اختتام مهرجان وهران للفيلم العربي
الفيلم القصير المخبر التجريبي المثمر للشباب السينمائي العربي
ضاوية خليفة – وهران
تعطرت وهران و على مدار أسبوع كامل بعبق الشباب العربي المبدع الذي أثبت كفاءته في سابع الفنون و كشف عن إمكانيات هائلة سواء من ناحية الطرح ، أو الموضوع أو الإخراج ، عندما التقى مجموعة من المخرجين الشباب بمتحف السينما الجزائرية المكان الذي مر عليه كبار الفن و السينما، شباب أكد أن المستقبل سيكون لهم و مشيد بانجازاتهم، فنظرات و ملامسات الإبداع الفني كانت واضحة تعد بغد أفضل، حتى و إن تعددت المواضيع و الرؤى فالأهم هو خطوة المخرجين الشباب الذين حملوا في أعمالهم الهم الإنساني و واكبوا ما تعيشه المجتمعات، فختام سلسلة الأفلام التي وقعتها الثنائية المغربية بامتياز من خلال فيلم عديل فاضيلي ” حياة قصيرة ” و ” أمواج الزمن ” لعلي بن جلون ، كانت قد أعلنت الجارة تونس افتتاحها بفيلم ” قاع البئر ” لمعز بن حسن الذي يصور تعلق الأم بولدها الميت و عيش هذه الأخيرة على ذكراه لدرجة أنها تتصرف و كأنه على قيد الحياة، عرض اتبع ب”غدا الجزائر ” لأمين سيدي بومدين الذي عاد بالحضور إلى تاريخ الخامس أكتوبر من سنة 1988 الذي يرتبط أساسا بالعشرية السوداء و الدوامة التي عاشتها الجزائر، و بقصة الممرضة و الكاتب سجل المخرج المصري ” محمد رمضان ” مشاركته في المهرجان بعدما اختار لفيلمه القصير ” حواس ” عنوانا.

توالت العروض و توالت معها الأحلام برؤية مستقبلية رفعها يحي مزاحم من خلال ” دار العجزة ” التي أرادت أن تسترق من المستقبل صورة الجزائر سنة 2030 بصبغة كوميدية هادفة، في حين اقترب طرح الجزائرية ‘ياسمين شويخ” في فيلم الجن و فيلم الموريتانية ” سالمة منت الشيخ الوالي ” من العادات المتداولة في المجتمعات العربية خاصة ، ففي الوقت الذي اختارت مخرجة الجن أن تبرز تحدى ”عنبر” للجني الذي يسعى ليسكن روحها من خلال انصياعها لجملة العادات و التقاليد التي تتغلب عليها قوة الإرادة و العزيمة ، كان فيلم ” المصاصة ” للموريتانية ”سالمة منت الشيخ الولي” يرصد إحدى الخرافات المتداولة في المجتمع الموريتاني رغم تقدم العلم و الفكر على مثل هذه الشعارات و الأساطير الوهمية التي صنعها شك الإنسان و مع الوقت سلم بها ، بينما طرح المخرج المصري الشاب ” محمد شوقي ” إشكالية الماضي و الحاضر ، المفقود و الموجود في ”السندرة”، و مع التجربة المصرية دائما نبقى حيث وفق ”هيثم صقر” في إيصال رسالته لجمهور السينماتيك التي اختصرت حياة الإنسان و يومياته في دقيقة واحدة بإشارة و دلالة واحدة ” بيب ”، و بفيلمه الحاصل على الجائزة الرفيعة بالمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف حضر المغربي عبد الإله الجوهري لوهران ب”كليك و دكليك”، الذي يتناول الموضوع من زاوية التدين في المجتمع المغربي ، أما المخرج السعودي ”عبد العزيز نجيم” غاب هو و ناب عنه فيلمه الذي تتشكل أحداثه من حكاية شاب يبحث عن صديقه الذي اعتزل الناس و المجتمع ، و في ذلك دلالات اختار أن يقدمها ” نجيم ” بصيغة الأبيض و الأسود ، و ”الحنين” كان من و إلى فلسطين التي جاءنا منها ”أسامة بواردي” بقضية و موضوع عن امرأة فلسطينية في عقدها السادس تحاصرها الوحدة و يناديها الحنين في غياب للماضي و الحاضر .
هي أعمال و أخرى جاءت لتؤكد وجود طاقات و مشاريع صناع العرض و الفرجة السينمائية المستقبليين الذين يتمتعون برؤى إخراجية و بتقنيات فنية عالية و بمواضيع واقعية، فكان النقاش يرفع في كل مرة لغد و أعمال أفضل ، لا هدف لها سوى الارتقاء بالصناعة السينمائية العربية ، وسط وعي جماهيري بأهمية الصورة السينمائية التي تسعى لرصد متغيرات المجتمع بكل جزئياته و أدق تفاصيله .
فيلم الدقيقة الواحدة مشروع يقترب من الحلم
و من النشاطات التي فرضت نفسها في الدورة الخامسة للمهرجان ورشة الدقيقة الواحدة التي أشرف عليها السينمائي الجزائري المقيم بهولندا ” كريم طرايدية ”، الذي أراد استثمار تجربته و خبرته من خلال تلقين بعض المبادئ السينمائية لهواة السينما، حيث استفاد من الدروس النظرية و التطبيقية أزيد من 20 شاب، قدموا من مختلف ولايات الوطن، استكمالا للتكوين الذي تلقاه هؤلاء من قبل سواء في المعاهد أو الورشات التكوينية ، و تضمنت ورشة فيلم الدقيقة الواحدة سيناريوهات مكتوبة حولت بعد 5 أيام إلى أعمال على أرض الواقع ، تمخضت عنها 10 أفلام قصيرة سيفرج عنها في الطبعة المقبلة من المهرجان كتتمة للعمل .
و يعد ”كريم طرايدية” من الأسماء السينمائية الجزائرية المعروفة بهولندا على وجه الخصوص، فقد أشرف على إخراج عدة أفلام رشحت السينما الهولندية إلى جوائز عالمية في أكبر المهرجانات الدولية، و سنة 1998 ترسخ اسم طرايدية ب” العروس البولندية ” الفيلم الذي وضعه في الصف الأول للمخرجين السينمائيين في هولندا ، سيما بعد حصول فيلمه ”العروس البولوندية ” على عديد الجوائز، منها جائزة الجمهور بمهرجان روتردام السينمائي الدولي وجائزة العجل الذهبي بمهرجان الفيلم الهولندي و يذكر أن فيلم ”العروس البولندية” هو أول فيلم روائي في رصيده بعدما سبقت ذلك تجارب أخرى في الأفلام القصيرة أو الوثائقية.
كف القمر … من رحم الواقع
من صعيد مصر أتى خالد يوسف لوهران بقصة أبناء قمر، في عمل أعاد صور الوحدة الأسرية التي أراد المخرج إسقاطها – حسب الحوارات والرسائل التي يبعثها طاقم العمل – على أحوال الوطن العربي ، في دعوة للم الشمل العربي ، بحكم أن ما يجمع الإخوة أكثر مما يفرقهم ، و هو المبدأ الذي جمع أبناء قمر الخمسة بطولة ” وفاء عامر ” و خالد صالح ”، بعدما فرقتهم ظروف الحياة ، حيث يرصد العمل رحلة الأبناء و شقاءهم في دهاليز الحياة ، فعلى قدر تقاسيم وجه قمر التي تحلم برؤية أبناءها كالعملة الواحدة على قدر المعاناة التي تبعث رسائل و وصية للعالم و الإنسانية ، و ما زاد من جمالية العمل الجانب الموسيقي الذي رافق العديد من المشاهد في لوحة اجتمعت فيها الصورة السينمائية و النغمة العربية التي كانت من جهتها تعبر عن الموضوع بلغة شاعرية موسيقية .
وقد أشادت الفنانة السورية جمانة مراد التي شاركت في ”كف القمر” بالجمهور الكبير الذي شاهد العرض و صفق له مطولا تعبيرا عن إعجابه بالعرض ، فتحدثت عن تفاصيله و عن خصوصية التجربة التي قالت أنها تختلف عن الأفلام الأخرى، فقد اعتبرت جمانة أنه على الفنان تقمص شخصيات مختلفة لاكتشاف قدراته فأنا – تقول جمانة – ”أحب التنويع في الأدوار و أميل إلى الأدوار الصعبة، كالدور الذي أسنده لي خالد يوسف، الذي يعد من أبرز المخرجين في مصر فضلا عن كونه تلميذ المخرج الكبير يوسف شاهين” .
ماجد… و يتم الطفولة و الإنسان
مع اقتراب العد التنازلي لعمر الدورة الخامسة من المهرجان بدأت المنافسة تشتد ، و بدأ البعض يرشح و يتوج الأفلام حسب معرفته ، قناعته و ادراكاته ، وفي ظل كل هذه التوقعات التي تتغير يوميا، دخل مجال المنافسة الرسمية العرض المغربي ” ماجد ” المستوحى من قصة واقعية ، تناولت في طرحها و في عمقها قصة الطفل ماجد ، الذي تتجلى فيه كل معاني البراءة و الطفولة بعدما عاش اليتم – أصعب المراحل التي تؤثر في الإنسان – فلم يعش طفولته و أجكل سنوات حياته بل قضاها في بيع الكتب و تلميع الأحذية ، وبعدها يقرر البحث عن ذكرياته في رحلة مليئة بالأحداث و الأخطار ..
فيلم ”ماجد ” الحاصل مؤخرا على جائزة أحسن سيناريو بالمهرجان الوطني للفيلم المغربي و كذا جائزة الصقر الفضي بمهرجان الفيلم العربي بروتردام ، رشحه جمهور المهرجان لنيل إحدى جوائز الوهر الذهبي بعدما شد الانتباه سيما و أن المخرج وفق في استحضار عنصر المصداقية في تمثيل قصة اليتيم الباحث عن أحلام و نور الطفولة بإحضاره و منحه الدور المذكور لطفلين من دار الأيتام و هو ما جعل العمل يصل إلى الجمهور و يخلق لديه نوع من المتعة الفرجة السينمائية الهادفة.
علواش يجعل من المحظور و المحرم نورمال
في تناقضات كثيرة كالتناقضات التي حملها الفيلم الذي غير الكثير بعد عرضه عنوانه فأصبح يسميه ب ” ماشي نورمال ” أي غير عادي ،تابع الجمهور الجزائري ثاني الأفلام التي تمثل السينما الجزائرية في المهرجان الذي أعاد مرزاق علواش لوهران بعد 20 سنة ، فأتى للباهية بفيلم لم يرتقي إلى ذوق الجزائريين ، لا من ناحية الطرح و لا من ناحية المضمون و لا من حيث الرؤى التي أراد فرضها بطريقة لا تتماشى و تقاليد المجتمع الذي يتخذ من الإسلام الدين الأكثر انتشارا في الجزائر، فكثيرون الذين أعابوا عليه الطريقة التي قدم بها موضوعه و قالوا أنها تصفية حسابات ليس إلا مع وزارة الثقافة الجزائرية و جريدتين جزائريتين …. ، فالعمل افتقد إلى تسلسل منطقي في سرد الأحداث و افتقر أيضا للحوار خاصة أن بعض الممثلين لم يوفقوا في الأدوار التي أسندت إليهم فإبداعهم و حضورهم القوي على الركح لم يكون بنفس القوة خلف الكاميرا ، فضلا عن سقوط مخرج ” حراقة ” في تصويره المبالغ فيه الجانب السوداوي للجزائر سيما استعمال بعض ممثليه لعبارات لا يتداولها سوى الشباب في الشارع، فراح تارة ينتقد المهرجان الثقافي الإفريقي الذي أقيم منذ عامين بالجزائر- لدرجة أن أحدهم قال بما أن المهرجانات هدر للمال فلماذا تصنع أفلام و تشارك بها في المهرجان – وتارة أخرى يبيح ممارسة القبلات و ما جاورها من سلوكيات، فالجمهور الذي غصت به قاعة السعادة خرج تعيسا دون أن يجد الفرجة السينمائية، في الوقت الذي كان الكثير ينتظر و يعول على فيلم ” نورمال ” لتشريف السينما الجزائرية في مهرجان الفيلم العربي ، إلا القلة الذين أعجبوا بطرح علواش ، فأحد السينمائيين قال ”: لا يوجد شي عادي في الأفكار التي طرحها بل كان بإمكانه تقديم الموضوع بشكل أفضل و بطريقة فنية تخدم العمل أكثر مما تسيء إليه و إلى المخرج ”، الذي دخل في مشاحنات بعد رفضه الرد على أسئلة الكثير من الإعلاميين و احتقاره لهم قبل أن يقاطع هؤلاء اللقاء الصحفي بخروجهم من القاعة .
أسماء … مثال للصبر و تقمص للدور بامتياز

بعبارات الثناء و بملامح الصدق و الوفاء لقضايا الإنسانية و بتصفيقات كانت الأصدق تعبيرا ، ترجم جمهور مهرجان وهران إعجابه بالفيلم المصري ” أسماء ” الذي جسدته الممثلة التونسية هند صبري ، وقد استوحى مخرجه عمرو سلامة فكرة هذا العمل الاجتماعي الدرامي من قصة واقعية ، استطاعت على إثرها هند صبري النجاح في دورها رغم أنها لم تتمكن من الالتقاء بالفتاة التي استوحى سلامة العمل من حياتها بسبب وفاتها ، فقد تناول عمرو سلامة القصة هذه مسلطا الضوء على عزلة شخصية ”أسماء” المصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة، خوفا من نظرة المجتمع إليها و عدم تقبله للأمر فضلا عن قسوة الناس و تجاهلهم لها وحرمانها من كافة الحقوق حتى الحق في العلاج، ومن هنا تبدآ رحلة البحث عن بصيص آمل .
العمل قدم رسائل بالغة الأهمية و زود المشاهد العربي بحقيقة الداء و أراد من خلاله عمرو سلامة تصحيح رؤية المجتمع للمعاملات التي تدخل المصاب بالمرض في دوامة و عزلة لا نهاية لها.
هل ألوين … نبد للعنصرية و للطائفية
تألق اسم المخرجة اللبنانية نادين لبكي في مهرجان الفيلم العربي بعمل متميز و ببينة فنية ، رصدت من خلال البيئة اللبنانية الكثير من القضايا الإنسانية التي إن اختلفت فإنها بشكل أو بأخر تشترك فيها وتوحدها الإنسانية .
” هلا لوين ” تساؤل ختمت به لبكي عملها طرحت انطلاقا منه فكرة التعايش بين الأقباط و المسلمين بين المسيحية و الإسلام، بعيدا عن الفرقات الدينية و الطائفية و تجنبا لأي فتن ، العمل الذي ابتعد عن الرمزية حمل الكثير من المعاني و الدلالات والرسائل كمنع تدخل الأطراف الأجنبية في الشؤون الداخلية للديار ، فنادين لبكي التي غابت عن عرض فيلها بوهران نسجت العمل بطريقة فنية بسيطة كبساطة عشية الأهالي اللبنانية بشيء من الكوميديا التي أضافت نكهة للعمل الذي سعت من وراءه لنبد الطائفية و إعلاء لغة السلام اللغة الإنسانية و العالمية و ظهر ذلك بشكل قوي في أحد المشاهد التي ختمت العرض عندما تصبح المسلمة مسيحية و العكس بالعكس قبل أن توجه رسالة جوابها عند كل فرد منا ” هلأ لوين ” … بمعنى إلى أين .

حبيبي راسك خربان و مسك الختام
و بالسينما الفلسطينية أسدل ستار المنافسة الرسمية بالفيلم الروائي الطويل ” حبيب راسك خربان ” الذي يروي قصة حب جمعت فتاة وشاب جامعيين يدرسان في إحدى جامعات الضفة الغربية ، تحكم عليهما الحياة العودة إلى قطاع غزة ، وهنا يكون و يتشكل تحدي كل منهما لعادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني ، فعلاقة الحب التي تجمعهما و التي تنتهي بالزواج رغم كل الصعاب ، تؤكد في الأخير أن الحب يتغلب على كل الصعاب.
للإشارة فان فيلم ”حبيبي راسك خربان ” للمخرجة سوزان يوسف تحصل مؤخرا على جائزة المهر الذهبي بمهرجان دبي السينمائي ، كأفضل فيلم عربي ، فضلا عن جائزة النقاد الدولي للفيلم الروائي و جائزة المونتاج ، و يعد هذا تجربة سوزان يوسف في الفيلم الطويل .
و بالفيلم الفلسطيني تكون قد اكتملت عروض الأفلام المتنافسة على جوائز الوهر الذهبي هذا العام حيث اتسمت الأفلام المقدمة في الأيام الأخيرة بالجدية في الطرح و الباسطة في تقديم الموضوع للمشاهد بعدما توجه الجمهور معظمها بالمدح و الثناء .