السينما تستعيد مجازر أكتوبر 1961
الجزائر: علاوة حاجي
يستعيد فيلم “أكتوبر في باريس” للمخرج الفرنسي جاك بانيجال مجازر 17 أكتوبر 1961، التي راح ضحيّتها مئات المتظاهرين السلميين الجزائريين، الذين خرجوا إلى شوارع العاصمة الفرنسية باريس، مطالبين سلطات الاحتلال الفرنسي باستقلال الجزائر، وإنهاء حظر التجوال الذي فرضه رئيس الشرطة الفرنسية، موريس بابون، على المواطنين الجزائريين.
يعرض الفيلم تسجيلات وصورا فوتوغرافية ومقابلات مع شهود عيان رأوا مئات الجزائريين يُلقى بهم مكبّلي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين في نهر “السين” وسط باريس، أو الذين نجوا من تلك الجريمة، ليرووا ما حدث بالتفصيل.
لا يكاد العمل يتجاوز مهمّة تقديم المعلومات وإعادة بناء الأحداث بطريقة تكاد تكون موضوعية تماما، لكن ذلك لا يخفي الانحياز الواضح لقضية تحرّر الجزائر من طرف بانيجال ومموّلي الفيلم الذين ينتمون للجنة موريس أودان، وهي تكتّل يضمّ مثقّفين فرنسيين مناهضين لفكرة “الجزائر الفرنسية”، وهو ما يجعل من “أكتوبر في باريس” إدانة قويّة وواضحة لهذه الجرائم التي ترفض فرنسا الاعتراف بها والاعتذار عنها إلى غاية اليوم.
الفيلم الذي عُرض، ظهر أمس، بقاعة “سينماتيك” بمدينة وهران، غربي العاصمة الجزائرية، هو أوّل فيلم سينمائي يوثّق لمجازر 17 أكتوبر المثيرة للجدل، ولعلّه الأهم. وهذه الأهمية تكمن في كونه يستمدّ مادته من مسرح الجريمة مباشرة، وفي زمن حدوثها. فالمخرج جاك بانيجال، حمل الكاميرا وخرج إلى شوارع باريس بعد يوم واحد من وقوع تلك المجازر لينقل جوانب وتفاصيل حرصت فرنسا على إخفائها وفرضت عليها تعتيما إعلاميا كبيرا.
ولم تمرّ هذه المغامرة السينمائية، التي أراد صاحبها توجيه رسالة قوية للرأي العام الفرنسي بخصوص ما ترتكبه سلطات بلادهم في حق الجزائريين، سواء في الجزائر أو في فرنسا، مرور الكرام. فقد ظلّ الشريط الوثائقي عرضة للمصادرة كلما عُرض في فرنسا، حيث رفض مقصّ الرقيب السماح بعرضه منذ العام 1962، كما تعرّض بانيجال لمضايقات وتهديدات عدّة بسبب الفيلم، واستمرّ ذلك إلى غاية عام 1973، إثر الإضراب عن الطعام الذي شنّه المخرج الفرنسي روني فوتييه، المعروف بمساندته للقضية الجزائرية.

العمل واحد من الأفلام الوثائقية التي قدّمها مخرجون فرنسيون حول هذه المجازر، منها فيلم “17 أكتوبر 1961” لدانييل كوبفرتاي، الذي يقول إنه يهدف إلى “المساهمة في جعل الأحداث تسترجع مكانتها كاملة في الذاكرة الجماعية”.
وفي فيلم “صمت النهر” الذي أُنتج عام 1991، يركّز آنيي دينيس رفقة المخرج الجزائري مهدي لعلاوي على تفاصيل الجريمة والأساليب التي اعتمدتها الشرطة في قمع المتظاهرين السلميين وقتلهم، بينما يمثّل فيلم “هنا يتم إغراق الجزائريين” للمنتجة الجزائرية بسمة عادي، آخر الأعمال الوثائقية الخاصة بهذه الأحداث، حيث أُنجز خلال سنة 2011، بمناسبة مرور خمسين عاما عليها. ويقدّم العمل شهادات لم يسبق نشرها حول مراحل هذه المجازر، كما يكشف الاستراتيجية التي اتبعتها فرنسا في إنكار المجازر بهدف إخفاء الحقيقة والتستّر على الجريمة التي يقول الجزائريون إنها ستبقى وصمة عار على جبين الإنسانية.