مهرجان وهران: إطلالة على الأفلام الروائية الطويلة

من فيلم “الأندلس يا لحبيبة”

اختار المخرج المغربي محمد نظيف مهرجان وهران ليقدم  العرض العالمي للفيلم لفيلمه ”الأندلس يا لحبيبة ” في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، حيث كان الطاقم الفني والتقني مغاربيا مثله مثل وحدة الموضوع.

” الأندلس يا لحبيبة ” الذي يعد التجربة الإخراجية الأولى لمحمد نظيف في فئة الأفلام الطويلة، أرادها أن تكون من عمق المجتمعات المغاربية ”الهجرة الغير شرعية ” الظاهرة التي لم تعد غربية لا على شعوب هذه الدول ولا على سينماهم، لكن طرح نظيف للظاهرة و تقديمه للموضوع كان بأسلوب غير تقليدي وغير الذي اعتاد عليه المشاهد، فقد خدمته في ذلك بعض المشاهد الكوميدية التي وظفها خدمة للعرض، فقد أراد المخرج بمعية الممثلين رفع الستار وكشف عن المستور وفضح الانتهازيين، المفسدين في المجتمع، الذين يدعون أنهم من المصلحين فيه، و عن رجال الدين المزيفين وغيرهم الذين يقفون بشكل أو بأخر وراء تفشي الظاهرة بوعود كاذبة تصور حياة أفضل في الضفة الأخرى في رحلة قد تنتهي عندما تبدأ في عرض البحر.

نزيم و مرارة الانفصال
انطلاقة المنافسة الرسمية كانت مغاربية فقد تلا الفيلم المغربي عرض أول الأفلام الجزائرية المتنافسة على الوهر الذهبي في المهرجان هذا العام، ” قداش تحبني” لفاطمة الزهراء زعموم، التي التمست في اقترابها من الواقع إحدى القضايا التي قد يكون أهملها الكثير من المخرجين أو تناساها، وهي  الروابط الأسرية، فقد تجسدت هذه القضية في ملامح الطفل نزيم ذو 8 سنوات، الذي يعيش رفقة جديه، يختلف عن غيره في أنه لا يعيش عيشة الأطفال، فهو بالتالي يفتقد لحب وحنان والديه وهذا ما يسعى الجدان لتعويضه بعد انفصال الوالدين، بخلق جو عائلي لنزيم، الذي يحمل في طياته وفي تمثيله ملامح ممثل ناجح وواعد في المستقبل. ولعل ما آخذه بعض من الجمهور العام و الخاص على الفيلم، هو النسق البطيء و الثقيل للفيلم الذي خلق في كثير من الأحيان الملل لدى المشاهد رغم قوة و حساسية الموضوع، بينما استحسن الكثيرون توظيف المخرجة زعموم لمظاهر الحياة الاجتماعية للجزائريين و هذا ما تجلى في الأغاني الشعبية التي كانت ترافق بعض المشاهد و كذا بعض تفاصيل الحياة اليومية.

تعايش الأديان و الطوائف في دمشق مع حبي
تمكن الفيلمان السوري و العراقي ” دمشق مع حبي” و ”المغنى” من الظفر بإعجاب ولفت انتباه الجمهور في ثاني أيام المنافسة الرسمية لمهرجان وهران للفيلم العربي، و بداية تألق الصناعة السينمائية العربية صنعها صاحب فيلم نيكوتين المخرج السوري ”محمد عبد العزيز”، الذي غاب عن المهرجان وحضر فيلمه إلى وهران بعدما انتظره كل من سبق ورأى أعمال هذا المخرج .
جمالية تقنيات الصورة رافقت فكرة الفيلم الذي يدعو عبره المخرج محمد عبد العزيز إلى فكرة احترام الديانات، حيث يسعى المخرج إلى إظهار إمكانية التعايش بين مختلف الطوائف و الديانات، فقد قدم ذلك من خلال قصة حب جمعت بين فتاة يهودية وشاب مسيحي، يعترض الوالد على علاقتهما حيث يتسبب خالد تاجا في دور الوالد في قطع العلاقة بينهما، و من هنا تدخل كاميرا المخرج إلى التفاصيل، و بشكل أدق عند تأهب الوالد و الفتاة السفر إلى ايطاليا حينما يعترف لها بأن حبيبها الذي انقطعت أخباره لا يزال على قيد الحياة وهنا تبدأ في رحلة البحث عنه، كما أقحم عبد العزيز بعض الأحداث المحلية رغم تركيزه الكبير على فكرة التعايش السلمي بلغة وحوارات قوية وقد صفق جمهور قاعة السعادة بعد عرض الفيلم بحرارة معربا عن إعجابه بالعمل الذي يعد من أبرز انتاجات السينما السورية في العشرية الأخيرة .

المغني يسقط الدكتاتور
بدوره خلق الفيلم العراقي ”المغني” التميز في اليوم الثاني من المنافسة، حيث تألقت الصورة السينمائية التي كان ”قاسم حول” مهندسها، بعد أن أسقط في فيلمه كل أشكال الديكتاتورية بملامح حاكم اقترب كثيرا من شخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين، مستلهما من مقدمة ابن خلدون ” العزف يفسد النوم و يؤدي إلى هدم بنية المجتمع”، فقد جعل المخرج المغني في جهة والديكتاتور في جهة أخرى، فالمغني الذي جاء للغناء في عيد ميلاد الرئيس ينتصر بفنه لأنه يتجه إلى الشعب البسيط بينما القوة والديكتاتور يأتي اليوم الذي يزولان، و هذه كانت الرؤية الإخراجية التي اشتغل عليها قاسم حول مؤكدا أنه استمد فكرة العمل من واقعة حقيقة لم تحدث مع الحاكم بل مع ابنه لكن أراد أن ينسبها في الفيلم إلى الحاكم فقد اشتغل كثيرا على الدلالات واحتفظ بالحادثة، فجرد تلك الشخصية من الاسم و الشكل .

من “المغني”

وفور انتهاء عرض فيلم ”المغني” عقد فريق العمل المكون من المخرج قاسم حول، الفنان عامر علوان، و الممثلة الشابة كاترين الخطيب، لقاء صحفيا دام ساعة كاملة، تخلله تقديم أسئلة أشاد بها الكثيرو. وقال المخرج قاسم حول خلال هذا اللقاء أنه لا يسعى من وراء هذا العمل تصفية حساباته رغم أنه كان أحد المتضررين من نظام الرئيس السابق صدام حسين لان ذلك ليس من مهام الفن فالهدف هو كشف الواقع بموضوعية لهذا اتجهت -يقول المخرج – إلى بناء المشاهد و ابتعدت عن التقريرية في العمل.

الباهي يعيد مارلين براندو للسينما
 أثار الفيلم التونسي ” ديما براندو ” لمخرجه رضا الباهي، حفيظة الجمهور الجزائري نظرا للمشاهد الجريئة التي تضمنها العمل، مما اضطر بعض الجماهير التي اعتادت متابعة أفلام المهرجان إلى المغادرة، إلا أن الباهي دافع عن فيلمه وعن تلك اللقطات قائلا أنه اعتمد عليها بذلك الشكل خدمة للعمل، الذي يجمع بين الوثائقي والروائي، و في سؤال عن إقحامه لبعض اللقطات الساخنة في الفيلم قال الباهي  ” أنا ابن إمام، مسلم، حاج وأصلي وأرفض أن أتهم باستعمال مشاهد جنسية لأجل إثارة غرائز الجمهور، بل الهدف منها، كان دراميا، وقد كان في الإمكان، أن أصور مشهد? الشذوذ الجنسي أو الفاحشة كاملا لكني لم افعل ذلك ”.
 وقد تحدث رضا الباهي بعد العرض عن تفاصيل المشروع الحلم الذي تطلب تجسيده سنوات، بعدما وافق ”مارلين براندو” الحقيقي على فكرة الفيلم، غير أن رحيل هذا الأخير دفع بالمخرج إلى البحث عن شخصية تتشبه ملامحها ”مارلين براندو” و هو ما تم فعلا مع الممثل ”أنيس رعاشي”، الذي يشبهه إلى حد كبير ويمتلك تقاسيم وجهه، فهذه كانت من النقاط القوية للفيلم الذي يعتبر المشاركة التونسية الوحيدة في المهرجان في فئة الأفلام الطويلة بسبب تراجع الإنتاج السينمائي جراء الأوضاع التي تعيشها تونس.

مدن الترانزيت

مدن ترانزيت … و فكرة الانتماء
أثار المخرج الأردني الشاب محمد الكحشي في “مدن ترانزيت”، قضية الانتماء للوطن من خلال قصة ”صبا مبارك” في دور ليلى التي تصطدم بعد عودتها للأردن قادمة من أمريكا بمجتمع منغلق تحكمه العادات و الدين، كما ارتسم في ملامح وجهها وردة فعلها، فالشابة التي عادت من مجتمع غربي عاشت فيه 14 سنة، حملت معها أفكارا تحررية لا تتناسب و البيئة التي تتواجد فيها ولم يتقبلها المحيط الأسري، لتجد نفسها في الأخير في حالة ضياع هل تنتمي للبلد الأم أم للبلد الذي أمضت فيه سنوات من حياتها، فالفيلم رصد العديد من المواقف و المحطات التي عاشتها ليلى .
فيلم المخرج الشاب محمد الكحشي ”مدن ترانزيت” يضاف إلى سلسلة الأعمال السينمائية التي تؤكد أن مستقبل السينما الأردنية اليوم غير مرتبط بالإمكانيات بقدر ما هو مرهون بالطاقات الشابة التي بدأت تؤسس لمستقبل سينمائي مشرق ومشرف فالرصيد الذي بدأه ”الكحشي” بتجربة الأفلام القصيرة أراد أن يتمه بتجربة في الفيلم الروائي الطويل الذي حصد عدة جوائز منها جائزة اتحاد النقاد السينمائيين العالميين .


إعلان