مدير السينما في سوريا والزعيم المعتوه في ليبيا
ناصر ونوس
نشرت جريدة السفير اللبنانية مقالاً للمخرج السينمائي السوري أسامة محمد بعنوان “التمثيل بأميرالاي” يعلق فيه على ما قاله المدير العام للمؤسسة العامة للسينما في سورية محمد الأحمد عن المخرج السوري المبدع الراحل عمر أميرالاي خلال برنامج على شاشة التلفزيون السوري. وبعد قراءتي للمقال لم أجد عبارة أعلق فيها على ما قاله الأحمد عن أميرالاي إلا أن أقول إنه بالفعل إذا لم يستح المرء فإنه يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء، ذلك لأن كلام محمد الأحمد عن عمر أميرالاي لم يذكرني إلا بهلوسات القذافي الذي سيصبح عما قريب الرئيس المخلوع، أو ربما الرئيس المنتحر، أو المقتول. انظروا، مثلاً، ماذا يقول هذا الرئيس المعتوه، وهو ما يتم التندر عليه وتناقله عبر الرسائل الإلكترونية:
• للمرأة حق الترشح سواء كانت ذكراً أو أنثى!.
• أيها الشعب… لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام!.
• أنا لست ديكتاتورا لأغلق الفيس بوك… لكني سأعتقل من يدخل عليه!.
• تظاهروا كما تشاؤون ولكن لا تخرجوا إلى الشوارع والميادين!.
• سأظل في ليبيا إلى أن أموت أو يوافينى الأجل!.
• بر الوالدين أهم من طاعة أمك و أبوك!.
والطريف، والمفارقة، في الأمر أن القذافي يقول هذا الكلام في اللحظة نفسها التي يتهم فيها شعبه بتناول حبوب الهلوسة. ويبدو أن بعض المسؤولين السوريين أصيبوا بالداء نفسه المصاب به القذافي، أي داء العظمة. وبالتالي أصبحوا يشبهونه في العته والحماقة. لم أشاهد أو أسمع ما قاله محمد الأحمد عن عمر أميرالاي، لأنني بطبيعتي، ومثلي مثل الملايين في سورية، لا أشاهد التلفزيون السوري إلا عندما أذهب إلى والدتي، حيث أجدها تشغل التلفزيون على القناة السورية بانتظار مشاهدة النشرة الجوية التي غالباً ما تفتقر إلى الدقة. لكن قول الأحمد، مثلاً، عن الفيلم الذي أخرجه عمر أميرالاي عن سعد الله نوس بعنوان “هناك أشياء كثيرة كان يمكن قولها” بأنه “بورتريه” هو كلام فارغ. لأنه كما قال أسامة محمد هو فيلم عن الصراع العربي “الإسرائيلي”، وأنا هنا أضيف: إنه شهادة عن هذا الصراع، وعندما قدمته إحدى قنوات التلفزة الفرنسية قدمته باعتباره شهادة سورية عن هذا الصراع إلى جانب شهادة أخرى من مخرج “إسرائيلي”. لكن الشهادة “الإسرائيلية” لم تصمد أمام الشهادة السورية التي أتت على لسان سعد الله ونوس في فيلم عمر أميرالاي. أما قول مدير السينما في سورية عن فيلم “الطوفان” بأنه “أضعف أفلام عمر…” فإنني أقول إن مسؤول السينما في سورية ليس بوسعه القول عن فيلم “الطوفان” أكثر من هذا طالما أنه من عداد المسؤولين السوريين، ذلك لأن الطوفان هو فيلم، وكما قلت في شهادتي عن عمر المنشورة على موقع الجزيرة الوثائقية بعنوان “نم قرير العين ياعمر…” (http://doc.aljazeera.net/cinema/2011/02/2011288592710253.html )، هو فيلم عن “الطوفان الذي نغرق به، طوفان الأيديولوجية، وطوفان الكذب، وطوفان التضليل، وطوفان الشعارات المنتهية المفعول ولم تعد صالحة لشيء…” وهذا ما ليس بوسع مسؤول السينما السورية الاعتراف به…
![]() |
اميرلاي |
إنني لا ألوم محمد الأحمد على ما قاله عن عمر أميرالاي بقدر ما ألوم إدارة التلفزيون السوري التي لم تجد شخصاً يتحدث عن عمر أميرالاي عبر التلفزيون السوري سوى ألد أعداءه. وربما عدوه الوحيد.
لكن وجه الشبه بين مدير السينما في سوريا والزعيم المعتوه في ليبيا لا يقتصر على هذا، فمعتوه ليبيا يشن حرباً على الشعب الليبي، أو قل معظم أبناء الشعب الليبي، بينما يشن مدير السينما في سورية حرباً على السينمائيين السوريين، أو قل على معظم السينمائيين السوريين، وعلى أهم رموز السينما السورية. من محمد ملص إلى نبيل المالح، وهيثم حقي، وعمر أميرالاي، وأسامة محمد، ونضال حسن، ونجدت أنزور، وقبلهم على مروان حداد المدير السابق لمؤسسة السينما الذي أزاحه من منصبه وجلس مكانه بقرار من الجهات العليا المعروفة.
![]() |
وكما حوّل الزعيم المعتوه ليبيا إلى مزرعة خاصة به حوّل مسؤول السينما في سورية المؤسسة إلى مزرعة خاصة به. فكان أول ما قام به هو الإدعاء بتسمية مهرجان دمشق السينمائي بـ “مهرجان دولي”، دون أن يكون مصنفا على هذا النحو من قبل الهيئات الدولية، لتقفز ميزانيته من اثني عشر مليون ليرة سورية إلى خمسة وخمسين مليون ليرة، والفارق بين المبلغين لا أحد يعرف إلى أين يذهب سوى اللجنة التي أرسلتها هيئة الرقابة والتفتيش للتحقيق معه ومع عدد من مسؤولي المؤسسة. والأمر لا يقتصر على التسمية بل طال هوية المهرجان وشعاره. فقد كان مهرجان دمشق السينمائي هو مهرجان لسينما العالم الثالث، وكان يشكل فرصة لمشاهدة الأفلام القادمة من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والتي لا يمكن مشاهدتها في الأحوال العادية في ظل سيطرة السينما الأمريكية، وكان شعاره “من أجل سينما متقدمة ومتحررة”، فحوله إلى مهرجان فاقد الهوية ليضع له في كل دورة شعاراً جديداً خال من أي معنى. ويعرض فيه الأفلام المتوفرة على “البسطات” وفي محلات بيع “السيديات” المنتشرة في سورية. إن من يعود إلى الأهداف التي أقيم من أجلها مهرجان دمشق السينمائي، والتي أعلن عنها في دورته الأولى عام 1979 يجد كم ابتعد هذا المهرجان عن تلك الأهداف، بل كم أن المهرجان أصبح مناقضاً لأهدافه التي عقد من أجلها. كما أن ميزانية كل دورة من دورات مهرجان دمشق السينمائي يمكن أن تصنع عشرة أفلام سينمائية، وذلك أولى من صرفها على “بهرجانات” لا طائل منها. إن ممارسات وسلوك مدير مؤسسة السينما في سوريا دفعت السينمائيين السوريين لإصدار بيان على الإنترنيت يطالبون فيه بتنحيته عن إدارة المؤسسة. لكن يبدو أن وزارة الثقافة في سورية التي تتبع إليها مؤسسة السينما تنتظر من هؤلاء المثقفين النزول إلى الشارع رافعين شعار إسقاط مدير المؤسسة حتى تستجيب لمطالبهم.