مولود سينمائي آخر في سوريا

المهرجان الأول لأفلام التحريك
يامن محمد

بعد أن أصبح  هناك مهرجان متخصص يقدم الأفلام الوثائقية في سورية (دوكس بوكس) ثبَّت أركانه بمعونة زواره وجمهوره على مدى أربع سنوات حتى الآن.. ها هوَ مهرجان آخر يبدأ في دورته الأولى وتخصصه نوع جديد لا يقل جذباً في وقتنا الراهن عن الجذب الذي باتت الأفلام التسجيلية تحققه للكثير من الطاقات السوريّةٍ، الشابة على وجه الخصوص… سينمائيين محترفين كانوا أو ساعين إلى الاحتراف، أو جمهور شغوف بالجديد وبالرغبة الجامحة بما يمثله الطقس السينمائي…

وخصوصاً بما يتعلق بالمهرجانات.. والتهافت على حضور فعالياتها..
إذاً بدأ المهرجان الأول لأفلام التحريك في الثالث من نيسان واستمر حتى الثالث عشر منه منطلقاً نحو ثلاث مدن رئيسية: دمشق وحلب واللاذقية بالتعاون مع مهرجان آنسي الدولي لأفلام التحريك وقد عرضت أيضاً أفضل أفلام ذلك المهرجان للعام 2009 من ضمن فعاليات مهرجان سورية لأفلام التحريك… بالإضافة إلى ورشات تدريب ومعارض بوستارات ونماذج.

طقس السينما علامة هامة في سوريا اليوم
على ما يبدو أصبحت السينما علامة هامة بشكل عام في هذا البلد، تدل على عنفوان الشباب الطامح إلى المدنية بكل معانيها.. فبرغم الوضع القلق الذي تعيشه البلاد إلا أن الإقبال من قبل الشباب المثقف على وجه الخصوص كان ملفتاً كفعل إضافي… كما كانت الأفلام والفعاليات ملفتة أيضاً.. فأفلام التحريك والأنيميشن المعروضة كانت من العيار الثقيل “وهي ليست خارج الإطار بالمرة” وأهمها على الإطلاق الفيلم الأرجنتيني الحائز على جائزة “فيبريشي” الذي انتشر انتشاراً واسعاً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية، خصوصاً هذه الأيام… فيلم “العمل”، أو الوظيفة Elempleo و هو فيلم قصير بدون حوار رسم على الورق باستخدام تقنيات الكومبيوتر ثنائي الأبعاد من إخراج سانتياغو غراسو Santiago GRASSO . الفيلم ذو الإيقاع الهادئ والرصين يبدأ معنا منذ استيقاظ الرجل بطل الفيلم على رنين المنبه.. ومنذ اللحظات الأولى نراه يستخدم بقية الشخصيات كأشياء؛ الطاولة الصغيرة هي شخص راكع، أحد أفراد أسرته.. والكرسي طفل آخر.. والزوجة علاقة ثياب وفي فمها عُلق مفتاح الباب… في الشارع ينقلنا الفيلم إلى مستوى آخر أكثر عمومية… وبتهكم عالي المستوى نرى وسائل النقل عبارة عن أشخاص يمتطيهم أشخاص (عاملون، أو موظفون) وإشارات المرور أشخاص أيضاً معلقون على الأعمدة يظهرون ألوان ثيابهم الحمراء والخضراء حسب التوقيت.. تفاصيل كثيرة أخرى في مبنى الوظيفة… وفي النهاية يتبين أن هذا الرجل “مستخدِم الأشياء” ما هو إلا شيءٌ يُستخدَم.. عندما يصل إلى غرفة رئيسه في العمل ينبطح على الأرضية

فيلم الوظيفة ELempleo

أمام الباب بصمت.. ليأتي الرئيس ويستخدمه كممسحة لحذائه لا أكثر… فيلم موجع أثار تصفيقاً في صالة المركز الثقافي الفرنسي في دمشق مكان المهرجان المركزي.
هناك أفلام أضحكت.. وأفلام “رفهت” ولكن جميعها -بشكل عام- لم تنقصها السوية المطلوبة والحساسية العالية بالسينمائي فيها. كفيلم “أوركسترا” الياباني للمخرج يوتارو أوغاوا Yutaro OGAWA وهو فيلم بدون حوار بتقنية رسم على الورق ثنائي الأبعاد… يحاكي بالصورة والإيحاء المقطوعة الموسيقية المرافقة… والأكثر تميزاً في هذا المجال كان الفيلم الفرنسي “مدغشقر، كراس سفر” Madagascar, carnet de voyage الحائز على جائزة كانال بلوس للمساعدة على الإبداع من إخراج باستيان دوبوا… هو فيلم بتقنية رسم على الورق وتحريك أغراض وكومبيوتر ثلاثي الأبعاد. يعيد الفيلم رسم مسار مسافر غربي تواجهه عادات مدغشقر عبر تكوينات وتشكيلات تولد انطباعات عميقة لدى المتلقي تبرز كم العمل العظيم الذي بذله الطاقم الفني لجعل كل صورة ولقطة لوحات فنية تتوالد من بعضها وتسبح في خيالنا كما يسبح خيالنا فيها.
ولكن يبقى التنويه المطلوب، أن أهم ما يمكن أن يميز هذا المهرجان على عكس المهرجانات الأخرى في سورية، هو الكم الكبير نسبياً من الأفلام السورية المشاركة وإن كانت تمثل أحياناً تجارب أولى لأصحابها… إلا أنها أيضاً وبشكل عام حققت سوية جيدة مفاجئة لهذا النوع الصعب من الأفلام والذي يحتاج متطلبات أساسية للإنتاج لا يمكن أن تتحقق دون دعم رسمي أو شركات كبرى تعنى بالإنتاج فكان –مثلاً- فيلم “خيط الحياة” لرزام حجازي بإنتاج مشترك للمؤسسة العامة للسينما وتايجر برودوكشون… ولحسن حظ صناع الأنيميشن الجدد في سوريا أن أنتجت الأمانة العامة لاحتفالية دمشق2008 عشرات الأفلام القصيرة قبل سنوات والتي كانت زاداً كبيراً لمهرجان أفلام التحريك في دورته الأولى… ولا يسع المرء أخيراً إلا التساؤل حول مصير المشاركة السورية في الدورة الثانية منه دون احتفالية جديدة لدمشق كعاصمة للثقافة العربية!


إعلان