عتبات البهحة”… فرحٌ يسبق الغيث

كانت البهجة بوصلة كتابه الذي أودع فيه كل الأمنيات بغدٍ سينمائي مشرق… البهجة؛ لأن المشوار قد ابتدأ، وكل الأمنيات؛ لأنه لم يتخطَ بعد العتبة الأولى، فثمة رحلة طويلة تنتظر، وجهد وجَد كبير يلزم بذله، قبل أن يتخطى الحلم السينمائي الأردني تلك العتبة.
أذكر تماما كيف تسرب ذلك الفرح من مخطوط الكتاب إلى أصابع الزميل ناجح حسن، وهو يعرض لي محتويات مخطوطه، “سأسميه عتبات البهجة” قال هذا كنوع من الرد على رأي في وجوب عدم ترك المجال للرغبة بتشجيع صناع أفلام الحراك السينمائي الوليد في الأردن بأن تأخذنا بعيدا، فنتغاضى عن تناول سلبيات أعمالهم المقدمة، لما قد يفيد هذا النقد في تقدم الحراك، “ولكن لمَ علينا أن نحاسب أفلام شباب في بداية طريقهم، كما لو أنها أفلام لقامات سينمائية كبيرة، نريد أن ندفع بهؤلاء الشباب إلى الأمام” بهذه الروح وهذه الرؤية ختم الزميل حسن نقاشنا، وبهذا أسس لكتابه “عتبات البهجة” الصادر حديثا عن دار فضاءات بدعم من وزارة الثقافة، ويأتي كتابه هذا كجزء ثالث مكمل لكتابيه “السينما والثقافة السينمائية في الأردن”، و” شاشات النور.. شاشات التعمة” الذي يتناول عبرهما السينما والشؤون السينمائية في الأردن.
ملامح الحراك السينمائي
مع مطلع الألفية الثالثة، ومع ثورة الديجتال وسعة انتشار الكاميرا الفيديو الرقمية، شهد الأردن إنتاج عديد كبير من الأفلام السينمائية، والتي في أغلبها كانت قصيرة، وعدد كبير منها يندرج تحت عنوان “السينما المستقلة”، وشكلت هذه الانتاجات في مجملها ما يمكن أن نطلق عليه حراكا سينمائيا أردنيا، ساهم في إطلاقه عدد من الجهات السينمائية التي أُسست بذات الفترة، سواء أكانت تلك الجهات مستقلة ذات ميزانيات مالية محدودة أو شبه معدومة كـ؛ تعاونية عمان للأفلام، وأفلام من دون ميزانية… أو هيئة شبه حكومية، ذات استقلال مالي، كالهيئة الملكية للأفلام التي اضطلعت بالدور الأكبر في دعم هذا الحراك، دون التقليل من الدور الذي اخذته على عاتقها الجهات المستقلة الأخرى، أو بعض شركات الانتاج الخاص في هذا المجال، أو الجهود الفردية المحضة.
من خلال الدور الذي لعبته هذه الجهات، وشكل الدعم الذي قدمته، يرسم ناجح حسن في كتابه وبشكل سريع ملامح العتبة التي يقف عليها الحراك السينمائي الأردني اليوم.
كمّ على حساب الكيف
في “عتبات البهجة” يقدم الناقد حسن بعض الطاقات السينمائية الواعدة، ويبرز من خلال الأفلام التي تحدث عنها تنوعا في المواضيع والقضايا التي تناولتها، كذلك تنوعا في الأشكال والأساليب والأنواع فمنها؛ الطويل، والقصير، الروائي، والتسجيلي، والتحريك، لكن يمكن للقارئ -رغم احتفاء الناقد بالمخرجين وأفلامهم- إلا أنه يمكن ملاحظة أن ثمة غزارة في الكم تأتي في الغالب على حساب الكيف، حيث يفتقر الكثير من تلك الطاقات الشبابية إلى ثقافة سينمائية، وإلى الإطلاع على نماذج لقامات سينمائية عالمية، تساعدهم في صقل المواهب.
أحد ما يميز الحراك السينمائي في الأردن، مساهمة النساء التي احتلت حيزا كبيرا ومهما فيه، وتنوعت المجالات التي انخرطت فيها، كالإخراج، والإنتاج، كتابة السيناريو، التصوير، والمونتاج… لذا خصص ناجح حسن فصلا خاصا للحديث عن بعض المخرجات وأفلامهن، حمل عنوان “سكوت إنهن يصورن” كنوع من الاحتفاء بما يقدمن.
كما أسلفت ثمة غزارة في الأفلام المنتجة، إلا أنها تبقى مقتصرة على الأفلام القصيرة، في مقابل إنتاج عدد متواضع للأفلام الطويلة؛ الروائية والتسجيلية، وهذا أمر مفهوم لمَ تتطلبه الأفلام الطويلة من امكانيات وميزانيات كبيرة نسبيا وهي غير متاحة غالبا، وهنا يقدم ناجح حسن بعض هذه الأفلام، إما بالحديث عنها أو من خلال الحوار مع صناعها.

حضور سينمائي
“عتبات البهجة” الذي يجمع بين دفتيه مجموعة مقالات ومتابعات سينمائية كتبت بشكل متفرق، يشكل احتفاء بالحراك السينمائي الأردني… كفرحٍ يسبق الغيث، إذ مازال الكثير أمام هذا الحراك الوليد كي ينضج ويشكل هويته الخاصة، لكنه رغم ذلك استطاع هذا الحراك السينمائي أن يؤسس بشكل او بآخر لحضور أردني في الساحة السينمائية العربية والعالمية، من خلال المشاركة في أكثر من مهرجان سينمائي عربي وعالمي، واحراز عدد من الجوائز.
“عتبات البهجة” مهم في إعطاء فكرة عامة للقارئ والمهتم عن حجم وشكل الحراك السينمائي الأردني خلال العشر سنوات الأخيرة، والتعرف على الجهات الداعمة له، والدور الذي لعبته كاميرا الديجيتال في تقديم طاقات سينمائية شابة، وإن كانت متفاوتة في موهبتها وثقافتها السينمائية، دون أن يغفل الناقد حسن تناول بعض ما يلزم لهذه السينما الشابة كي تتخطى عتبتها الأولى.