مهرجان الفيلم الوثائقي العراقي
منذ …. ما بعد نيسان 2003 اقيمت في العراق عدة مهرجانات ، لم يتسنى لاحدها ان يقيم دورته الثانية ، لظروف تتعلق بالدعم مرّة ، ومرات أخر بالوضع الأمني أو الوضع الثقافي بشكل عام. ولم يولد في العراق أي مهرجان سينمائي بشكل صحي قابل للحياة ، لا للفيلم العراقي او العربي والدولي، إلا مهرجان “يتيم” إقامته دائرة السينما والمسرح، سمي بمهرجان “دول الجوار” ولا اعرف لماذا “دول الجوار “ .. هل كان المهرجان مجاملة سياسية لتلك الدول .. أم هناك مغزى اخر، بينما كان حريا بدائرة السينما والمسرح أن تقيم مهرجان للفيلم العراقي ، الذي يؤكد حظوره عبر مهرجانات عربية وعالمية عديدة .
وكان آخر مهرجان في بغداد “ مهرجان الفيلم الوثائقي “ الذي اقيم في بغداد ليومي “ 2-3 نيسان” الجاري، وأرى أن هذا المهرجان اختلف عمن سبقه، في حيثيات بنائه. فهو “المهرجان” “بالألف ولام التعريف” آت من رحم “ كلية السينما والتلفزيون المستقلة،

التي تأسست في بغداد في 2004 بعد عودة كل من المخرج العراقي قاسم عبد والمخرجة ميسون باججي من خارج العراق. وقد حظيت المؤسسة بإقبال كبير، كونها غير حكومية وغير ربحية، إلا أن الكلية لم تقبل الا عددا محدود من الطلبة بعد اجتياز الاختبار. لم يخل عمل الكلية من مصاعب جمة تبعا للوضع المتأزم في بعد الحرب، كان آخرها اختطاف شقيق المخرج “قاسم عبد” وقتله، مما اضطر الاخير لايقاف عمل الكلية والعودة الى لندن ، لكنه أكمل مشاريع دورة طلابه الأولى في مرحلة مونتاج مشاريعهم في دمشق، ثم استأنفت الكلية عملها في 2007 ، لينجز الطلاب 16 فيلما وثائقيا هي نتاج دورتين أعلن عنهما في مهرجان خاص بها “مهرجان الفيلم الوثائقي” .
أفلام المهرجان سبق وان شاهدنا بعضها في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الاولى 2008 والتي حصل فيها فيلم “الرحيل ” للمخرج بهرام لزهيري على الجائزة الاولى لافلام الطلبة الوثائقية، وفيلم “شمعة لمقهى الشابندر” للمخرج “ عماد علي “ على الجائزة الثالثة لنفس الفئة .
شهد اليوم الأول للمهرجان – الذي أقيم على الصالة الكبرى في نادي العلوية – عرض 10 أفلام واختتم المهرجان بفيلم “ مدرسة بغداد للسينما “ للمخرجة الهولندية “ شوشان تان “ الذي أنجزته عن المدرسة وظروف تأسيسها ومتابعة أعمالها . ثم تلى ذلك مناقشة الافلام مع المخرجين .
يمكن القول إن هذا المهرجان هو نتاج حراك فيلمي اسسته مدرسة قاسم عبد ، وميسون باججي التي تخرج منها عشرات الطلبة، الذين أنجزوا عشرات الأفلام التي وجدت طريقها الى مهرجانات عربية ودولية حصد البعض منها على جوائز مهمة .
وما يميز هذا المهرجان عمن سبقه، أن جميع أفلامه من منشأ واحد، وليس كل فيلم لشخص أو شركة أو مؤسسة ، فانتاج “ 16 “ فيلما وثائقيا بين طويل وقصير، ومن مدرسة واحدة، لا يضاهي ذلك الا كليات الفنون الرسمية، والتي لديها من الكوادر التدريسية ما يفوق عشرات المرات كادر هذه المدرسة الذي اقتصر على اثنين فقط. وكانت الافلام تحمل مضامين انسانية مهمة من واقع العراق الذي تعرض لهزات كبيرة ألقت بظلالها على طبيعة عيش الفرد العراقي، واستخدام أساليب جديدة في طرح القضايا المهمة، هي نتاج دراسة الطلبة في هذة المدرسة التي فتحت منافذ جديدة لأحلام المخرجين الشباب من جهة ، وحصولهم على كيان متخصص في الفيلم الوثائقي، من جهة أخرى، والذي بدأت ملامح صيرورته الحديثة تنطلق في العراق سيما بعد الاحداث التي تلت نيسان 2003 – وبعد هذا الانجاز المحفوف بالمخاطر

والذي زينه الاصرار ، يمكن القول ان مدرسة “قاسم عبد ، وميسون باججي قد نجحت فلطالما كان سعيهم هو ترميم بيت الثقافة الداخلي ، الذي تعد السينما العراقية إحدى حقوله ، والأهم في هذا كله ، ان المدرسة مستقلة وكذلك أفلام طلبتها ، برغم التجاذبات السياسية والعنف الذي عصف بالعباد والبلاد لسنوات مضت، كان من يحمل فيها كاميرا في شارع، كأنه يصوب بفوهة مدفع، وقد نجح المهرجان في استقطاب أكبر عدد من الجمهور شهدته صالة لعرض الافلام .
لكن رغم هذا النجاح إلا أن افتتاح المهرجان شهد عدة كلمات القاها اشخاص قد لا يمتون للموضوع بصلة ومنهم سياسيون، حاولوا أن يمتطوا نجاح المهرجان والتجربة التي وثقت الكثير من العناء من صانعيها.
إذا قدّر لهذه التجربة الاستمرار فسينشأ جيل من المخرجين الشباب يعلمون ماذا يصنعون، وسيكون لهم شأن في مستقبل الفيلم الوثائقي العراقي.