نظرة على أفلام الأوسكار التسجيلية هذا العام
محمّد رُضــا
إهتمام أكاديمية العلوم والفنون السينمائية مانحة الأوسكار بالسينما الوثائقية والتسجيلية ليس جديداً، بل يعود لسنوات بعيدة وإن لم يكن مطلقاً بالحجم الذي هو عليه اليوم.
هذا العام، وقبل أيام قليلة، تم الإعلان عن خمسة عشر فيلماً من النوعين الوثائقي والتسجيلي مرشّحاً لأوسكار أفضل فيلم من هذين النوعين.
ومرّة أخرى ولإزالة الإلتباس أجد نفسي مضطراً لتفسير الفرق: الوثائقي ما اعتمد على الوثيقة بنسبة غالبة، والتسجيلي هو ما اعتمد على تسجيل حاضر او إعادة تقديم على نحو غالب، ربما تحوّل الفيلم التسجيلي لاحقاً إلى وثيقة ما، لكنه ليس الوثائقي المعتمد على أرشيفات وسجلات ووثائق. وإذا كان لابد من الإختيار بين الإثنين فاختياري الخاص هو “التسجيلي” لأنه يصلح لاحقاً لأن يلعب الدورين، أما الوثائقي المأخوذ كلمته من “وثيقة” فهو صنف من الأفلام غير الروائية وليس كلّها
الأفلام المرشّحة تم انتخابها من بين 124 فيلماً تقدّمت إلى الأكاديمية للغاية. والحديث قبل الترشيحات في هذا الجانب ركّز على أن هناك العديد من الأفلام التي تصلح لأن يتم ترشيحها للجائزة، والتي مدحها النقاد، ومنها «شاطيء بومباي» و«المحور» لم تشمله القائمة الرسمية الأولى هذه التي سيتم إختيار خمسة منها فقط للترشيح الرسمي الفعلي للأوسكار كما هي العادة.
يعرض «شاطيء بومباي» لمخرجته ألما هاريل لبيئة إجتماعية في ولاية كاليفورنيا تستوطن جزءاً من شاطيء المحيط الباسيفيكي يلقّب بـالمدينة الهندية كونه من أفقر البيئات الأميركية. أما «المحور» فهو دراسة عن حياة الكاتبة المسرحية أندريا دنبر من إخراج كليو بارنارد (التي جاءت بدورها من قاع الفقر البريطانية لتصبح واحدة من أشهر كاتبات المسرح حتى وفاتها سنة 1990).
لكن الإغفال الأكبر جاء من نصيب بضعة أفلام يحمل بعضها أسماء مخرجين معروفين.
هناك الفيلم الجديد للمخرج المسيّس إيرول موريس الذي سبق وقدّم واحداً من أفضل الأفلام التي تعاطت ملفّات الأزمات السياسية في الستينات والسبعينات وهو «ضباب الحرب: إحدى عشر درساً من حياة روبرت مكنمارا». فيلمه الذي كان متوقعاً دخوله الترشيحات هو آخر أعماله وعنوانه «تابلويد» يلقي فيه نظرة على وضع ملكة جمال ولاية وايومينغ ودوافعها التي حدت بها إلى خطف مبشر تابع لكنيسة مورمون المحافظة وسجنه طويلاً. خلال فترة سجنه ربطته بقيد إلى السرير وحوّلته إلى “عبد” تفرض عليه ممارسة الجنس معها.

أيضاً من بين تلك الغائبة عن القائمة فيلم ?رنر هرتزوغ «إلى القاع» الذي هو حوار أجراه المخرج الألماني مع سجين محكوم عليه بالإعدام (أسمه مايكل بيري) ذكّرني بفيلم رتشارد بروكس «في دم بارد» (1967) من حيث رصده لحياة مجرمين كما كتبها ترومان كابوتي الذي قام المخرج الآخر بانت ميلر (2005) بتحقيق فيلمه عن كيف وضع الروائي كابوتي قصّة ذلك الفيلم مستغلاً اعترافات أحد المجرمين.
أيضا من بين الأفلام الأخرى الغائبة فيلم »المقاطعون» لستيف جيمس، أحد أقوى الأفلام ذات الإهتمامات الإجتماعية متمحوراً حول العنف المتفشّي في ضواحي المدن. ستيف جيمس هو ذاته الذي سبق وقدّم فيلماً تسجيلياً ناجحاً بعنوان «أحلام كرة السلّة» الذي رُشح للأوسكار في هذه الفئة سنة 1994 لكنه نال جوائز أخرى بينها جائزة من “جمعية المخرجين الأميركيين”.
الأفلام المرشّحة متعددة الطروحات بالطبع، بحيث لا يمكن القول أن ما لم يدخل القائمة استبعد بسبب موضوعه. ففي فيلم Battle for Brooklyn
هناك الموضوع الإجتماعي متمحوراً حول إقامة مباني عمل وسكن في جزء من منطقة بروكلين رغم اعتراضات العديد من القاطنين، وهو موضوع شغل الصحف النيويوركية حينا طويلاً ولا يزال. الفيلم من إخراج مايكل غالينسكي
Bill Cunningham New York
ونجد رصد الشخصيات وتاريخها في فيلمين على الأقل هما «بل كننغهام، نيويورك» الذي يتناول حياة وأعمال المصوّر الفوتوغرافي بل كننغهام وأخرجه رتشارد برس، و Buck
للمخرجة سيندي ميل التي تلتفت إلى حياة بَك برانامان الذي أوحى للمؤلف نيكولاس سباركس بروايته «هامس الجياد» (من يهمس للجياد) الذي استوحى المخرج روبرت ردفورد واحداً من أفضل أفلامه. يوحي الفيلم بقدر كبير من التجانس بين الإنسان والحصان ويتعلّم ويعلّم شيئين او ثلاثة حول تلك العلاقة الحانية بين الإثنين.
كذلك هناك فيلم عن الحروب وتأثيرها السلبي على المحاربين من خلال «إلى الجحيم والعودة مجدداً» او
Hell and Back

هذا فيلم تسجيلي مؤلم من المخرج دانفونغ دنيس حول موضوع المحارب في الجبهة ثم بعد عودته إلى وطنه وكيف تتأثر حياته الإجتماعية بما كان يجيده في الحرب وهو القتل. يرصد المخرج حياة أحد ضباط المارينز الذي يعيش على العقارات بعد إصابته في أفغانستان والذي لا يتمنّى سوى العودة إلى القتال كونه لا يستطيع التأقلم مع حياته الإجتماعية
وعن الحروب أيضاً وما تصنعه بالرجال (والسيدات طبعاً) فيلم «تحت النيران: صحافيون في المعركة»
Under Fire: Journalists in Combat
يتعامل الفيلم، كما يوضح عنوانه، مع الآثار النفسية والأخطار الجسيمة التي يتعرّض إليها المراسلون الحربيون مسلّطاً الضوء على مراسلي شبكات البي بي سي والسي أن أن وصحيفة ذ نيويورك تايمز. الفيلم من إخراج مارتن بورك.
والحياة على الأرض ومتاعب البيئة ومناخات الطبيعة والتهديد الذي تمثّله على حياة الناس موجودة في
If a Tree Falls: A Story of the Earth Liberation Front
»لو وقعت شجرة: قصّة جبهة تحرير الأرض» لمارشال كوري الذي نال جائزة أفضل توليف لفيلم تسجيلي في دورة مهرجان «سندانس» الأخير.
وتبلغ غرابة المواضيع المطروحة حدّاً كبيراً بالنظر إلى فيلم «المشروع نيم» Project Nim
لجيمس مارش الذي اختار متابعة حياة عائلة اختارت سعداناً من فصيلة الشمبانزي حين كان لا يزال طفلاً وربّته وعاملته كما لو كان طفلاً بشراً وكيف أصبح اليوم أكثر انتماءاً إلى سلوكيات البشر منه إلى سلوكيات الإنسان في ترداد لنظريات من داروين وفرويد على حد سواء.