الوثائقي يفوز بالجائزة الوطنية الكبرى
أحمد بوغابة – المغرب
مرة أخرى، يخلق الفيلم الوثائقي مفاجأة في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة (شمال المغرب)، الذي اختتمت فعالياته ليلة يوم السبت 29 يناير 2011 بعد 9 أيام من العروض والنقاش والتقييم الحيوي والإيجابي.
فقد تمكن الفيلم الوثائقي “أشلاء” للمخرج حكيم بلعباس من الحصول على أكبر جائزة في هذه التظاهرة الوطنية، مما يدل أن هذا الجنس السينمائي يشق طريقه بثبات بعد كل مشاركة، حيث كان قد حصل أيضا على الجائزة الكبرى الفيلم الوثائقي “في بيت أبي” للمخرجة فاطمة جبلي الوزاني، في الدورة الخامسة التي كانت قد احتضنتها مدينة الدار البيضاء سنة 1998 حين كان المهرجان الوطني يتنقل بين المدن. كما حصلت المخرجة ليلى الكيلاني على جائزة الخمسينية للسينما المغربية بفيلمها الوثائقي الجميل حول سنوات الرصاص: “أماكننا الممنوعة” في الدورة العاشرة سنة 2008.
وعليه، فإن الفيلم الوثائقي المغربي، رغم قلته، أصبح معترف به في الفضاء السينمائي المحلي إذ أن المدير العام للمركز السينمائي المغربي الأستاذ نور الدين الصايل قد ذكر في الندوة الصحفية، حول الحصيلة السينمائية المغربية السنوية، التي سبقت الإعلان على الجوائز بأن الفيلم الوثائقي يتمتع بنفس الحقوق كالفيلم الروائي إذا توفرت فيه الشروط السينمائية التي يتطلبها في كتابته لأنه بدوره إبداع كامل ومتكامل. وبالتالي فإن له الحق في الحصول على الدعم والمشاركة في مختلف التظاهرات الوطنية وأن يمثل المغرب في العالم.
• “أشلاء” … سيرة الذات والمجتمع والسينما
“أشلاء” هو فيلم يجمع فيه مخرجه حكيم بلعباس “أجزاء” من فترات حياته الشخصية، تمتد طيلة 23 سنة، تبدأ منذ ذهابه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة السينما إلى حدود الأمس القريب. يزاوج فيه بين الذاتي الحميمي وبين محيطه الأسري خاصة علاقته بوالديه التي تختلف من الأب عن الأم، وكذا أفراد أسرته، أخواته وأولادهن، ثم طفلته.
ويجعل من أعماله السينمائية السابقة (الوثائقية وطبعا فيلمه الروائي “خيط الروح”) خلفية داعمة للحياة، لتصبح تلك المشاهد جزء من الحياة نفسها والحياة كمرجع سينمائي. فهما معا يشكلان ضفتيْ ذاته الشخصية حتى تندمج الذات بالسينما وهذه الأخيرة بذاته. لا يمكن الفصل بينهما في فيلمه هذا.
![]() |
من ملصقات الافلام المشاركة.. |
كما يؤكد المخرج – بفيلمه – على اختياراته السينمائية في الوثائقي. وأنه ليس مجرد “موثق” لصور أو لحظات إنسانية فقط، وإنما يلتزم بمعالجتها بالإبداع الذي تتطلبه اللغة السينمائية خاصة عند تناوله للوثائقي، سواء بالصورة المرئية أو بالأصوات.
تميز فيلم “أشلاء” بقوة توضيبه (المونطاج) لكون الانتقال من الذات إلى ذوات أخرى (أفراد الأسرة كبارا وصغارا) واستحضار مشاهد ولقطات من أفلام سابقة يتطلب وعيا حقيقيا بالأهداف وصياغة عناصر مكوناتها حتى تكون منطقية في بنائها رغم أنها مجرد أجزاء (أو أشلاء متناثرة كما فضل تسميتها في عنوان الفيلم) .
إن نجاح الفيلم يكمن، بالضبط، في التوضيب الذي كان جليا مع صعوبة جمع “أشلاء” من حياة تمتد أكثر من عقدين خاصة حين تتعلق بحياة المخرج نفسه كعمود فقري لهذا العمل الفني.
لم تكن الكتابة السينمائية، المعتمدة على المونطاج، تقليدية بقدر ما بحث في صيغة تتماشى مع رغبته للتعريف بنفسه سينمائيا. فالفيلم هو سيرة ذاتية، أو جزء منها، تحمل نظرته للعالم من حوله: القريب (العائلة/الأسرة) أو البعيد (المجتمع العام والمهمش) بخلفية سينمائية.
“أرضي”، هو فيلم وثائقي آخر شارك في المسابقة الرسمية، من إخراج نبيل عيوش الذي حصل على جائزتين (الموسيقى والمونطاج)، والذي يبحث فيه عن هويته من خلال المقابلة الافتراضية بين الفلسطينيين حول التاريخ والأرض أساسا. وبذلك يكون قد ارتفع عدد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية هذه السنة إلى فيلمين، كلاهما أثارا نقاشا بين المتتبعين من المحترفين وغيرهم.
• ثورة … الشباب السينمائية
أما الأفلام الروائية التي حازت على الجوائز فجلها من إخراج الشباب، في أول تجارب لهم في الفيلم الروائي الطويل، (سلمى بركاش، مريم بكير،طلال السلهامي، هشام العسري، محمد أشاور، نسيم عباسي) فيما خرجت جل أفلام المخرجين القدامى بلا شيء (عبد الله المصباحي، سعد الشرايبي، داوود أولاد السيد، إدريس المريني، سعيد الناصري، مصطفى الخياط، عبد المجيد رشيش) باستثناء المخرج عبد الحي العراقي.
وعرفت الدورة 12 مشاركة ثلاثة أفلام أمازيغية التي لم تنل ولو تنويها ما نظرا لضعفها السينمائي الكبير، وهي “خمم” للممثل عبد الله فركوس الذي انتقل إلى الإخراج بفيلمه هذا وكذا محمد مرنيش بفيلمه “واك واك أتايري” وهو المخرج الذي له رصيدا لا بأس به من الأفلام الأمازيغية. فضلا عن المخرج جمال بلمجدوب الذي جرب هذه المرة الفيلم التاريخي بالأمازيغية بعنوان “ميغيس”، كل هذه الأفلام لم تحظ بأية إلتفاتة على الإطلاق لكونها ضعيفة أكثر من اللازم.
إذن، من بين 19 فيلما طويلا في المسابقة حظيت 9 منها بالجوائز موزعة على الشكل التالي:
الجائزة الكبرى، كما سلف القول أعلاه، كانت من نصيب الفيلم الوثائقي “أشلاء” للمخرج حكيم بلعباس
جائزة لجنة التحكيم الخاصة ذهبت إلى المخرج هشام العسري عن فيلمه “النهاية” وهو أول فيلم روائي طويل له بعد سلسلة من الأفلام القصيرة والتلفزيونية وفن الفيديو.
جائزة العمل الأول وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج محمد أشاور بعنوان “…فيلم” الذي اشتغل كثيرا كمساعد مخرج وأخرج بعض الأعمال التلفزيونية. كما حصل الفيلم أيضا على جائزة أفضل دور ثاني رجالي للممثل فهد بنشمسي.
جائزة السيناريو حصل عليها نسيم عباسي عن الفيلم الذي أخرجه أيضا وهو “ماجد”، وحصل الطفلين اللذين أديا الدورين الرئيسيين في الفيلم على تنويه من لجنة التحكيم.
أحسن دور نسائي فازت به الممثلة مريم الراوي عن دورها في فيلم “أيام الوهم” للمخرج طلال السلهامي وحصل نفس الفيلم أيضا على جائزة التصوير لمحمد سلام
أحسن دور رجالي كان من نصيب الممثل عمر لطفي عن دوره في فيلم “جناح الهوى” للمخرج عبد الحي العراقي.
أما أفضل دور ثاني نسائي فقد ذهب إلى الممثلة نفيسة بنشهيدة عن دورها في فيلم “أكادير بومباي” للمخرجة مريم بكير.
أفضل صوت كان من نصيب فوزي ثابت (وهو تونسي) عن فيلم “الوتر الخامس” للمخرجة سلمى بركاش وهو أول فيلم لها بعد عدد من الأفلام القصيرة واشتغالها كمساعدة في الإخراج وكذا سكريبت في كثير من الأفلام، كما نوهت لجنة التحكيم أيضا بالفيلم.
![]() |
من مناشط المهرجان المخرج حكيم بلعباس |
نذكر أن لجنة التحكيم الرسمية للفيلم الروائي الطويل ترأسها الأستاذ أحمد الغزالي، رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالمغرب، وهو أحد مؤسسي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية التي جمعت في صفها جميع الأندية النشيطة بالمغرب في السبعينات وامتدت إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكانت من أقوى الأندية في القارة الإفريقية والعربية حيث كانت مدرسة سينمائية لعشاق فنون السينما بالمغرب.
كان بجانب أحمد الغزالي في اللجنة كل من المنتجة الإنجليزية دونيز أوديل والمخرج الغيني ماما كيطا والمخرجة اللبنانية ديما الجندي والمنتجة الفرنسية ماري بيير ماسيا والمنتجة الألمانية باربيل موخ والناقد السينمائي المغربي المختار أيت عمر الذي تحمل مسؤولية الكتابة العامة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية في أوائل الثمانينات قبل أن يحل محل الأستاذ نور الدين الصايل (المدير العام الحالي للمركز السينمائي المغربي ومؤسس جامعة الأندية) في مسؤولية رئاستها.
• “حياة قصيرة” … بروح كبيرة
في فقرة الأفلام القصيرة، تم تكريس فيلم “حياة قصيرة” للمخرج عادل الفاضلي بالجائزة الكبرى والتي كانت مُنتظرة بعد حصوله عليها قبل ثلاثة أشهر فقط من المهرجان الفيلم القصير لأقطار حوض المتوسط الذي تحتضنه مدينة طنجة سنويا. يحظى الفيلم بالإجماع، وهو ما عبر عنه صراحة في كلمته رئيس لجنة التحكيم الخاصة بالفيلم القصير المخرج المغربي محمد مفتكر. تكونت اللجنة من الصحفية السينمائية اللبنانية هدى إبراهيم والممثلة المغربية سليمة بنمومن والناقدين السينمائيين المصري أحمد عاطف والمغربي محمد بلفقيه.
جائزة أخرى حصل عليها إجماع من لدن هذه اللجنة وهو فيلم جميل جدا “القرقوبي” للمخرج الشاب قيس زينون، إبن المخرج المغربي والفنان مهندس الرقص لحسن زينون، فيما ذهبت جائزة السيناريو إلى مراد الخوضي عن فيلم “منحوتة” الذي أخرجه يونس الركاب إبن المخرج الراحل الكبير محمد الركاب الذي طبع السينما المغربية ببصمات خالدة. كما نوهت اللجنة بفيلم “باسم والدي” للمخرج عبد الإله زيراط.
ونشير إلى أن القيمة المالية للجوائز قد عرفت ارتفاعا هذه السنة بنسبة مهمة. وأن ارتفاع عدد الأفلام المشاركة يرجع لكون لجنة الدعم السينمائي حول التسبيق تنعقد ثلاث مرات في السنة، وهو ما أهل مجموعة من الأفلام أن ترى النور في السنة ذاتها. وكان بالإمكان أن يكون عدد الأفلام المشاركة أكثر لو كان المغرب يتوفر على مختبرات سينمائية كثيرة لتقليل من الضغط على مختبرات المركز السينمائي المغربي.
بدأ يعرف المهرجان الوطني للفيلم إقبالا جماهيريا واسعا منذ استقراره بمدينة طنجة وكذا استقراره في الزمن أيضا، الذي يصادف العطلة المدرسية، فبدأ يطرح إشكالا كبيرا بحكم أن قاعة المهرجان “سينما الروكسي” لم تعد تستوعب الجمهور علما أن جميع الأفلام يتم إعادة عرضها بالخزانة السينمائية بطنجة التي عرفت بدورها إقبالا لا نظير له وبذلك فهي دعمت المهرجان وعروضه بالتخفيف من ضغط الجمهور على القاعة الرسمية وفسح المجال لمشاهدة الأفلام لمن لم يتمكن منها في القاعة الرسمية من المدعوين أو إعادة مشاهدة بعضها خاصة الأفلام التي أثارت النقاش حولها.
وعليه، فإن المؤسسات الحكومية الرسمية والمُنتخبة بالمدينة مُطالبة بتشييد مركب سينمائي وثقافي يكون في مستوى هذه التظاهرة الوطنية التي يلتف حولها جميع المرتبطين بالسينما المغربية من المغاربة والأجانب الذين تابعوا هذه الدورة باهتمام كبير.
وتجدر الإشارة أن مدينة طنجة تحتضن أيضا مهرجانا مهما المتخصص في الأفلام القصيرة لأقطار حوض المتوسط وتظاهرات ثقافية وعلمية وفنية طيلة السنة وهو ما يفرض على الجهات المحلية والجهوية والوطنية أخذ الاقتراح محل الجد حتى تكتمل البنية التحتية للمدينة بعد بداية العمل في ميناء المتوسط كأكبر ميناء إلى جانب المناطق الصناعية الضخمة والحرة منها وكذا أحد الملاعب المهمة في المنطقة الذي سيفتتح قريبا. فهل لا تستحق المدينة في هذه الصورة بمركب ثقافي في مستوى تاريخها القديم والحديث والجديد؟.