“غير شرعي”.. أمّ تواجه كوابيس الترحيل إلى الوطن في المهجر الأوروبي
مع فيلم “غير شرعي” (Illégal) للمخرج البلجيكي “أوليفر ماسيه- ديباس” الذي عُرض في صالات أوروبية منتخبة في عام 2011، يمكن القول إن مجموعة الأفلام الأوروبية التي تتعرض لموضوع اللاجئين في أوروبا، وعُرضت في السنوات العشر الماضية، قد غطت كثيرا من الرحلات الفعلية والنفسية لأبطالها من المهاجرين لأسباب سياسية واقتصادية، قاصدين بطرق غير شرعية دولا أوروبية مختلفة.
حتى إن قصص الأفلام -التي أنتجت في دول وأزمان مختلفة- تبدو كأنها قطعت مسارا يشبه ذلك، يقطعه معظم الهاربين من حروب أو أنظمة متسلطة للوصول إلى أوروبا، وتنتهي نهايات مفجعة كالتي تنتظر بعض اللاجئين.
رحلة الهجرة.. فيلم يبدأ المسيرة من الموطن الأصلي
فيلم “في هذا العالم” (In This World) للإنجليزي “مايكل وينتربوتوم” (2002)، يذهب إلى الأوطان الأصلية، ويصور بدايات رحلة الهروب، ويرافق طفلين أفغانيين من مخيم اللاجئين في باكستان في رحلة برية شاسعة إلى بريطانيا.
أما فيلم “مرحبا” (Welcome) للفرنسي “فيليب ليوريه” (2009) وفيلم “الغد” (Morgen) للروماني “ماريان كريسان” (2010) فهما يبقيان مع رحلة الهرب ذاتها، لكن في قسمها الأوروبي هذه المرة، ومحاولات لاجئيْن من العراق وتركيا للوصول إلى الدول التي خططا لها، وذلك لأسباب عائلية للكردي التركي في فيلم “مورغين” (الالتحاق بولده في ألمانيا)، وأخرى عاطفية للعراقي الكردي الشاب في فيلم “مرحبا” (البحث عن فتاته الكردية التي تعيش في لندن).
أما فيلم “غير شرعي” فيمكن وصفه بأنه عن خاتمة تلك الرحلة لمجموعة من اللاجئين الذين ترفض البلدان الأوروبية استقبالهم، ليجبروا على العودة إلى بلدانهم التي قدموا منها.
كوابيس سجن الترحيل.. صراع لاجئة مع النظام القضائي
على خلاف الأفلام المذكورة السابقة التي تتميز بأبطالها الرجال، تذهب بطولة فيلم “غير شرعي” إلى شخصية نسائية قادمة بعيدا عن الشرق الأوسط، لكن الشرقيين والمسلمين لم يغيبوا أبدا عن الفيلم البلجيكي، فهم كومبارس أغلب المشاهد العامة.

ففي سجن الترحيل مثلا، ينتظرون بألبستهم التقليدية ولهجاتهم الشرقية في صفوف لاستعمال الهاتف العام هناك، ويصلون الجماعة في غرفة صغيرة في السجن. وهم الفقراء -زملاء بطلة الفيلم- في أعمال التنظيف في العاصمة البلجيكية بروكسل التي كانت تعيش فيها بشكل غير قانوني، قبل إلقاء القبض عليها.
كما أن الدراما في فيلم “غير شرعي” تختلف أيضا عن الأفلام السابقة، إذ تتجه لتكون صراعا طويلا بين البطلة وبين النظام القضائي للدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي، ثم -بشكل أقل- بين اللاجئين الآخرين في الفيلم.
ولا مواجهات أو تقاطعات حقيقية بين أبطال فيلم “غير شرعي” وأوروبيين عاديين، كتلك التي حفل بها فيلما “الغد” الروماني و”مرحبا” الفرنسي. فالكابوس المهيمن على شخصيات هذا الفيلم هي مجموعة القوانين الأوروبية المتشددة والذكية لتحديد حركة اللاجئين، ومنعهم من طلب اللجوء في بلد أوروبي إذا ما رفض طلبهم في بلد أوروبي آخر.
حرق الأصابع.. خدعة للاحتيال على السجل القضائي
قبل أن تصل البطلة إلى سجن مدينة بروكسل، كانت قد مرت بدول أوروبية عدة رفضت قبول طلب لجوئها، وهو الذي يفسر المشهد الافتتاحي القاسي في الفيلم، عندما تقوم البطلة بحرق أصابعها بمكواة حارة، من أجل تشويه بصمات الأصابع، ليصعب أمر اكتشاف سجلها القضائي في دول سابقة.
لكن هذه البطلة القادمة من روسيا البيضاء، والتي تشبه ملامحها الأوروبيين تقع في قبضة الشرطة أخيرا، وتقضي معظم وقت الفيلم في السجن المخصص للمهاجرين غير الشرعيين الذين ينتظرون قرار إرجاعهم إلى دولهم الأصلية.
وفي السجن نتعرف أيضا على قصص أخرى يمر عليها الفيلم بعجالة، منها قصة السيدة الأرجنتينية التي تطاردها كوابيس الدكتاتور الأخير لبلادها، وتلك الصومالية التي لم يحتج الفيلم لتفسير وجودها هنا.
نقد القوانين.. مبالغات تلامس دعاية أحزاب اليسار
ويتشبث الفيلم بالمعالجة الإنسانية لموضوعة اللاجئين، وعدم البحث في جدية وشرعية القوانين التي أصدرتها دول أوروبية ديمقراطية لتحديد أعداد القادمين لأسباب سياسية أو اقتصادية إليها، الأمر الذي أحال السياق الدرامي المتين إلى ما يشبه الوثيقة الدعائية أحيانا، وهي تشبه تلك التي تصدرها أحزاب الخضر واليسار الأوروبية.

فالفيلم يهاجم بشدة الشرطة البلجيكية، حتى أن الشرطية الوحيدة التي تظهر بعض التعاطف مع السجينات، تترك عملها بمشهد مبالغ في عاطفيته، بعد حادث انتحار إحدى اللاجئات.
كذلك يقدم الفيلم مشاهد تعذيب تقترفها الشرطة هناك ضد اللاجئين، وهي مشاهد تقترب من أساليب الدول التي هرب منها معظم شخصيات الفيلم.
“آن كوسينس”.. أداء عميق يصنع قوة المشاهد الفيلمية
يرتكز الفيلم كثيرا على الأداء القوي للممثلة “آن كوسينس” التي لعبت دور “زينا”، وكانت معلمة اللغة الفرنسية في روسيا البيضاء، لكنها هربت من بلدها مع ابنها، لأسباب غير واضحة.
فرغم أن عالم المرأة والأم ينهار بقسوة معذبة مبكرا في الفيلم، فإن الأداء المقتصد والعميق للممثلة يمنح عددا من مشاهد الفيلم قوة غير متوقعة، رغم القنوط الذي يغلفها، خاصة في مشاهد الاتصالات الهاتفية التي كانت تجريها الأم مع الابن خارج السجن، وانكشاف عجزها عن حمايته مما ينتظره في مدينة يعيش بصورة غير شرعية فيها، وكذلك المشاهد التي تراقب فيها ما يجري حولها في السجن، وما تتضمنه من مشاعر تتأرجح بين اليأس وعدم التصديق والحزن الكبير.