلك حال أي فيلم يتعامل مع الشأن الفلسطيني. بالنسبة لي أرى أن التعامل مع الشأن الفلسطيني، إنما يتم من أجل تقديمه، وإبقائه حاضراً. هذا هو هاجسي.
في تجربة زهدي العدوي تتداخل التجربة الفنية (الفن التشكيلي)، بالتجربة الوطنية (المقاومة والمعتقل)، بالتجربة السياسية (الانتماء الحزبي لأحد فصائل الثورة الفلسطينية).. كيف تعاملت مع هذه التشابكات؟..
هذا الفيلم عن موضوع محدد، وليس عن ملايين الأشياء، ولذلك قمتُ بالتركيز على الفترة التي أمضاها زهدي العدوي في السجن. وفكرة السجن. وفلسطين. والرسومات.

في الثمانينيات من القرن العشرين، وحتى قبيل إطلاح سراحه من المعتقل، بدا اسم زهدي العدوي مرتبطاً بزميله محمد الركوعي.. هل ثمة مقاربة لهذه العلاقة الفريدة؟..
أكيد كنت أعرف هذا.. ولكني أخترت أن أركّز على شخصية واحدة فقط لأسباب سينمائية.

واجه زهدي العدوي، بعد خروجه من المعتقل، مشكلات عديدة، سواء في التكيف مع الحياة، أو على صعيد الاستمرار في تجربته السياسية.. وكذلك على صعيد الاستمرار في طريقته الفنية ذاتها.. هل قام الفيلم برصد هذه التحولات؟.. وكيف تناولها؟..
نركز في الفيلم على الرسوم، وعلى قدرة زهدي العدوي في أن يتخطى الاحتجاز داخل جدران السجن، وإن في خياله، فحسب. كان أمراً هاماً أن زهدي العدوي أحب الفيلم.
لقد حرصت الحفاظ على كرامة الشخصيات، وصورهم، وحضورهم. وبالتالي طريقة ظهور الشخصيات في الفيلم، كانت بالنسبة لي خياراً فنياً يريد عدم إظهار الفلسطينيين كما يظهرون في نشرات الأخبار.
هناك مئات الأفلام عن المعتقلين الفلسطينيين، ولكن ليس هناك فيلم يشبه هذا الفيلم. وأنا وزهدي العدوي فخوران بهذا الفيلم.

كيف تتوقعين استقبال الفيلم من قبل الجمهور، خاصة الفلسطيني؟..
لا أفرق بين الجمهور الفلسطيني وسواه.


إعلان