أيام الفيلم الملتزم تستنطق الذاكرة الحية و القضايا

الجزائر –  ضـاويـة خـليـفـة

                                            الصورة رقم 1

وقع فيلم ” غبار الحياة ” للجزائري رشيد بوشارب اختتام أيام الفيلم الملتزم الذي احتضن متحف السينما الجزائرية مجريات أولى طبعاته ، بعد أن سجلت الأيام عرض بانوراما سينمائية لكبار المخرجين على غرار جاك سارازن ، اوليفر ستون ، فيليب دياز و غيرهم من المخرجين الذين قدموا أفلام وحدها الهم الإنساني ، كما شهدت التظاهرة تألق السينما الفلسطينية من خلال عرض أزيد من ثمان أفلام لمخرجات فلسطينيات عبرن عن مظاهر الاحتلال و الصمود بلغة سينمائية راقية ، في المقابل خلق الجمهور الجزائري و العاصمي خاصة الحدث بتوافده على العروض و تفاعله معها من خلال النقاش الذي كان يفتح بعد كل عرض .
و بعدما افتتح وثائقي العربي بن شيحة ” الجزائر … ديغول و القنبلة فعاليات أيام الفيلم الملتزم ، أراد المنظمون إسدال ستار الدورة الأولى بعمل جزائري أيضا لكن بطرح و موضوع مختلفين، حيث قدم بوشارب في ” غبار الحياة ” الذي رشح سنة 1996 لجائزة الأوسكار ، واقعا إنسانيا لا يقل مرارة عما عاشته المجتمعات المضطهدة و التي تعرضت للاستعمار ، من خلال قصة أطفال حرب الفيتنام الذين وجدوا أنفسهم ضحية الزواج المختلط و نعتوا مع الأيام بأبناء العار .
و قد حضر عرض فيلم ”غبار الحياة ” – هو المصطلح الذي كانت تطلقه أمريكا على الأطفال الذين ولدوا خلال حرب الفيتنام -الممثل الفيتنامي ” سان يان هوسن ” الذي اعتبر أن العمل كان بمثابة اكتشاف له ، فالموضوع لا يزال إلى غاية يومنا هذا من تابوهات المجتمع الفيتنامي ، كما عرج ” سان يان ” عن التجربة التي جمعته بالمخرج الجزائري رشيد بوشارب و تعامل هذا الأخير معه خلال فترة التصوير حيث قال أن ” رشيد إنسان حساس و جريء و مخرج بل فنان لأنه يجيد التعامل مع القضايا الإنسانية بصورة سينمائية احترافية تكون أقرب للواقع ”.

                                               الصورة رقم 2

 ... والتزام بالقضية الفلسطينية

و لأن عالم المرأة و القضية الفلسطينية عاملان أساسيان لا يكتمل الحديث عن القضايا الإنسانية إلا بوجودهما ، فان أيام الفيلم الملتزم لم تتجرد منهما بل منحت لإبداعات السينمائية الفلسطينية المجال لتقديم أعمالها ، بعرض مجموعة من الأفلام القصيرة لمخرجات هاويات و محترفات في نفس الوقت ، و هذا بحضور السينمائية و المنتجة الفلسطينية راما مرعي التي أعربت عن عميق سعادتها بالصدى الايجابي للعروض و تجاوب الجمهور العام الذي لا يزال وفيا لكل ما هو فلسطيني أو الجمهور المتخصص من مخرجين و سينمائيين .
و من الانتاجات التي حملتها راما مرعي من فلسطين إلى الجزائر فيلم ” الأرض بتتكلم عربي” لماريز غرغور ، و هو عمل أكاديمي استحضرت فيه المخرجة مرحلة ما قبل 1948 ، في لوحات لم تطغى عليها صور الحرب فحسب بل أبرزت الوجه الأخر للأهالي من المزارعين و غيرهم ، كما عادت إلى توثيق التاريخ الشفوي للأحداث التي عاشها الفلسطينيون في فترات متفرقة ، و استندت في ذلك على شهادات لبعض الأهالي الذين لازالوا على قيد الحياة ، ولا تزال ذاكرتهم حية ، قادرة على سرد ما حدث في النكبة ، فاستنطاق غرغور لذاكرة هؤلاء شكل قوة للعمل الذي أعجب به الجمهور كون مثل هذه الأعمال مهمة جدا لتدوين التاريخ الإنساني .
 
من جهته كان لفيلم علياء أرصغلي ” هي مش عيشه ” حضورا طيبا ، إذ قدم هذا العمل الاجتماعي الحاصل على إحدى جوائز المهرجان الدولي التاسع لسينما المرأة بتورينو ، نماذج مختلفة وصور متعددة عن المرأة الفلسطينية باختلاف بيئتها ، انتمائها أو طوائفها ، سواء المرأة المتمدنة أو الريفية ، المرأة العاملة أو المراهقة ، حيث جاء هذا العمل ليؤكد أنه رغم كل الفوارق الاجتماعية و الانتماءات الدينية يبقى الهم كالحلم و المصير واحد، فما أرادت علياء ”أرصغلي” إظهاره و إيصاله للمتلقي هو التفاف و تسمك نساء فلسطين بالأرض رغم كل الصعاب .
و في حديثها للجزيرة الوثائقية أكدت راما مرعي أن الأفلام المنتقاة تشترك في نقطة واحدة و هي أنها أعمال تحاكي برؤية نسائية جماعية واقع الفلسطينيات المليء بالبطولات و التضحيات اللامتناهية رغم المعاناة اليومية و الوحشية التي تسلط على الشعب الفلسطيني دون تفريق بين الجنسين ، و في هذا الصدد تقول مرعي  أن ” النساء المخرجات تفوقن على الرجال و نجحن في كسر الحواجز بتحديهن للواقع بالوصول إلى أماكن يصعب حتى للرجل الوصل إليها فقلة الإمكانيات لم تكن يوما عائقا أمامهن بل قابلن ذلك بقوة العزيمة و اقتحمن مجال الصناعة الوثائقية ” .

                                               الصورة رقم 3

أيام الفيلم الملتزم تؤسس لمهرجان الجزائر الدولي للسينما

و في تقييمها الأولي أكدت زهيرة ياحي محافظة أيام الفيلم الملتزم أن الطبعة الأولى يمكن اعتبارها ناجحة إلى حد كبير ” لو نظرنا إلى نوعية الأفلام و الأسماء التي استدعيناها ، وما جاء في الصحف من مقالات و متابعات ، دون أن ننسى الإقبال اليومي و الكبير للجمهور الذي أحدث المفاجأة بمداومته على العروض و الأسئلة التي كان يطرحها بعد تقديم العرض ، نقول بتواضع كبير أن التظاهرة نجحت و وفقنا في اختيار الأفلام و في الإستراتيجية التي رسمناها للتظاهرة لكن نطمح للمزيد ، ويكفينا شرفا الأسماء الكبيرة التي لبت الدعوة و أشادت بالأيام وقالت أن مثل هذه المبادرات التي تعنى بالفيلم الملتزم نادرة و قليلة مقارنة بأصناف أخرى ”.
كما أكدت ياحي للجزيرة الوثائقية أن هذه الطبعة جاءت تجريبية و تمهيدية لدورة ثانية ، ستعلن العام المقبل عن الميلاد الرسمي و التأسيس الفعلي لمهرجان الجزائر الدولي للسينما الذي سيحتفظ بصيغة الالتزام ، و سيختار له تاريخ محدد و قار حتى لا يتزامن و مهرجانات دولية أخرى ، فدورة العام المقبل ستتزامن و الذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال و الشباب ، و ستكون هناك أفلام جزائرية جديدة ذات نوعية و جودة عالية هي الآن قيد الانجاز ، كما سيتم تمديد عمر المهرجان و برمجة إلى جانب العروض السينمائية مجموعة من النشاطات كالندوات و الورشات التكوينية و غير ذلك و بالتالي – تضيف ياحي – طبعة العام المقبل ستكون مميزة بمحاور ، و مواضيع تتماشى و الحدث الذي ستحتفل به الجزائر و الجزائريون بمناسبة مرور نصف قرن على الاستقلال .

 


إعلان