من أجل سينما نضالية (1)
السينما الفرنسية في السبعينيّات : 1968-1983
ترجمة صلاح سرميني ـ باريس
تسلسلٌ زمني سياسيّ طبعَ السينما الفرنسية في السبعينيّات(1)، بدأ بأحداث مايو عام 1968، وانتهى مع انتخاب “فرانسوا ميتيران” رئيساً للجمهورية في مايو عام 1981.
وهي السنوات الفاصلة بين شهريّ مايو وُفق عبارة المُؤرخ الفرنسيّ “باسكال أوري”.
وبمُقتضى منطقٍ خاصّ بالسينما، يمكن الإشارة إلى مايو 68 بداية لتلك الفترة، والأحداث التي اندلعت وقتذاك قادت السينمائيين إلى التفكير بممارستهم، وتبديلها، وعلى النقيض، لم يُحدث مايو 1981 أيّ تغيّيراتٍ في السينما، وتاريخ آخر فيلمٍ أخرجه “فرانسوا تروفو” عام 1983(2) يُناسب بشكلٍ أفضل إغلاق تلك الفترة، والتي سوف نُحددها فيما بعد كفترة تعايشٍ سلميٍّ، وثريٍّ بين مركز سينما، شعبيّة، وأطرافها، الأكثر انفتاحاً على الحداثة.
1- السينما المُتمردّة/الثائرة
بالنسبة لهذه السينما، تُجسّد أحداث مايو 68 قطيعةً مضمونية، وشكلية، لم تعدّ ذاتية المُؤلف تتصدّر الواجهة، وتقلص الحديث بصيغة المُتكلم بالمُقارنة مع التعبيرات الجماعية، وحتى المجتمع بكامله، وتراجع النموذج الأكاديميّ لصالح معالجةٍ أخفّ، قريبة من عمل المخرج التسجيلي.
![]() |
الفيلم النضاليّ
انطلق تعريف السينما النضالية رسمياً خلال “التعبئة العامّة للسينما” في مايو 68 التي جمعت كلّ الحرف السينمائية في إضرابٍ عامّ، وأصدروا وقتذاك بياناً تحت عنوان “من أجل سينما نضالية”.
” بهدف تحقيق قطيعة أيديولوجية مع السينما البورجوازية، نُعلن استخدام الفيلم كسلاحٍ سياسيّ”.
قدم البيان ثلاث اقتراحاتٍ محددة:
ـ أن تُستخدم الأفلام ركيزةً لتبادل الخبرات السياسية، وهذا يتطلب بأن يتبعها نقاشاتٍ بين صانعيها، والجمهور.
ـ أن تُنجز الأفلام، وتُعرض بصلةٍ مباشرة م�� النشاطات السياسية.
ـ أن يُصاحبها معلوماتٍ إضافية.
وهكذا، يبدو بأنّ تعبير “السينما النضالية” يُحيل حصراً إلى الحقبة التي تمحورت حول مايو 68، قبل ذلك، كان الحديث، على سبيل المثال، عن سينما “دعائية”، أو “مُوازية”.
وكانت تقنية “السينما المُباشرة” هي المُستخدمة غالباً، والتي ظهرت في فرنسا قبل عقدين من ذلك التاريخ بعد اختراع آلة التسجيل المُسمّاة Nagra، والكاميرا Coutant، خفيفة، محمولة، وصامتة، تسمح بتسجيلٍ متزامن للصوت، والصورة.
باختصار، السينما النضالية هي السينما المُباشرة المُسيّسة.
هناك سمةٌ شكليةٌ أخرى مُشتركة : الغياب المُتكرر للإمكانيات فرض على السينمائييّن إنجاز أفلام قصيرة عادةً، بالأبيض، والأسود، وبمقاس 16 مللي، وحتى 8 مللي سوبر، وكان الشكل الأقصى لها هو “المنشور السينمائيّCinétract/” (فيلمٌ بمدة ثلاث دقائق، صامت، بالأبيض، والأسود، ويتكوّن تحديداً من الصور التي يتمّ تحريكها عن طريق نظام التحريك صورة/صورة)، كان الهدف منه العرض، والانفعال الفورييّن .
وهكذا، فإنّ أحداث مايو 68 شكلت لحظة تأسيس السينما النضالية :
التعبئة العامة، إضراب الـ ( IDHEC/معهد الدراسات السينمائية العليا، الـ Fémisحالياً)، وحتى أنّ بعض وكالات الأفلام الدعائية نظمّت فرقاً لتصوير الاحتجاجات، الإضرابات، جامعة السوربون، مسرح الأوديون، والحركات السياسية المختلفة،.. ونتج عن ذلك تسجيل كيلومتراتٍ من الأشرطة السينمائية، نذكر منها :
• الأفلام ما قبل أحداث 68 :
ـ نأملُ بأن نراكم قريباً ـ كريس ماركر.
ـ الأول من مايو في “سان نازير” ـ “مارسيل ترييّا”، و”أوبير نابّ”.
ـ برلين68 ـ رودي دوجكيه ـ مجموعة ARC بإشراف “ميشيل أندريّو”، و”جاك كيباديان”.
(ARC، هي الحروف الأولى من Atelier de Recherche Cinématographique، وتعني ورشة بحث سينمائيّ).
![]() |
ـ الغراء ـ إدوارد هايّم.
عام 1968، أول المصانع التي تمّ احتلالها:
ـ Cléon ـ آلان لاغوارادا.
ـ Nantes Sud Aviation ـ مجموعة ARC، إخراج “بيير ويليام غلين”، و”ميشيل أندريو”.
• مايو 68 في باريس، الانفجار:
ـ ما هي إلاّ بداية ـ مجموعة ARC، إخراج “ميشيل أندريو”.
ـ شهر مايو الرائع ـ مجموعة ARC.
ـ Mikono ـ مجموعة ARCـ إخراج “جان ميشيل هومو”.
ـ عمال السكك الحديدية ـ فرناند موتزكوفيتش.
ـ CA13 لجنة عمل الدائرة الثالثة عشرة ـ مجموعة ARC.
ـ الحقّ في الكلام ـ مجموعة ARC بإدارة “ميشيل أندريو”، و”جاك كيباديان”.
• مايو 68 بالقرب من المصانع :
ـ تجرأ على النضال، تجرأ على الانتصار ـ جان ـ بيير تورن.
ـ 1968 سيتروين ـ نانتير لـ “غي ديفار”، و”أدوارد هايم”.
ـ 1968، النظام يسيطرُ على “Simcaville “، صورته “كاترين مولان”، و”جان فرانسوا كومت” في مصانع “Simca” بضاحية “Poissy”، وكان الوحيد من بين كلّ المصانع الذي لم يُضرب عماله عن العمل.
اهتمت “كاترين” بشكلٍ خاصّ بأوضاع العمال المهاجرين الذين يعتقدون بأنّ أيّ اعتراضٍ على النظام المُتأسّس، وظروف العمل المفروضة عليهم، يعني الطرد الفوريّ، وبالتالي تدمير الجهود المبذولة من طرفهم للعمل في فرنسا.
هناك فيلمٌ هامٌ آخر عن أحداث 68 هو “سيتروين ـ نانتير” لـ “إدوارد هايم”، يركز على واحدٍ من الإضرابات العمالية الكبرى في تلك الفترة.
• العودة إلى النظام في عام 1968 :
ـ العودة إلى العمل في مصانع Wonder ـ “بيير بونّوو”، و”جاك ويلمون”.
ـ النشيد الوطني الفرنسي مرتان ـ “جان لويّ كومولي”، و”أندريه.س. لابارت”.
وقد تمّ عرض هذه الأفلام في دوائر مُوازية، وشاهدها القليل قبل البرنامج 68 الذي تمّ توزيعه في عام 1978، ومن ثمّ إصدارها في أقراص د.ف. د بداية عام 2000 إلى درجة أننا اعتقدنا، ولفترةٍ طويلة، بأنه لا يوجد إلاّ فيلم “مساءاتٍ كبيرة، وصباحاتٍ صغيرة” لمخرجه “وليام كلاين”.
![]() |
ميراث أحداث مايو 68
تواصل هياج أحداث مايو 68 حتى منتصف السبعينيّات، استلام “فاليري جيسكاردستان” للسلطة، نهاية مجموعة “Cinélutte”(الكلمةٌ مركبة من سينما، ونضال)، والتحوّل نحو أفلام المُؤلف التي تنبأ بها “نيكولا فيليبير” القريب من المجموعة، والذي أخرج في عام 1978 مع “جيرار مورديّا” فيلماً عن أصحاب العمل بعنوان “صوت سيده”.
بدوره، التحق “كريس ماركر” بمُؤيدي التسجيل المُباشر قبل عام 1968، حيث صور في عام 1962 تحقيقاً بعنوان “مايو الجميل” حول ردود الأفعال في باريس عن حرب الجزائر.
لم يشعر”كريس ماركر” إذاً بأيّ صدمةٍ بإصغائه لأفكار مايو 68، لأنه امتلكها منذ عاميّ 1962 ـ 1963 وهذا ما يفسّر اشتراكه مع مجموعة “Slon”(3)، ومن ثمّ “Iskra”(4)، و”Medvedkine”(5).
وقد تشكلت “Slon” في عام 1967عن طريق “كريس ماركر” في أعقاب تحقيق “بعيداً عن فيتنام”، الذي يمكن اعتباره بشكلٍ عام الفيلم الأول في السينما النضالية، فيلمٌ جماعيّ ضدّ حرب فيتنام، جمع توقيع أسماء سينمائية مرموقة مثل : آنييس فاردا، جان لوك غودار، آلان رينيه، رويّ غوييرا، يوريس إيفانز، جان روش، رينيه فوتييّه.
وقد أنشئت “Slon” لدعم تصوير فيلم “نأملُ بأن نراكم لاحقاً” حول الإضراب العماليّ لمصنع ” Rhodiaceta” في مدينة “بيزانسون” عام 1967 بإشراف “كريس ماركر”، و”ماريو ماريه”، ولكن العمال اعترضوا على الفيلم في نهاية 1967 مُنتقدين “رومانسية” كريس ماركر، وقد سمح هذا النصف فشل بتكوين مجموعاتٍ سينمائية نضالية هي الأكثر شهرةً منذ 68 :
مجموعة Medvedkine في “بيزانسون، أولاً، ثم “سوشو”، والتي جمعت عمالاً، وسينمائيين جاؤوا من باريس لتدريبهم على العمل السينمائيّ.
وهكذا، أوحت تلك التجربة التي تحققت في “بيزانسون” بتكوين مجموعاتٍ أخرى :
مجموعة “Dziga Vertov”(6) التي كانت يُنشطها بشكلٍ خاص “جان لوك غودار”، و”Dynadia”، ومن ثمّ “Unicité” التابعة للحزب الشيوعيّ الفرنسيّ، والتي أطلقها “ماريو ماريه”، و”بول سيبان”.
في عام 1977 قدم “ماركر”، وكان وقتذاك قد تجاوز الـ 55 من العمر، عملاً يحاول من خلاله فهم العشر سنوات التي عاشها، ولم يكن ذلك يتعلق بحياته الخاصة، ولكن بمواجهة الأحداث التي هزّت العالم.
فيلمه “عمق الهواء لونه أحمر”، يقيس حقبةً كاملةً من الآمال، والإحباطات باستخدام بعض الوثائق الأرشيفية، وعدداً من الأفلام النضالية القادمة من كلّ بلدان العالم، والتي أُنجزت عن طريق مجموعاتٍ نضالية تأسّست طوال فترة السبعينيّات.
هوامش :
(1) ـ الجزء الأول من موضوع بعنوان “السينما الفرنسية في السبعينيّات : 1968-1983”.
نُشر في موقع نادي سينما مدينة Caen الفرنسية.
(1) ـ المقصود فيلمه الروائيّ الطويل “فليبقى يوم الأحد دائماً”.
(3) ـ Slon هي الحروف الأولى من (Société de Lancement des Oeuvres Nouvelles ، وتعني “شركة إطلاق أعمال جديدة”، و”Slon” تعني “فيل” باللغة الروسية.
(4) ـ Iskra هي الحروف الأولى من (Image, Son, Kinescope et Réalisations Audiovisuelles)، وتعني “صورة، صوت، تحويل من الفيديو إلى السينما، وإنجازات سمعية/بصرية”، و Iskra تعني “شرارة” باللغة الروسية، وهي حالياً شركةٌ مستقلةٌ للإنتاج، والتوزيع.
(5) ـ نسبة إلى المخرج السوفييتيّ “ألكسندر ميدفيدكاين” (1900-1989).
(6) ـ نسبة إلى السينمائيّ السوفييتيّ الطليعيّ “دزيغا فيرتوف”(1896-1954).