مهرجان تسالونيك : مهرجان أفلام من كل القارات
يَمنحُ الإطلاع على تفاصيل برنامج الدورة ال52 لمهرجان تسالونيك السينمائي بعض المعنى الكامن في طول التجربة وخبراتها، فيما يَبقى الحفاظ على التوازن الدقيق بين خصوصيته وبين عالميته أحد أهم إختباراتها الحقيقية. فالمهرجان اليوناني العريق بقدر ما هو عالمي، معنيٌ بمحلية يونانية وإقليمية بلقانية، وأقسام برنامج دورته الجديدة تؤكد هويته وتدعم توازنه، فعدا المسابقة الرسمية والتي سيتبارى فيها 15 فيلما هناك خانة “جرد بلقاني” والتي خصصت عروضها الرئيسية هذا العام لسينمائيين من جيلها الجديد، ستوفر لجمهور المهرجان وضيوفه فرصة التعرف على بعض نتاجاتهم، الطويلة والقصيرة، ومن بينها: “ضغط” للتركي سيدات يلماز و”عدو” للبوسني دايسي زيتفيتيس و”جزيرة” البلغاري كامين كاليف.

أما التحية الخاصة لها فأُخذت للتركي أرنتين كيرال، والذي وصفته نشرة المهرجان بأنه من أكبر صناع السينما التركية ويمثل عَلما من أعلام الجيل الثاني الذي تأثر كثيرا بالمخرج يلماز غوني، وأهتَم مثله بالسينما السياسية، وأفلامه ومنذ نهاية السبعينات وصمت بها، وسيتلمس مُشاهدها عمق النظرة النقدية لأحوال تركيا في تلك الفترة عبر: “المنفى الأزرق”، “قناة”، “المرآة” وغيرها. أما خانة أفلام يونانية” فلها نصيبها الوافر من العروض والفعاليات الكثيرة، وقد وُجهت هذة السنة تحية خاصة للمخرج كوستانتين غياناريس، الذي ومنذ التسعينات ما برح يبحث وبشكل مضني في علاقة الكائن البشري بالعالم والطبيعة المحيطة به، ولعل فيلم “رجل عند البحر” يعبر، كما جاء في كلمة التحية، عن هذا التوجه السينمائي ويتكثف بشكل أوضح في “أمريكا وأنا”. قد تعطي ثلاثة عشرة فيلما مُقَدمة له صورة كافية لعمل هذا الفنان وإسهاماته في السينما اليونانية ونظرته الإنسانية التي تجسدت بوضوح في فيلم “مصر”.
مسابقة ومخرجون
لم يكتف المهرجان بالمسابقة الرسمية، فأضاف اليها حزمة أفلام لثلاثة مخرجين عالمين هم: الدنماركي أوله كريستيان مادسين صاحب “ملك البيتزا” و”براغ” والأمريكية سارا نترايفر ومن أعمالها “أنت ليس أنا” و”عطلة أعياد الميلاد” وثالثهم الإيطالي باولو سورنتينو مخرج “الديفو”،”صديق العائلة” و”أكثر من إنسان”. أما المسابقة نفسها فستشهد تنافسا بين أفلام مختارة من كل القارات من بينها ثلاثة تشيكية وهو أمر لافت في هذة الدورة، وأن برر بإقليمية التوجه وقارية الجغرافيا بوصفها بلدا أوربياً: “اليوس نيمبيل” لتوماس لونياك و”ثمانون حرفا” لكنتركا فاسلاف و”البيت” ليوفا سوزان، أما أمريكا الوسطى فمنها المكسيكي “حمار” لأودين سالاسار و”بِدون” للأمريكي مارك جاكسون، والى جانبهما سيتزاحم على الجائزة التركي “نفق الطريق” لتولكا ناراكسيلك والبريطاني “أنظر خروف” والكندي “البياع” لسابستيان بيلوتر.
“آفاق مفتوحة”
من بين أكبر أقسام المهرجان “آفاق مفتوحة” وفيه إختلطت كل سينمات العالم وتفاعلت ومن بينها سينمتنا العربية، حيث سيعرض فيها، الروائي الأول للمغربية ليلى كيلاني “على الحافة”. عملها من بين أشد الأفلام العربية المعروضة هذا العام قتامة (عرض في مهرجان أبو ظبي الأخير) وأكثرها أهمية، عنوانه مستفزٌ لأسئلةٍ يُولدها بنفسه، مثل: من يقف على الحافة؟ وأي حافة هي، هل ثمة هاوية تليها؟ أم تراه مجرد فاصل غير مريء يفصل واقعا قاسيا عن ناسه، والذين تراهم وبسببه يهربون نحو حافات خطرة، مدمرة؟.

قصة الشابات المغربيات اللواتي دفعهن قهرٌ إجتماعي للذهاب الى أقصى الخيارات دون رغبة منهن، قدر ما كانت عندهن حاجة للتخلص منه. حاولت كيلاني في فيلمها، وبعون مجموعة من الممثلات الهاويات والموهوبات عرض مشهد المغرب من زاوية “نسوية” دون تعمد لإنحياز الى حركة أو إتجاه نظري يؤطرها، قدر الحاجة نفسها لعرض واقع المرأة في مجتمع يعاني كله ضغطا يدفع الناس دفعا للهروب نحو الهاوية أو الوقوف عند حافتها!. فيما يذهب صانعا الفيلم اللبناني “طيب، خلص، يلّلا” رانيا عطية ودانييل غارسيا الى دواخل الإنسان في هذا البلد، واختارا منه عينة تمثلت بشاب من طرابلس، شمال لبنان، يعيش مع والدته ويختلف معها على تفاصيل حياتهما اليومية، أما بقية يومهما فيمضونه في عادية دون كثير إهتمام بالعالم الخارجي. إذن ما يحرك دواخلهم ويجسد همومهم هو العيش اليومي، والبقية لا تمثل شيئاٍ بالنسبة اليهما. فالشاب هاجسه يتمحور حول حلوياته التي يبيعها في محله والأم مشغولة بإدارة شؤون المنزل وما عدا هذا فعلاقات جورة يُفعلها ويشد من توترها طفل جارتهم الذي يلعب في ساحة حديقتهم الصغيرة ويتسبب في كسر بعض أشجارها. حين تسافر الأم الى بيروت تظهر أمامنا صورة ثانية مختلفة هي صورة الواقع الطرابلسي وفيه الشاب عنصرا عاكسا والى حد كبير لمرآة أخلاقيات المنطقة وتحفظاتها وأيضا للعالم الثاني: عالم المومسات والخادمات الأجنبيات المضطهدات والعنف الداخلي المستور. في الخانة نفسها أكثر من أربعين فيلما أنتقيت من عروض مهرجانات كبيرة مثل كان، برلين، البندقية، كارلوفي فاري، منها على سبيل الإشارة: “إن لم نكن نحن، فمن؟” للألماني أندرس فيل، “جبل بوذا” للصيني لي يو، وفيلم السويدي بيورن رونيه “نهاية سعيدة” ومن سريلانكا “سمك طائر” لسانتيزيفا بوسباكومار و”دجاج بالبرقوق” للإيرانيين مارجان ساترابي وفنسان بارونو. الى جانب كل هذا يستضيف المهرجان ضيوفا سيقابلون الجمهور وجها لوجه، وينظم حلقات دراسية وورشات عمل طيلة أيام أنعقاده من الرابع حتى الثالث عشر من شهر نوفمبر الجاري. الدورة ال 52 لتسالونيك ستُفتتح بفيلم الكسندر باين “أحفاد” من بطولة جورج كلوني، أما ختامها فسيكون مع الفيلم الأمريكي “مارتا مارسي ماي مارلين” لشون داركن.