“عزم حقيقي”: إعادة صنع او اقتباس عن رواية؟

محمد رُضا

في حديثهما لهذا الناقد، قال الأخوين جووَل وإيثن كووَن، ردّا على سؤال عما إذا كانا يعتبران فيلمهما الجديد  اقتباساً عن النسخة السابقة، أنهما شاهدا تلك النسخة من “عزم حقيقي” او True Gritمرّة واحدة وقبل سنوات عديدة. جووَل انبرى للكلام قائلاً: “شاهدته وأخي حين خرج الفيلم سنة 1969. كنت في الثانية عشر من عمري وشقيقي يكبرني بثلاث سنوات”.
لكن في حديثهما للصحافة الألمانية، قالا ردّاً على سؤال مشابه: “لم نشاهد الفيلم السابق بل عمدنا الى الرواية  لكي نقتبسها بأمانة”.
إنه فيلم الافتتاح للدورة الحادية والستين من مهرجان برلين السينمائي الدولي المقام حالياً واختيار مهرجان برلين لفيلم الأخوين جووَل وإيثَن كووَن الجديد هذا،  يحتوي على التقدير الخاص لسينمائيين استطاعا استحواذ إعجاب النقاد والمثقفين بسلسلة من الأعمال المصنوع غالبها بذكاء وعين على المكان والسلوك الشخصي لأبطالها، ولو أن بعضها لا يعدو هزلاً تقمّص رداءاً فنياً فبقي هزلاً ضعيفاً علي أي حال. 

الرواية المذكورة وضعها تشارلز بورتيس (خامس أعماله) في منتصف الستينات وقام هنري هاذاواي باصطيادها فيلماً من بطولة جون واين. تقنياً، ومهما كانت درجة الأمانة فإن “عزم حقيقي”- نسخة كووَن هي إعادة صنع طالما أن هناك فيلماً سابقاً مقتبساً عن الرواية ذاتها.
?عزم حقيقي?« في نسخة هاذاواي? ? قدّم جون واين (في الدور الذي حقق له أوسكاره الوحيد) في  ?دور روبرت روستر كوغبيرن المارشال الذي? “?لا? ?يدخل الخوف عقله?” ?على حد وصف أحدهم له والذي? ?تطلب منه الفتاة ماتي? ?روس? (?كيم داربي?) ?القبض على قاتل أبيها توم تشايني? (?جف كوري?) ?الذي? ?التحق بعصابة? ?يرأسها ند بَبر? (?روبرت دو?ول?). ?روستر كوغبيرن? ?يوافق على مضض على أن? ?يقوم بالمهمّة وحده،? ?لكن ماتي? ?تصر على أن تصحبه?. ?معهما في? ?المغامرة الشاب لابيف? (?غلن كامبل?) ?الذي? ?يريد القبض على توم لأسباب أخرى?. ?الفيلم تألّف من رحلة الثلاثة في? ?براري? ?الغرب?.
? ?
في? ?الترجمة السينمائية الجديدة،? ?يقدم الأخوين كووَن على النهل من الرواية وليس من الفيلم،  ?لكن كون الأصل أيضاً? ?اعتمد الرواية من دون كثير تعديل،? ?فإن النتيجة شبه واحدة سواء استلهم الأخوين الكتاب او الفيلم? خصوصاً وأنه لا يمكن إغفال حقيقة أن الأحداث واحدة مع اختلاف في أسلوب التعامل مع الغرب: عند هاذاواي المحترف التقني الرفيع هو وسترن كلاسيكي، وعند الأخوين المذكورين هو وسترن مع عصير حامض  لزوم منح الفيلم طعماً ليبرالياً في مقابل طعم يميني النكهة في نسخة هاذاواي/ واين.
في النسخة الجديدة جف بردجز في? ?شخصية روستر?  (?وبعصبة سوداء أيضاً? ?كما حال الشخصية في? ?الفيلم السابق?) ?وهايلي? ?ستاينفلد في? ?دور الفتاة بينما? ?يؤدي? ?مات دايمون دور لابيف?. ?الملخص أعلاه? ?يصلح تماماً? ?لإيجاز أحداث نسخة كووَن لأن المتغيّرات قليلة?. ?لكن النبرة مختلفة تماماً?. ?فيلم هاذاواي? ?كان احتفائياً? ?بالممثل واين وبالوسترن كنوع أدمن ذلك الممثل عليه حتى أصبح هو تعبيراً? ?عنه?. فيلم الأخوين كووَن بلا احتفاء على الإطلاق?. ?حتى التغني? ?بالغرب الأميركي? ?كنوع سينمائي? ?أمر? ?غير وارد?. ?عالم الأخوين كووَن هنا مؤلّف من سرد ملتزم بالحكاية من دون نوستالجيا او تعبير من أي? ?نوع سوى تلك البرودة الساخرة التي تتسرّب مثل جدار يشح بالماء،  وهذا سيء لمتلق كان الوسترن بالنسبة له نوعاً ?من المعايشة وجدانياً? ?مع عصر ولّى ولا? ?يزال مثيراً? ?للاهتمام كتاريخ وكبيئة زمنية واجتماعية?.?
يؤم الشقيقان كووَن الوسترن بأقل قدر من المرجعية?. ?إذا كان لابد،? ?فهو بالتأكيد شبيه بأفلام وسترن السبعينية من حيث التشكيل اللوني? ?للتصوير والتشكيل السلوكي? ?للشخصيات?. ?وهو رصين ومُلاِحظ لكنه ليس ثقيلاً? ?ولا تفصيلياً?. ?وأسلوب العمل هو? ?غير استعراضي? ?وغير مبهر بحد ذاته وفي? ?وقت واحد?. ?الناحية الأولى جيّدة،? ?الثانية ?عامل آخر مفقود في? ?هذا الفيلم الذي? ?يمر بهدوء نهر صغير?  و-أحياناً- بملله.
لاحقاً،? ?في? ?مكان ما وسط الفيلم،? ?ينتهج الأخوين تقسيماً? ?لغوياً? ?آخر?: ?روستر وماتي? ?على حصانيهما في? ?منطقة شجرية?. ?الكاميرا تتحرّك وراءهما ببطء? ?يماثل بطء تقدّمهما الى منطقة جديدة،? ?ثم تنتقل الى أمامهما لتتراجع عنهما بذات البطء?. ?هنا? ?ينتبه روستر على أن هناك شيئاً? ?خطأ في? ?المكان? ?يتوجّب الحذر منه?. ?بذلك تكون الكاميرا واكبت الإحساس قبل بدايته حتى تتيح للمشاهد الشعور به?. ?حزء كبير من نجاح المهمّة? ?يعود الى مدير تصوير الأخوين كووَن المفضّل? (?والدائم?) ?روجر ديكنز?.?

جف بردجز                                                                     جون واين                        

 ?اعتماد المخرجين على الرواية من دون تدخّلات من جانبهما لجذب الفيلم في? ?أي? ?اتجاه أمر? ?يساعدهما على إتقان تنفيذ الفصول من حيث التأليف اللغوي? ?لمشاهد كل فصل?. ?لكن بمراجعة الكتاب، الذي أعيد طبعه بمناسبة خروج الفيلم الى الصالات الأميركية (وهو عُرض هناك قبيل نهاية العام لكي يُتاح له التنافس على الأوسكار)  ?ندرك كم كان الأخوين كووَن أمينان حيال الحوار الوارد في? ?النص الأصلي? ?خصوصاً? ?وأن الكاتب بورتيس كان ذكياً? ?في? ?استخدام حواره?. ?ما? ?يخفقان به هو شحن الأزمات الواقعة بين الأطراف الثلاثة بقدر من الحرارة?. ?بسبب ذلك،? ?فإن الحوار المتبادل بين شخصية جف بردجز وشخصية مات دامون دائماً? ?أقل أهمية مما? ?يبدو عليه الأمر في? ?الوهلة الأولى?. ?المشاهد ذاتها بينهما لا تبدو طبيعية بين رجلين من ذلك العصر كل منهما? ?يدّعي? ?أنه مقاتل أفضل من الآخر?. ?النتيجة هي? ?أنهما? ?يبدوان أقرب الى امرأتين عجوزين تتناوبان الردح كل للأخرى خصوصاً? ?في? ?مشهدين ضعيفين للغاية?: ?المشهد الذي? ?يهزأ روستر كوغبيرن من لابيف،? ?وذاك الذي? ?يتنافسان فيه على إصابة أهداف طائرة?. ?وهما مشهدان وردا على بعد ثلث ساعة كان الفيلم خلالها قد? ?غطس في? ?مستنقع راكد لم? ?يخرج منه الا قبل نحو ثلث ساعة من نهايته?.?

لكن ماذا عن الفيلم الأول؟
المقارنة ليست لصالح الفيلم الجديد رغم حسنات هذه النسخة وسيئات النسخة السابقة. هنري هاذاواي قدّم عملاً مشحوناً في أجواء الغرب الأميركي وهذا ليس أمراً علي الناقد أن يمر عليه بسهولة. بصرف النظر عن رسالة الفيلم وسلوك بطله اليمينيين فإن التنفيذ ناجح فيما انصرف الفيلم إليه : تقديم وسترن تشويقي بمعارك فاصلة. حين مقارنة جون واين يركب حصانه ويهاجم الأشرار الأربعة وقد وضع الرسن بين أسنانه وحمل مسدّساً بيد والبندقية بيد، تجد تشخيصاً تقنياً وذاتياً مؤمناً في مقابل استخدام المشهد كجزء من السياق فقط كما الحال في فيلم كووَن
طبعاً رسالة الفيلم الستيني تتبع وجهة نظر واين: رجل القانون يحق له تنفيذه بصرف النظر عن القضاء. في حين أن رسالة الفيلم الحالي هو باردة حيال كل من بطله وموقفه.


إعلان