الفيس بوك يفتح نافذة السينما السورية
بيان ضد مدير المؤسسة العامة للسينما في سورية
أعلن على السبكة الاجتماعية الفيس بوك مؤخراً عن بيان حول وضع المؤسسة العامة للسينما في سوريا وطلب في استهلاله من الراغبين بالتوقيع ذكر أسمائهم وصفاتهم قبل نشر البيان.
ومن الجدير بالذكر أنه على مدى استلامه لإدارة المؤسسة العامة للسينما، حوالي أحد عشر عاماً، فإن محمد الأحمد قد صعّد على الدوام الجدل حول ما يقوم به من تصريحات ومن إجراءات تفصيلية هنا وهناك وتغييرات كلها مكلفة على المستوى الإنتاجي، قليلة الأهمية فكرياً وفنياً، ونجح بشكل مثير للانتباه في إثارة حفيظة الكثيرين من السينمائيين والمثقفين بخطوات تكتيكية، يبدو أن القصد منها فقط إثارة الحديث حول أمور أقل أهمية من الاستراتيجيات العامة، التي من المفترض أن تضعها وتخطط لتنفيذها إدارة المؤسسة، والغائبة في الواقع.
ولطالما اعتاد جمهور السينما في سورية سماع السيد الأحمد في المنابر الإعلامية يتحدث متشكياً من الذين ينتقدون أداء المؤسسة ويقول عبارات مثل: لا أعرف ماذا يريدون من محمد الأحمد، غداً يقولون محمد الأحمد فعل كذا من أجل كذا، هناك أشخاص متضايقون من محمد الأحمد… ومن ثم أنا فعلت كذا وكذا، وإنجازاتي هي كذا وكذا…ما اعتبره الكثيرون إصراراً على شخصنة كل القضايا ودفنها في أرضها، قبل أن تتسع وتتبلور في أشكال أكثر اكتمالاً وأكثر شمولاً. وفي الوقت عينه؛ لطالما اتهَمَ الأحمد، أهمَّ المخرجين السوريين، محمد ملص على سبيل المثال، أن مشكلته مع المؤسسة مشكلة شخصية، ولطالما أسقط عنها قيمتها تبعاً لذلك (المشكلة)
وأخيراً، وكسبب مباشر، يبدو أن ما حفز أصحاب البيان على إصداره، هو ظهور السيد الأحمد على الفضائية السورية قبل بضعة أيام، ليتحدث عن الراحل عمر أميرلاي، أهم المخرجين التسجيليين في سورية، والمعروف في مجال الفيلم التسجيلي على مستوى دولي، وهو صاحب الأفلام الممنوعة في بلده؛ ليتحدث عنه بخطاب اعتبره الكثيرون، كما اعتبره البيان، أنه لم يدل على “استفراد الأحمد بالمؤسسة، وبالسينما السورية كلها، وكأنها مزرعته الشخصية الخاصة فحسب، بل ودل أيضاً على جهل كبير بالفن السينمائي لدى من يُعتَبر المؤتمَن على السينما السورية بوصفه ناقداً مميزاً. فحديث السيد الأحمد عن الراحل عمر أميرالاي، وهو أحد الرموز السينمائية الهامة في سورية، جاء بعيداً كل البعد عن قواعد النقد الفني السينمائي” وطالب البيان أخيراً “بإعادة النظر في هيكلة المؤسسة العامة للسينما من خلال الاستعانة بالخبرات الإنتاجية والفنية الموثوقة والمعتَرف لها محلياً وعالمياً بالتميُّز والأصالة والقدرة على التجديد، بهدف البحث عن آليات إنعاش لهذه المؤسسة المهددة بالتعطُّل التام، ومساعدة القطاع الخاص وفتح الأبواب أمامه لدخول مجال الإنتاج السينمائي بشكل أوسع”.
![]() |
محمد الأحمد
وكان الأحمد، بعد وفاة عمر أميرلاي في الخامس من شباط الحالي، قد ظهر في الفضائية السورية بما يشبه اللقاء التلفزيوني، شارحاً بما يشبه مظهر الناقد، وجهة نظره التي اعتبرها نقدية عن أميرلاي، متناسياً صفته الأخرى، والتي يبدو أن المتابعين للقاء لم ينسوها وقد خيم ظلها على اللقاء التلفزيوني، أي صفة “مدير المؤسسة العامة للسينما في سورية” وهي المسؤولة بنظرهم (المؤسسة) عن منع أفلام أميرلاي، وهم تبعاً لذلك لم يحظوا بمشاهدة غالبية أفلامه، في حين حظي هوَ (الأحمد) بمتابعتها كلها، وقد صرح هو بذلك “بما يشبه” الرد على البيان في مؤتمر صحفي عقده مساء يوم السادس عشر من شباط، حيث أكد مجدداً في المؤتمر، كما فعل سابقاً في اللقاء التلفزيوني، أن عمر أميرلاي ليس مخرجاً عالمياً، وأن المخرجين السوريين لم يستطيعوا “إيصال بيئاتهم المحلية إلى العالم كما فعل الايطالي روسلليني والاسباني بونويل والياباني كوروساوا “. مضيفاً في المؤتمر، أن ذلك لا ينقص من قيمة المخرجين السوريين في شيء (وزاد على ذلك) فهل –كما صرح- حين نقول إن بدوي الجبل وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وعمر أبو ريشة ليسوا عالميين يكون الغرض الانتقاص من قدرهم وإبداعاتهم الاستثنائية؟
رونالد ريغن في خطاب الأحمد
ولكن بالإضافة إلى كل ذلك وكل تلك المقارنات “الملتبسة” التي يعتبرها الكثيرون غير علمية؛ فمن الخطأ مثلاً تشبيه حالة السينما الإيطالية واليابانية ومناخ صناعتها بالسينما السورية، وإذا كان هناك إخفاق في الوصول إلى العالمية كما يرى الأحمد فلا يقع ذلك بالضرورة على كاهل المخرجين السوريين، أين ذهبت مسؤولية مقص الرقيب والمنع، والقيود المتخلفة التي تحكم الإنتاج والتوزيع، وتجهض الأفكار حتى قبل ولادتها، على مدى عشرات السنين والتي تساهم مؤسسة السينما بإدارييها في تثبيتها… كيف سيصل فيلم من إنتاج المؤسسة إلى العالمية إذا حجبه المنع الرسمي وحال دون خروجه إلى العالم الأوسع، كما حصل مع فيلم نجوم النهار للمخرج أسامة محمد؟
![]() |
إذاً فبالإضافة إلى كل ذلك؛ فإن أكثر ما يثير الجدل حقاً هو جملة من العبارات وردت على لسان الأحمد في تصريحاته الأخيرة، وهي تكشف إذا ما ابتغى المرء التحليل، عن مكنونات هذا الرجل ومدى كونه مؤهلاً حقاً لإدارة مؤسسة ثقافية هامة في بلد كسورية، تلك المؤسسة التي كان لها باع طويل في النضال، بجهود سينمائييها، من أجل القضية الفلسطينية وقضايا العرب الكبرى:
قال الأحمد بدايةً إن أميرلاي يتميز عن بقية زملائه السوريين بأناقة ملبسه ومظهره ووسامة طلته.
و إن عمر أميرلاي ليس عالمياً بل مصطفى العقاد هو العالمي، وعرّف “العالمي” بأنه المعروف في كل مكان، المشهور، فعلى هذا الأساس كيف يصنف الأحمد مخرجين من أمثال تاركوفسكي، أو بيرغمان، وهل سيكونون غير عالميين بمقارنتهم مع ستيفن سبيلبيرغ، أو جيمس كاميرون، أو حتى كوبولا؟ ماهي معايير السيد الأحمد إذاً؟ قد يبدو الأمر غامضاً هنا، ليس من المستطاع البت فيه، ولكن، عبارة أخرى ستوضح الصورة أكثر. فعندما تحدث عن مهرجان دمشق السينمائي في المؤتمر الصحفي المذكور؛ حاول تضخيم صورة أحد المخرجين الروس، من ضيوف مهرجان دمشق السينمائي الأخير، وتأكيد أهميته فقال السيد محمد الأحمد (مدير المؤسسة العامة للسينما في الجمهورية العربية السورية، دولة المواجهة الأولى ضد المشروع الصهيوني الأميركي) إن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن في ثمانينات القرن الماضي، بعث بطائرة خاصة لتحضر المخرج المذكور وعائلته لزيارة أمريكا!
![]() |
أحدث أفلام مؤسسة السينما |
ملاحظات على البيان
من جهة أخرى كان لبعض المثقفين عدة ملاحظات على البيان، فالبعض رأى أنه يندرج تحت إطار الردح المتبادل، وبنكهة شخصية أيضاً، ويفتقد بدوره إلى المنهجية المضادة المناسبة، فمن هم الموهوبون الذين قصدهم البيان مثلاً، ومن يحدد درجة موهبتهم، وأخيراً رأى البعض أن أخطر ما في الأمر هو أن البيان سمح للسيد الأحمد الذي استعان بالمنابر الإعلامية المتاحة له وبصفته النقدية وادعاءات ديمقراطية “حوارية” أن يظهر للرأي العام مدى “حنكته”، “ومنطقيته”، ومعرفته الواسعة، شاحذاً قدرته على الإقناع، بسبب غياب الرد الممنهج والخطاب المفند لشخصية وخطاب الأحمد نقدياً.