فيلمان من إسرائيل لا يخلوان من فلسطين

ليس هناك تمويل فلسطيني لصنع أفلام جديدة وإن كان فهي ستجد نفسها حائرة بين سياسات وتوجّهات متناقضة، كما ليس هناك من حماس اوروبي لإنتاج أفلام عن فلسطين الا إذا كان مخرجيها الفلسطينيين من نخبة إيليا سليمان كون أعماله، التي كان آخرها “الزمن الباقي”،  برهنت  عن جدواها  المادي. إذاً البديل هو أن تتحدّث السينما الإسرائيلية عن أمور فلسطينية. ليس أنها المرّة الأولى، لكن الساحة الآن خالية لهذه السينما لكي تنفرد بما تود قوله.
فيلمان في عروض المهرجان آتيان من الدولة العبرية الأول ضمن المسابقة والثاني خارجها، وكلاهما يشتركان في جانب آخر غير كونهما إنتاجان إسرائليان وهو أن كل منهما يتحدّث عن إمرأتين.
في “أحمر شفاه” لجوناثان سيغال حكاية إمرأتين فلسطينيّتين هما لارا (كلارا خوري) وإنام (تاتالي عطيّة) تعيشان في لندن بعد سنوات طويلة من مغادرتهما فلسطين.  إنهما من رام الله وما شاهداه من أحداث ووقائع مأساوية من جراء الإحتلال والهجمات الإسرائيلية وسوء المعاملة (بإعتراف الفيلم وليس برأي الناقد وحده) باق معهما يعودان إليه على شكل ذكريات تؤلمهما، بما في ذلك حادثة اغتصاب يقوم بها جنديين إسرائيليين.


أحمر شفاه 

لارا مسلمة وإينام مسيحية، لكن ذلك لا يؤثر على صداقتهما بل يعززها. ويبدأ الفيلم من زيارة إينام للارا المتزوّجة وغير السعيدة وإذ يتحادثان يبدآن باستعادة بعض الذكريات (بينها حادثة الإغتصاب المزدوجة) العاكسة لمدى الألم العاطفي والنفسي الذي لا يزال يعصف بهما.
النتيجة عمل غالبه محصور داخل جدران منزل لارا مع توجّهات درامية نفسية داكنة ومثيرة للإهتمام معاً كون المخرج اسرائيلي لديه ما يعلّق به على الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي. حادثة الإغتصاب بحد ذاتها مربوطة في الوعي الباطني للفيلم بإغتصاب الأرض. وفي حين أن شخصيّة لارا خارجة عن التقاليد وجديدة من نوعها بالنسبة للشخصيات الفلسطينية (تشرب وتميل لبنات جنسها رغم أنها الآن متزوّجة ولديها صبي في السابعة)  فإن قيام المخرج بتصوير المغتصب الإسرائيلي في زي عسكري يحمل رمزه بوضوح رابطاً الفعل المذكور بالوضع الإستيطاني الممارس.

من ناحيته، نرى في فيلم “غير مرئي” قصّة إمرأتين اسرائيليّتين كانتا تعرّضتا للإغتصاب. هذه المرّة المغتصب مدني واحد (وليس جنديين) لكن تبعاً للفيلم فإن هناك محاكاة مماثلة للفيلم الأول بين الإغتصاب الجنسي واغتصاب الأرض. فليلي (رونيت إلكابتز) مخرجة وثائقية متزوّجة وكثيرة الإهتمام بما يحدث للمزارعين الفلسطينيين على ايدي المستوطنين المتطرّفين  المحميين من قبل الجنود الإسرائيليين. في مطلع الفيلم هي هناك تصوّر مزارعين فلسطينيين يحصدون غلّة الموسم من الزيتون. لقطات حانية لهؤلاء العرب البسطاء وهم يعملون بجهد، هذا الى أن يندفع المستوطنون والجنود معا طالبين من العرب الرحيل وترك الغلّة في الأرض. بعض المزارعين يُقاوم لكنه يُعنّف ويُضرب، وفي مشهد لاحق نرى النيران تحرق شجرة زيتون والمخرجة تطلب من الجنود تفسيراً لهذا الإعتداء.
ليلي ستلتقي مع مونتيرة تلفزيونية أسمها نيرا (إفجينيا دودينا) تراقب الفيلم الذي صوّرته الأولى وكلاهما لديها ما تبوح به للأخرى. فليلي تعاني من هجران زوجها الذي يتركها مغادراً وهو يعلن من تبرّمه من منوال حياتها وعملها “والفلسطينيين ايضا” والثانية كانت طلّقت زوجها ولديها إبنة شابّة تخبرها يوماً أن رجلاً حاول الإعتداء عليها. هذا في الوقت الذي أدركت فيه كل من ليلي ونيرا أنهما كانتا تعرضتا لاغتصاب رجل واحد وأنهما لا يستطيعان نسيان الحادثة. ما يجعلها محط استعادة خبر عن الإفراج عن المغتصب بعدما قضى بضع سنوات في السجن.
الفيلم كان يحتاج لنهاية أقوى، لكنه في معظمه عمل لا يخلو من حس فني بليغ. تمثيل جيّد وموضوع منفتح على تفسيراته من دون تمييع.


إعلان