السينما العراقية من عهد الى عهد”2″
محمد رُضا
من نظام قضى عليها إلى نظام لا يهتم بها
قبل أكثر من عام استقبل فيلم محمد الدرّاجي الجديد “إبن بابل” بترحاب كبير خلال عروضه التي تمّت على شاشات مهرجان الشرق الأوسط في أبوظبي العام 2010. وهو وإن وُصف بحسناته في الكثير من المقالات التي كُتبت حوله من خلال عروضه في العديد من المهرجانات، الا أن لجان التحكيم الرسمية لم تأخذ به ولم تمنحه أي جائزة نعلم بها0
وهذه ليست المرّة الأولى التي يستقبل فيها فيلم لهذا المخرج العراقي الشاب بالترحيب، فقد سبق وأن ساند عمله الأول، “أحلام”، لفيف من النقاد السينمائيين كما أثار اهتمام الجمهور حين عُرض في مهرجاني القاهرة ودبي على التوالي قبل ثلاث سنوات. هذا رغم أن عدداً آخر من النقاد آنذاك أعاب على الفيلم هجومه على نظام صدّام حسين الغابر لما فعله بالعراق، ولم يهاجم الإحتلال الأميركي وما فعله في العراق مع أن أحداث الفيلم، تمتد بين الفترتين منطلقة من سنوات الحرب العراقية الإيرانية الى مطلع الهجوم الأميركي على البلاد سنة 2003
الفيلم الجديد، من هذه الناحية، وحسب ما كُتب عنه، لا يزال يبحث في الماضي: إنه حول امرأة كردية مسنّة لا تتكلّم العربية تقوم برحلة مع حفيدها الصغير بعدما سمعت عن اكتشاف مقبرة جماعية لعلّها تجد عظام أبنها. بالتالي، لا يوجد كلام حول الحاضر او حول الوضع الناشئ عن تعزيز الكينونات العنصرية والطائفية. ليس أن هذا واجب كل فيلم بالضرورة، لكنها قد تكون ملاحظة إضافية لمن وجد الفيلم السابق يؤيد طرفاً من المتضررين علاوة على طرف آخر0
ومع أن المخرج الدرّاجي نفى أنه عاين موضوع فيلمه الجديد طائفياً متحدّثاً عن نكبة فريق مُعيّن من العراقيين ضد آخر، إلا أن “أحلام” فعل ذلك، وهو أمر ربما يكون المخرج قد تحاشاه بنجاح هذه المرّة مانحاً السينما العراقية فيلماً أفضل شأناً من عمله السابق- كما توحي المقالات المنشورة عنه الى الآن0
نقد النظام السابق
في أي حال، فإن “إبن بابل” هو واحد من عدد متزايد من الأفلام العراقية (روائية ووثائقية) التي يتم تحقيقها في السنوات الخمس الأخيرة، وفي البال- وعلى نحو طبيعي- نقد نظام صدّام حسين والحديث عن الوضعين السابق (في الأساس) والحالي إذا ما سنحت الفرصة لذلك.
لكن المرء لا يزال لا يجد تحليلاً سياسياً في معظم ما هو مطروح. وحين يحقق فيلم “أبن بابل” وقبله “أحلام” مثل هذه السعة من العروض، فإن المسؤولية أكبر حيال مسألة ما الفارق بين النظامين ولماذا النظام السابق وحده مذموماً كما لو أن الحالي لبّى طلبات شعبه او- على الأقل- اهتم بصناعة السينما ومنحها حرية التعبير التي تستحق0
من الأفلام الناقدة لعهد صدّام، على سمير المثال، “دموع بيخال” للَوَند عمر، و”الكيلومتر زيرو” لهاينر سليم و”فجر العالم” لعبّاس فاضل و”غير صالح للعرض”لعدي رشيد و”ماذا أحكي بعد” لماجد جابر، الذي سبق فيلم الدراجي الجديد في حديثه عن المقابر الجماعية التي دُفن فيها مئات ألوف العراقيين، حسبما ما يتردد0
كذلك هناك فيلم “زمان رجل القصب” لعامر علوان، الذي هو أوّل فيلم روائي عراقي تم تصويره مباشرة بعد سقوط النظام السابق0
على أن اللافت في هذا المجال هو أن الاهتمام بالإنتاج العراقي جيّد الى الساعة يكاد يذكّر ببداية الاهتمام بالسينما الفلسطينية الجديدة (أي من بعد فترة أفلام المقاومة في السبعينات) او حتى ببداية الاهتمام بالسينما الإيرانية إثر ما سُمّي هناك بـ »الثورة الإسلامية«. وهذا ليس غريباً على اعتبار أن العراق يحتل، نسبة لكل الأحداث العاصفة التي وقعت له وفيه وعليه، اهتماماً كبيراً ومتعدد الأوجه في العالمين العربي والدولي0
على ذلك، وحتى مع وجود هذه الأفلام وسواها على الصعيد الوثائقي ايضاً، فإنه من المهم البحث عما إذا ما كانت هناك سينما عراقية بالفعل او أن التسمية تشبه رداءاً كبيراً فوق جسد صغير. بكلمات أخرى، ما إذا كانت الأفلام العراقية المنتجة (بمعدل فيلم روائي طويل وفيلم وثائقي كل عام الى عام ونصف) تكفي لمنح التسمية شروطها؟ هل هناك سينما حقاً في ذلك البلد المنكوب؟ وهل يمكن أن تصبح هناك سينما حقيقية؟.
![]() |
صدام حسين ولقطة من فيلم أحلام …. |
التمثيل في فيلم الدراجي الأول، “أحلام” أفضل إلى حد، لكن مشاكله مختلفة. إنه نوع من تصفية حسابات عاطفية بين المخرج محمد الدراجي وبين النظام السابق مملوءة بوصف الحالات الإنسانية البكائية والبائسة عوض أن ينجلي عن معالجة ترتفع بفضل تحليل او تبعاً لنظرة شاملة لو توفّرت لاعتبرت أن كل العراقيين كانوا ضحايا النظام السابق وليس طائفة واحدة منهم يقدّمها الفيلم بتخصص ملحوظ0
أحلام،? ?بطلة الفيلم? (أصيل ?عادل?) ?فتاة مثقّفة تحب الرجل الذي? ?سيتزوّجها،? ?وأسمه أحمد? (مرتضى ?سعدي?) ?وعلى وشك الزواج به?. ?علي (محمد هاشم) ? ?هو جندي? ?طيّب العشرة? ?يتوجه مع رفيقه حسن في? ?السلاح (كحيل خالد) الى الجبهة?. ?وكلاهما? – ?أحلام وعلي? ?اللذان لم? ?يلتقيا من قبل?- ?لا? ?يستحقّان ما سيحدث لهما فيما بعد?. ?في? ?يوم عرسها? ?يقتحم مسلحو? ?حزب البعث ويلقون القبض على عريسها ويتركونها مصدومة?. ?مصدومة لدرجة إنها لم تعد نافعة لشيء باستثناء وضعها في? ?المصحّة النفسية?. ?على الجانب الآخر،? ?توقف الشرطة العسكرية الحافلة التي? ?يستقلها علي? ?وحسن ويبدآن بسحب اولئك المتخلفين او الذين لا أوراق صحيحة عندهم او أن أذونات تركهم الخدمة? ?غير صالحة?. ?مشهد? ?يريد أن? ?يسجّل قسوة النظام على جنوده ويحقق الغاية المرجوّة منه بحدود?. ?بعد ذلك،? ?وفي? ?عتمة الليل تدك الطائرات الأميركية موقع الكتيبة التي? ?انضم إليها علي? ?وحسن فتقتل جميع من فيها باستثناء?… ?علي? ?وحسن?. ?والأول? ?يقرر حمل الثاني? ?بحثاً? ?عن أي? ?موقع? ?يستطيع فيه إنقاذ حياة صديقه المجروح?. ?في? ?اليوم التالي،? ?وبعد كثير من مشاهد الوقوع والنهوض ثم الوقوع مجدداً،? ?تلتقط دورية عسكرية الرجلين وتقضي? ?بأنهما كانا? ?يحاولان الهرب.بذلك? ?يتوجه بهما الفيلم الى ذات المصحة الذي? ?سرعان ما تقضّه الطائرات الأميركية وتحوّله الى ركام?.
لكن ثلاثة او أربعة او حتى خمسة أفلام عراقية لا تستطيع أن تصنع سينما. في أفضل الحالات هي أفلام تُضاف الى ما سبق من أفلام لتكوّن تاريخ السينما في العراق. لكنه طموح مشروع لكل سينمائي يعمل حالياً هناك خصوصاً في مثل هذه الظروف بالذات وفي ظل غياب الدولة الكامل عن مد يد العون الى السينما لا كفن ولا كحالة ثقافية ولا حتى في النطاق الصناعي. والواقع الحالي هو أن الفيلم العراقي يتوجّه الى اوروبا بحثاً عن التمويل المطلوب لأنه لا يجده في العراق. هذا وحده يشكّل علامة استفهام لسؤال حول المستقبل لا نعتقد أن السينما في العراق ستستطيع المضي طويلاً قبل طرحه0