وجهة نظر: دبي السينمائي..دورة لبنانية بامتياز

في اليوم الأخير لانتهاء فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثامنة يكتشف المتابع أن ثمة أحد عشر فيلما لبنانيا روائيا ووثائقيا وقصيرا ضمن برامج ومسابقات المهرجان الخاصة بالأفلام العربية وهي المهر العربي للأفلام الطويلة و المهر العربي للافلام الوثائقية الطويلة وبرنامج ليال عربية.
من هذه الأفلام الأحد عشر هناك سبعة أفلام حائزة على تمويل من منحة “إنجاز” التي يقدمها المهرجان، وذلك في مقابل ثلاثة أفلام من الأردن هي”عمو نشأت”و”فرق سبع ساعات” و”الجمعة الأخيرة” وفيلم واحد من مصر “مولود في 25 يناير” للمخرج أحمد رشوان.
لا شك أن الأفلام اللبنانية العشرة الطويلة اذا استثنا الفيلم القصير”مكان يعاد” -في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة والذي فاز بشهادة تقدير- لا شك تمثل هذه الأفلام نوعا من الطفرة في مجال صناعة السينما في لبنان سواء على مستوى كم الإنتاج أو تنوع واختلاف الموضوعات، صحيح أن بعضها يبدو بسيطا وربما بدائيا في بعض الاحيان مما يثير تساؤلا حول أحقيته عن غيره بمشروع المنحة مثل فيلم “كل هذا وأكثر” للمخرج “وسام شرف ” الذي يقوم على استعراض المواد الارشيفية المصحوب ببعض اللقاءت التليفزيونية لشخصيات تجلس على كرسي وهو في زمنه وشكله أقرب للحلقات التليفزيونية منه للفيلم التسجيلي ذو الشخصية البصرية والموضوعية المختلفة، وباستثناء جملة شديدة الذكاء قيلت عبر التعليق الصوتي وهو أن “النسوان صارت هي بترول لبنان” لم يكن الفيلم في شكله البسيط وأسلوبه التليفزيوني قد علق في ذهن المتفرج.
في مقابل هذا نجد ان أفلام مثل”الحوض الخامس” لسيمون الهبر أو”تشي جيفارا مات في لبنان” للمخرجة كريستينا فريج صعب  بها الكثير من المحاولات التوثيقية والمغامرات السينمائية التي تشي بنوع من الطزاجة والابتكار.
من الملاحظ ان أغلب الأفلام اللبنانية المشاركة في الدورة الحالية والحاصلة على منحة انجاز تشترك في سمات متشابهة :

مرسيدس لهاني زكاك

اولا: إن معظمهم يتحدث عن المقارنة الزمنية بين الماضي والحاضر متخذا من فترة الحرب الاهلية مساحة وجدانية للبوح والشكوى والنقد السياسي والاجتماعي للواقع الحالي، وهو ما يتجلى في أفلام”تنورة ماكسي” للمخرج يوسف جو بوعيد و”تاكسي البلد” للمخرج دانيال جوزيف والحوض الخامس و”تشي جيفارا مات في لبنان” و”كل هذا و أكثر” و”مرسيدس” إخراج هادي زكاك وهو فيلم مبتكر يقوم بسرد قصة حياة بلد من خلال عربة مرسيدس180 وصلت في الخمسينيات إلى لبنان وعاصرت ستين عاما من التقلبات السياسية وويلات الحرب وقد حصل على جائزة اتحاد النقاد الدولي “فيبريسكس” كأحسن فيلم في هذه الدورة.
والعنصر الثاني هو الاعتماد على الشهادات الحية لكل من عاصروا الاحداث واستخدام المادة الأرشيفية المصورة حتى في الأفلام الروائية مثل فيلم”تنورة ماكسي” الذي يستخدم فيه المخرج البوم صور أبيه و أمه الحقيقيين بينما يحاول هو ان يعيد سرد او تخيل قصة لقائهم في الجنوب في زمن الحرب.
العنصر الثالث هو الجرأة سواء على مستوى اللفظ او اللغة أو على مستوى توجيه النقد السياسي والاجتماعي والإشارة إلى استمرار المشاكل الطائفية والعرقية في لبنان.
فاغلب الافلام تتخذ من العامية اللبنانية بشتائمها المعروفة واشاراتها الأباحية وتعليقاتها الساخرة مادة لها وهو ما لا يمكن أن يحدث مثلا في الأفلام المصرية فلا يمكن أن نسمع كلمة عاهرة في لفظها العامي أو يمكن ذكر عورة المرأة في لفظها الدارج.
كما ان هناك افلام توجه بشكل صريح نقدها لفترة حكم الحريري او تبدي تعاطفا معه وتشير إلى سيطرة رجال الأعمال على مشاريع إعمار لبنان وعلى استمرار الشعور بالاحتقان تحت جلد الوطن الواحد.
حيث نشاهد في”تنورة ماكسي”جذور الصراع الطائفي من ايام ما قبل الحرب مثل المشهد الذي يحمل فيه جندي ماروني حذاء طفل صغير عثر عليه في سيارة مجموعة من اللاجئين قادمين من المناطق الشرقية فيقول لهم أنه يمكن أن يكون قد حمل اتربة من مناطق غير نظيفة وهي اشارة طائفية بالطبع كذلك عندما يحاول نفس الجندي الأعتداء على اسرة فلسطينية قائلا إن الحرب لا تصبح حربا إلا عندما يقتل الاخ أخاه.
وفي فيلم الحوض الخامس يتحدث والد المخرج الذي أصبح سائق تاكسي عن بيع مناطق كثيرة من وسط المدينة والكورنيش إلى لجان الأعمال من خلال كلمة واحدة فقط “الحريري” قاصدا طبقة رجال الأعمال مثل الحريري ومعاملاتهم الأقتصادية في وطن يعاني، ويتبع هذه الأشارة بالحديث عن وجبة العشاء التي صارت بخمسين دولارا بعد أن كانت بليرات قليلة قبل الحرب.
العنصر الرابع هو فكرة بورتريه المدينة فأغلب الافلام تتجول كاميرات صناعها في شوارع بيروت وتتوقف امام وجوه وملامح بناياتها وبشرها وشاطئها، حتى الروائي منها مثل تاكسي البلد الذي يعتبر بورتريه حقيقي عن هذه المدينة الآن، وفيلم الحوض الخامس الوثائقي الذي يحكي عن الحوض الخامس بميناء بيروت قبل وبعد الحرب وفيلم”مرسيدس” وفيلم “بيروت بالليل” لدانيال عربيد الذي تدو احداثه في احد فنادق بيروت وبالمناسبة فقد منع عرض هذا الفيلم في لبنان لأسباب امنية.


إعلان