هل سيرحل الطغاة ويبقى الفيس بوك ؟

«سيرحل الطغاة من الشرق الأوسط، ويبقى فيس بوك». يقول شمعون بيريز، رئيس دولة إسرائيل. وهذا الرجل التسعيني، ذو الملامح الذئبية، والذي طالما أطعم نفسه «جوزاً فارغاً»، منذ أن طرح كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، مطالع تسعينيات القرن العشرين، متكئاً على ما آلت إليه أحوال المنطقة، إثر حماقة «احتلال الكويت»، ونتائج «حرب الخليج الثانية»، الكارثية، يبدو أنه لم يتعظ من أيّ درس، وأنه لا يرى من الكأس، إلا النصف التي يريد.

يتحدث الرئيس الإسرائيلي بيريز إلى الإذاعة الإسرائيلية العامة، على ما نقلت المصادر، فيرى «أن الانتفاضات التي اندلعت في الشرق الأوسط تدلّ على نهاية الأنظمة الديكتاتورية». ويضيف بالقول «الواضح الآن هو أنه لم يعد بامكان أي ديكتاتور أن يكون مطمئناً في الشرق الأوسط. هم راحلون، وفيسبوك باق»، وبالتالي «يتعين على الطغاة، من الآن فصاعداً أن يجيبوا على ما يراه العالم على الشاشات، من الفقر والقمع والفساد.. لقد بات كل شيء اليوم شفافاً إلى حدّ أنه لم يعد أمام الطغاة أي مكان يختبئون فيه».

وبيريز، المحتفي بثورات «فيس بوك»، والمبشّر ببقاء هذه الشبكة، حتى بعد رحيل «الطغاة»، يتناسى، متعمداً دون شك، أنه إن كان ثمة من مسار لعملية «نهاية الأنظمة الديكتاتورية»، فإنما لتفتح الباب مشرعاً أمام أسئلة التاريخ حول شرعية، أو مشروعية، بقاء «الاحتلال». تماماً كما يتناسى، متعمداً أيضاً، أنه إن كان ثمة من حليف للاحتلال، في المنطقة، فما هو إلا «الأنظمة الدكتاتورية» ذاتها.

كأنما لم تعد القوى، أو الفصائل، أو الأحزاب، مكمن الخطر، ومنبعه. ولا عادت «الأنظمة الثورية»، ما يثير الحفيظة، ويفوّر الريبة. فهذا زمن المعلومات، لا الاستعلامات. زمن الاتصالات، لا التنصتات. وإذا كان السيد بيريز يحتفي ببقاء «فيس بوك»، فعليه أن يدرك أن هذه لم توجد أصلاً من أجل «دحر الطغاة». لقد وُجدت «فيس بوك»، شبكةً للتواصل الاجتماعي، يتخلَّص صانعها، كما مُستعملها، من حالة العزلة التي كان يعانيها، ويتجاوز حالة الصدود التي كان يواجهها.

الاختراع العربي، تمثَّل في أن نفراً من الشباب الغاضب من «ديكتاتورياته التي بدت سرمدية»، استطاع تحويل هذا الإنجاز التقني، من مجاله الافتراضي إلى ميدانه الواقعي، فكانت ثورة تونس الخضراء، وثورة «25 يناير» المصرية، ذروة هذا الفعل وسنامه، وأثبتت بجلاء لم يعد ثمة من مجال للشك فيه، أن «فيس بوك»، وطرازها، من شبكات التواصل، يمكن أن تكون فاتحة «التغيير»، الذي تترصَّده المنطقة، وتأمله، منذ عقود، عنوانها «النكبة».

«الطغاة»، حلفاء «المحتل». أسرّوا أم أعلنوا، لا فرق. وهم جميعاً مؤسسو جذر «الفقر، والقمع، والفساد»، ورعاته.. به يعتاشون، وعليه يترعرعون. يبقون ما بقي، ويبقى ما بقوا. وإن كان أوان «الطغاة»، قد أزف على أيدي شباب شبكة «فيس بوك»، وأخواتها.. فلا شك أن موعداً ينتظر «المحتل»، فمنطقة خالية من «الديكتاتوريات»، لن تطيق بقاء «المحتل». وعلى السيد بيريز أن يفهم هذا. تماماً. 


إعلان