الأفلام المرشّحة لجوائز الغولدن غلوب هذا العام
ترشيحات جوائز “غولدن غلوبس” التي أعلنتها جمعية مراسلي هوليوود الأجانب قبل أيام قليلة تلتزم بتقاليد الجمعية الصحافية المعروفة وهي منح جوائزها القيّمة إلى عدد كبير من مواهب السينما والتلفزيون والأعمال المختلفة في الحقلين المذكورين. هذه الجمعية التي تم إنشاؤها في الثلاثينات ولا تزال تشكّل بنشاطاتها المختلفة جزءاً مهمّاً من الحياة السينمائية في هوليوود، تتألّف من نحو 96 صحافيا وناقدا يكتبون في الجوانب السينمائية والتلفزيونية المختلفة ويقضون أوقاتهم ما بين العروض الخاصّة والمقابلات التي يحصدونها عنوة، في بعض الأحيان، عن صحافيين أميركيين يعملون للمطبوعات المحلّية.
لحين ليس بالبعيد، كانت الجمعية لا تزال محط تهكم بعض السينمائيين الذين كانوا يعتبرون أعضاءها ذوي الغالبية غير الأميركية متطفّلين على المهنة، ومجرّد صحافيين يركضون وراء الخبر والدعوة على العشاء. لكن في السنوات العشرين الأخيرة على الأخص، تغيّر الوضع تماما بعدما أدركت هوليوود أنها في الحقيقة تتعامل مع مهنيين حريصين على سمعة مؤسستهم ودورها في الحياة السينمائية المتعددة. لكن هذا الإدراك ليس الوحيد الذي جعل هوليوود تغيّر رأيها: جوائز الغولدن غلوبس مؤشر لكيف سيفكّر أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية ولمن سيمنحون أصواتهم وذلك على اعتبار أن سبعين بالمائة من الأفلام والشخصيات الفائزة بالغولدن غلوب كانت تفوز بالأوسكارات التي تلي حفلته حفلة الغولدن غلوبس بنحو شهر.
هوليوود وجدت نفسها تطلب ودّ الجمعية بسبب التأثير الكبير للجائزة ونجاح البث الحي في استقطاب الملايين من المشاهدين الأميركيين وحول العالم ما يساعد شؤون التسويق والدعاية ويمنح الفيلم الفائز حياة تجارية وإعلامية إضافية.
وكل ذلك لم يتغيّر هذا العام. زملاء هذا الناقد الذين انشغلوا خلال الأشهر الثلاث الماضية في معمعة من الأفلام المعروضة (نحو 200 فيلم) ? ?والمقابلات (أكثر من سبعين) صوّتوا على ما يرونه أهلاً للترشيح وربما الفوز. رأيي الخاص، وقد شاركت، كوني أحد الأعضاء، في متابعة نشاطات الجمعية كالعادة، أن بعض الزملاء حبّذ الأفلام التي تضم نجوماً كباراً نظراً لقدرة هؤلاء النجوم على جذب الاهتمام والجمهور خلال حفلة توزيع الجوائز في السابع عشر من الشهر المقبل. لكن على الرغم من أن الغاية لا تخلو من مبرراتها، إلا أن عدداً ملحوظاً من الأفلام الجيّدة تزحلقت بعيداً عن درب الترشيحات بسبب ذلك التحبيذ. لكن مهما يكن، فإن الماثل في السباقات المختلفة التي تم الإعلان عنها جدير بالاهتمام والتقدير خصوصاً وأن هذه السباقات تحتوي على فرص يتضاعف فيها حظ المرشّحين من السينمائيين كما حظوظ الأفلام المختلفة.

هذا واضح بالنسبة لمسابقة أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي حيث الفيلمان الوحيدان الذين من الممكن الدفاع عن ترشيحهما هنا هما «الفنان» و”منتصف الليل في باريس”. الأفلام الثلاثة الأخرى تتراوح بين الجيد نسبيا، مثل«أسبوعي مع مارلين» والعادي للغاية مثل«50?/?50» و«خادمات العروس”.
من جهة أخرى تعتبر مسابقة الأفلام الدرامية أفضل حالاً بكثير وعددها ستّة وهي «الأحفاد» و«منتصف أشهر مارس« (الأول من بطولة جورج كلوني وإخراج ألكسندر باين، والثاني من إخراجه وتمثيله لدور مساند)، وفيلم «هوغو» لمارتن سكورسيزي، و«المساعدة» لتايت تايلور، و«مونيبول» لبانيت ميلر، و«حصان الحرب» لستيفن سبيلبرغ (وقد نال علامات متوسّطة بين النقاد الأميركيين)
خمسة من مخرجي هذه الأفلام الإحدى عشر يتسابقون على غولدن غلوب أفضل إخراج وهم وودي ألن عن «منتصف الليل في باريس»، جورج كلوني عن «منتصف شهر مارس»، مايكل هازانافيزيوس عن «الفنان»، ألكسندر باين عن «الأحفاد» ومارتن سكورسيزي عن “هوغو”
على صعيد أفلام الأنيماشن، وهي مسابقة حديثة نسبياً، فإن الأفلام المرشّحة تحتوي على فيلم ستيفن سبيلبرغ «مغامرات تن تن» بالإضافة إلى “آرثر كريسماس« و»قطّة في الحذاء»، «رانغو» و- أفضل هذه الأفلام- «سيارات 2«.
بالنسبة لأفضل فيلم أجنبي، نجد الأفلام التالية التي نتوسّع قليلاً في تصنيفها نظراً لأهمية هذه المسابقة بالنسبة لنا كمتابعين للأعمال غير الأميركية.
في المقدّمة، ومن دون ترتيب، «انفصال» لأشقر فرهادي هو دراما تبدأ مع قرار الزوجين الطلاق. لكن ما يجمع بينهما معضلة يقع فيها الزوج حين تدّعي عليه خادمة بأنها دفعها بعنف فوق السلّم ما نتج عنه خسارتها لجنينها. أمر أثار زوجها الذي أخذ يتوّعد الجميع. المحقق يسعي لمعرفة الحقيقة التي يعرفها المشاهدون كونهم تابعوا كيف أنها سقطت من جراء ذاتها وأنها لفّقت المشكلة لكي لا يحمل عليها زوجها العنيف.
الفيلم في مداخله ومخارجه الدرامية مثير للاهتمام وجاد والمخرج أشقر فرهادي سبق له وأن تعامل والموضوع الاجتماعي في فيلم لافت سابق هو «حول إيلي» لكن الهالة التي رُسمت من حوله على أساس أنه عمل فني جيّد، وهي هالة نتج عنها نيله جائزة مهرجان برلين الأولى هذا العام، ليست صحيحة تماماً. المعالجة قد تكون مثيرة على صعيد الموضوع، لكن معالجتها لا تخرج كثيراً عن النمط التلفزيوني.
الرؤية الفنية تعاني من مستوى محدود أيضاً في فيلم زانغ ييمو الجديد «زهور الحرب»، معظم أحداث هذا الفيلم تقع في كنيسة راعيها هو الأب الكاثوليكي كرشتيان بايل الذي يصبح همّه الدفاع عن العاهرات اللواتي لجأن إلى الكنيسة هرباً من الجيش الياباني الذي غزا البلاد خلال ثلاثينات العقد الماضي. وهناك الكثير مما يود الفيلم ضمّه إلى هذه الحكاية التي يوفّر لها المعارك والعناصر الملحمية والعاطفية ويحوّلها جميعاً إلى أجزاء من ميلودراما مفككة الأواصر مفادها التضاد المفترض بين رجل الدين ومهنة العاهرات الذي يتحوّل إلى تقدير كبير وتعاطف واسع. ما يكشف عنه الفيلم هو كيف ينتقل ييمو من فيلم سابق حول ضرورة الاندماج بين الثقافتين اليابانية والصينية في «السفر وحيداً لألوف الأميال» (2005) وبين هذا الفيلم المنضم لمجموعة متزايدة من الأفلام التي تنتقد اليابانيين.

ويلتقي كل ذلك مع فيلم آخر هو «في بلد الدم والعسل» للمخرجة (الجديدة) أنجلينا جولي. هي الممثلة التي قررت تقديم فيلم مأخوذ عن وقائع تتعلّق بكيف وقعت نساء البوسنيا تحت وحشية الجيش الصربي وعصابات السُلطة خلال تلك الحرب الدموية التي دارت إثر تفكك يوغوسلافيا. في فيلمها تنصرف جولي إلى تحديد المسؤوليات بلا مواربة وتقديم الحكايات الإنسانية حول ما وقع بلا محاولة تقع فيها بعض الأفلام حين تساوي بين الجلاد والضحية. ليس الفيلم الأفضل الخارج من عباءة العام المقترب من نهايته، لكنه من بين الأكثر جرأة خصوصاً وأن الممثلة- المخرجة كان لديها الكثير من المواضيع الأقل خطورة لكي تختار من بينها.
الفيلم الرابع في هذه الترشيحات هو أفضلها فعلاً. «الفتى صاحب الدراجة» هو العمل الجديد للأخوين لوك وجان- بيير داردين. هما من شغل بلجيكا كما فيلمهما وعملهما تلخيصاً لأسلوبهما الراصد على نحو متأثر بالسينما التسجيلية ولو أنه روائي بحت.
حكاية ولد خسر والدته ووالده غير مهتم به فيأوي إلى مشرفة اجتماعية التي تأخذ على عاتقها تجنيبه مخاطر الإنزلاق في هذا السن الحسّاس، إلى الجريمة أو سواها، وهو ما كاد يفعله لولا تدخّلها في آخر لحظة. إنها دراما شغوفة بموضوعها وعلى عكس أفلام سابقة للأخوين المذكورين وعلى الرغم من جدّية موضوعه، الا أنه لا يسبب الشعور بالأسى والإحباط في نهاية مطافه. ربما الفارق الأهم هو أن الممثل الصغير توماس دوريه متشرّب ومتفهّم للدور كما لو أن خبرته تعود لعصر كامل.
أما الفيلم الخامس فهو الأسباني «البشرة التي أعيش فيها» وهو دراما أخرى تعاني من اختلالها على يدي مخرجها بدرو ألمودو?ار الذي عادة ما ينجز ما هو أكثر أهمية من هذا الموضوع الذي يدور حول طبيب غير محبوب يستطيع منح المرضى بشرة جديدة لا تحترق ولا تتأثر لكن كل ما في عالمه الخاص يتهاوى. المشكلة في تلك الدكانة التي تؤدي إلى رصانة أكثر من المطلوب ومن شخصيات تخفق في أن تنتمي إلى مبدعها ألمودو?ار على الرغم أنه دائم البحث في الغلاف الخارجي لشخصياته ودواخلها.