“أيام الوثائقي” في تونس
تظاهرة جديدة تتحسس طريقها بعد ثورة الياسمين
بدت قاعة سينما “أفريكا آرت” وسط تونس العاصمة خالية إلا من مخرجين شبان وتونسيين يهتمون بشؤون الوثائقي، جاؤوا لمواكبة النواة الأولى من “أيام الوثائقي”.أما جمهور السينما الذين تعودنا متابعته لمثل هذه التظاهرات فهو منشغل بما بعد ثورة 14 يناير التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي .
“أيام الوثائقي” عنوان تظاهرة سينمائية جديدة نظمها المخرج التونسي هشام بن عمار من 9 إلى 11 أبريل الجاري. تظاهرة تطمح لزرع ثقافة الانتاج الوثائقي و التركيز على هذا النوع من الفن لما له من قيمة كبيرة تنقل واقع المجتمعات و ترصد تفاصيل حياة الناس .
لم يبد على المخرج التونسي هشام بن عمار باعث هذه الأيام أي انزعاج من خواء القاعة وقلة المتابعين ل”أيام الوثائقي” فهو يدرك أن الوضع الأمني في تونس مازال يعيق عشاق الفن من العودة إلى القاعات و متابعة الجديد. لذلك أراد بن عمار أن تكون هذه المبادرة بمثابة ضخ الروح في المشهد الثقافي وعودة التونسي لقاعات السينما.
صراع الديني و العلماني في “ايام الوثائقي”
تضمن برنامج “أيام الوثائقي” عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية حيث كانت الانطلاقة يوم 9 أبريل الجاري بتقديم فيلم ” ظلال” و هو من إخراج مصطفى الحسناوي وماريان خوري. يتحدث الفيلم عن رجال و نساء أوصلتهم محن و هموم غير بعيدة عن الواقع المعيش إلى عوالم المستشفيات النفسية بالقاهرة. مرضى نفسيين بدوا كأنهم امتداد لحالة من الجنون القائمة داخل المجتمع المصري.
بالتوازي مع ذلك نال فيلم المخرجة كوثر بن هنية “الأئمة في المدرسة ” إعجاب المشاهدين الذين رأوا في موضوع الفيلم طرافة غير معهودة وجرأة تتوافق مع متطورات الوضع في العديد من المدن العربية التي شهدت و تشهد ثوراتها من اجل التحرر والكرامة.

ويتطرق فيلم “الأئمة في المدرسة ” لحكاية أئمة في الجامع الكبير بباريس يتدربون ويتشبثون بالعلمانية وفقا لسياسة تحديث الإسلام التي تكرسها السلط العمومية في فرنسا .
أما المخرج اللبناني هادي زكاك فقد قدم “درس في التاريخ” و هو فيلم تنطلق الحكاية فيه من طريقة تدريس مادة التاريخ لمراهقين يستعدون لنيل شهادة الإعدادية في خمس مدارس، في بيروت تنتمي إلى طوائف مختلفة ، لعرض رؤية حول قضايا الهوية و التاريخ و الحرب الأهلية .
و تواصلت عروض أفلام أيام الوثائقي من فيلم “تقوى –كور” للمخرج عمر مجيد والذي قدم ظاهرة جديدة لشباب مسلمين أمريكيين يجمعون بين ثقافة البانك المعروفة بتمردها وثورتها وورعهم الديني من جهة ثانية .
الأكاديمي الإسلامي المصري الراحل المثير للجدل كان هو الآخر حلقة من حلقات الأفلام المعروضة في “أيام الوثائقي” إذ قدم محمد علي الاتاسي اثنين و ثمانين دقيقة عن حياة هذا الأكاديمي وصورا ما كان يتعرض له هذا المفكر من تهديدات بالقتل من الجماعات الإسلامية المتشددة مما اضطره إلى الرحيل مع زوجته عن مصر إلى هولندا .
ولعل المتأمل في مواضيع الأفلام الخمسة المعروضة في “أيام الوثائقي” يدرك سريعا أن حلقة الوصل بينها هي الصراع بين الدين والعلمانية وهو إلى حد ما يميز الساحة السياسية والإيديولوجية في تونس.و من هنا كان سؤال الجزيرة الوثائقية للمخرج التونسي هشام بن عمار باعث هذه التظاهرة عن مدى اعتباطية الاختيارات للأفلام المعروضة فأجاب :”ليس هناك من شيء بريء او اعتباطي، الأكيد أن هذه الاختيارات موجهة ومدروسة بل هي امتداد لما تعيشه تونس حاليا من صراع بين الفكر الديني و الفكر العلماني” وأضاف قائلا “أردنا من خلال هذه الأفلام استفزازا ايجابيا للعقول وعرضا لتجارب مختلفة يمكن أن نستأنس بها حتى يتسنى لنا مناقشة الأشياء في الاتجاه الصحيح وأخذ العبرة من ثقافات وأسس تربوية مختلفة.”
و لم يفوت هشام بن عمار في هذا السياق فرصة للتعبير عن استنكاره لما تعرض له المخرج التونسي النوري بوزيد من اعتداء بآلة حادة قد يكون له علاقة بالصراع بين ما هو ديني وعلماني بمعنى إن: “هذه الأفلام التي تتوحد في موضوع واحد هو الصراع بين الديني و العلماني، قد يكون لها امتداد حتى في الواقع اليومي المعيش و بالتالي يجب الخوض فيها والاطلاع على تجارب الآخرين بشانها” على حد تعبير هشام بن عمار .
قافلة الوثائقي تجوب البلاد التونسية

اختارت الدورة الأولى من” أيام الوثائقي” تكريم المخرج التونسي مصطفي الحسناوي الذي وافاه الأجل يوم 15 يناير الفارط وذلك بحضور ابنته هند الحسناوي وقد كان فيلم “ظلال” لمصطفى حسناوي و مريان الخوري فاتحة ايام الوثائقي. كما ستكون هذه التظاهرة مناسبة لإعلان إحداث مهرجان سنوي تحت عنوان ” قوافل وثائقية” الذي ينطلق خلال شهر اكتوبر القادم وسيجمع ثلة من المخرجين المستقلين سيعملون على مزيد التعريف بمكانة الفيلم الوثائقي في محيطه المتوسطي و العربي.
يضيف هشام بن عمار مدير “أيام الوثائقي ” في دورتها الأولى متحدثا للجزيرة الوثائقية :” أردنا من خلال هذا اللقاء الأول بالمخرجين الشبان والمحترفين صياغة توجه ديمقراطي جديد للفيلم الوثائقي. نريد جمع السينمائيين حول فكرة القوافل الوثائقية التي تجوب البلاد وتصل الى داخل الجمهورية التونسية . فالسينما الوثائقية هي علاقة وثيقة بالواقع وفي داخل البلاد وقائع كثيرة يجب ان نسلط عليها الكاميرا قبل الثورة التونسية. فيما مضى لم نقم بواجبنا كما ينبغي أما الآن فنحن نملك كل آليات الإبداع في مجال الوثائقي”.
“أيام الوثائقي” في دورتها الأولى الفقيرة إلى محبي الوثائقي والسينما الذين يغو صون اليوم في امور سياسية حياتية بدت هزيلة من حيث عدد الافلام المعروضة التي لم تتعد خمسة افلام لكن مديرها هشام بن عمار طموح الى ان تصبح مع الزمن مهرجانا وثائقيا لانه يؤمن ان المستقبل في المجال السمعي البصري هو مستقبل الوثائقي سيما في تونس بعد ان زالت كل عراقيل الابداع و رفعت الرقابة عن المخرجين .