احتفاء بالسينما الأفريقية وروادها في السويد

“خارج عن القانون” و”ميكرفون” من بين أفلامها..

قيس قاسم – غوتنبرغ

الى جانب مهرجان “السينما الأفريقية” في ستوكهولم انطلق مهرجان جديد من مدينة غوتنبرغ سمته الجهة الراعية “السينما الأفريقية في جولة” وعبرهما صارت فرص الاطلاع على جديد سينما القارة ومعها العربية كبيرة كونهما يكرسان جهديهما لفائدة السينما الأفريقية وتكامل عرضها، خاصة وأن المشروع الجديد يأتي ضمن نشاط “سينما الشعب” المعنية بعرض الأفلام العالمية غير الهوليوودية. من بين الأفلام العربية التي عرضت في المهرجانين “ميكرفون” للمصري أحمد عبد الله، فيما البقية عرضت في ستوكهولم، فهو الأقدم والأكبر ويستضيف سنويا عددا من السينمائيين الى جانب عرضه كما كبيرا من الأفلام، قدمت هذا العام من 16 دولة، من بينها عربية تَرَكز حضورها في فئتي الروائي الطويل والقصير، ولعل “خارج عن القانون” من بين أكثرها اثارة للجدل كونه يطرح قضية شائكة تتعلق بمفهوم حق استخدام العنف المسلح وسيلة في الصراع السياسي والتحرري. المخرج الجزائري رشيد بو شارب عاد من خلاله الى التاريخ وبالضبط الى الثامن من مايو 1945، العام الذي ارتكبت فيه قوات الاحتلال الفرنسي مجزرة في قرية جزائرية وراح ضحيتها الكثير من المدنيين. على هذا الحدث التاريخي بنى بوشارب فيلمه الروائي وقدمه كقراءة لمرحلة حرجة من تاريخ شعبه نقل فيها الجزائريون معركتهم من داخل البلاد الى فرنسا عبر مجموعة صغيرة تشكلت من أفراد أغلبيتهم عايشوا المجزرة وخسروا من أهلهم الكثير فيها. كان هروبهم بسبب ملاحقة الجيش الفرنسي لهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، والى هناك، الى فرنسا ينقلنا بوشارب عبر مرحلة طويلة تشكلت فيها أولى التنظيمات المسلحة وبعدها قامت بعمليات مسلحة ضد مؤسسات مدنية وقوات عسكرية فرنسية، قابلتها ردود فعل فرنسية حادة، تمثلت بحملات اعتقال وتعذيب غاية في القسوة والشراسة. لقد أثمرت عمليات الجزائريين عن تأييد شعبي بين المهاجرين لمنفذيها ورفض حاد منهم للاحتلال، كما أجبرت العالم على الإلتفات الى قضيتهم العادلة رغم مقتل جل

نشطائها.
الجزائر رشحت الفيلم لجوائز أوسكار هذا العام ضمن فئة الأفلام الأجنبية غير الناطقة بالأنكليزية. من المغرب شاهد الجمهور ” قنديشه” من اخراج جيروم كوهين اوليفر وفيلم “البراق” للمخرج محمد مفتكر وهذا هو عمله الروائي الطويل الأول وتناول فيه حكاية “ريحانة” التي يخدعها والدها بحملها طفلا من الشيطان. أما المصري محمد حماد، فيعود بعد فيلمه “سنترال” الى موضوع أكثر اثارة للمشاكل الاجتماعية التي يعيشها شباب مصر، وعنوانه “أحمر باهت” يحمل في طياته ترميزا الى الموضوعات الجنسية وكيف يجري التعامل معها بأخلاقيات مزدوجة، والى جواره عرض فيلم “آخر مسافر” للجزائري مونيس خمار. دورة هذا العام ومثل سابقاتها أحتفت بكلاسيكيات السينما الأفريقية وروادها الأوائل، وقدمت مجموعة من أعمالهم مثل “بارا” لسليمان سيسي المخرج المالي الذي عرض أول فيلم له “خمسة أيام من العمر” في مهرجان قرطاج الدولي، بعد تخرجه من كلية موسكو للسينما والتلفزيون. ثم توالت أعماله حتى حصل وفي العام 1987 على جائزة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي عن فيلمه “نور”. كما خصص الدورة ال12 حيزا لأعمال سوتيكوي كوياتي الذي أبتدأ مشواره السينمائي من باريس حين وصلها عام 1980 للمشاركة في عمل المخرج المسرحي بيتر بروك “ماهابارتا” ومن بعدها أتخذ الفن مهنة فشارك في أكثر من خمسين فيلما. الإحتفاء جاء بمناسبة مرور عام على وفاته عن عمر ناهز  ال 74 عاما. الدورة ال 12 أفتتحت بفيلم الجنوب أفريفيين كينت نكوسي ورابولانا سيفيمو “وقف الجنة” وهي دراما كوميدية عن الصداقة والإخلاص والأختيار بين الطريق الصحيح أو الآحر السهل.

فيلم “بارا”

أما على مستوى التفاعل بين السينما الأفريقية والبلد المضيف فقد ظهر عبر فيلم تريسا تراورا دالبيرغ “أخوات التاكسي”. وثائقي عن سيدات من السنغال أخترن مهنة قيادة سيارات التاكس على ما فيها من صعوبات في مجتمع لم يألف حضورهن في هذا العمل وعنه قالت تريسا: “احدى صديقاتي في دكار، اقترحت علي عمل فيلم وثائقي عن مجموعة من النساء أشتركن في برنامج للتأهيل المهني، وتشجيع النساء على دخول سوق العمل. من بين كل المشتركات فيه حصلت عشر نساء منهن فقط على اجازة سوق، وقامت احداهن بشراء سيارة بالتقسيط وعملت مع آخريات عليها في شوارع العاصمة. وتمضي تريسا: “على الفور التقطت الفكرة وبدأت العمل على الفيلم الذي سميته “أخوات التاكسي””. من بين الأفلام الوثائقية اللافتة “ساحرات كامباغا” الذي تناولت فيه المخرجة والكاتبة الغانية يابا بادوي الخرافات وخاصة فكرة وجود القوة السحرية وامكانية تحول النساء الى ساحرات شريرات وتأثير هذة الأفكار والخرافات على عقول النساء في المجتمع وبالتالي تأخرهن عن مواكبة العصر وتطوره. ولم تقتصر الدورة على الأفلام الجادة فاستعانت بأخرى بسيطة وممتعة مثل “شوغا” لتيبوهو ماهلاتسي القريبة أجواءه من الفيلم الأمريكي “الجنس والمدينة”. أما جائزة المهرجان فذهبت الى التشادي محمد – صالح هارون وفيلمه “الرجل الذي يصرخ” الذي تناول فيه الحرب الأهلية التشادية وما خلفته من نكبات وويلات. وحتى يظهر حجم العذابات التي عانى منها سكان هذا البلد، ذهب الى  مكان بعيد عن ساحاتها. لقد أراد هارون تصوير الحرب عبر تجربة أناس عاديين وجدوا أنفسهم ودون ارادة منهم وسطها فخسروا فيها أغلى ما يملكون مثلما خسارة آدم ولده الوحيد فيها. تعمد هارون التركيز على حياة آدم وولده عبد الله، ولهذا شكلا المحور الرئيس الذي بنى عليه  فيلمه. فآدم الرجل الذي قارب عمره الستين كان سباحا محترفا لهذا عمل كمشرف ومسؤل عن حوض السباحة في فندق بنجامينا يساعده فيه ولده عبد الله. كانا يعملان ويعيشان حياة هادئة ومريحة نسبيا، لكن الحرب ورغم بعدهما عنها وصلتهما أخيرا حين أستدعت الجهات الرسمية ولده للخدمة العسكرية وهناك على أحدى جبهات القتال التي تفتح كل يوم برغبة المستفدين منها قتل. لقد وصل هارون بلغته السينمائية السهلة والممتعة جزءا من صراع عبثي أخذ شكل حروب أهلية عاشتها أفريقيا، ولهذا السبب “الرجل الذي صرخ” فيلم مهم ليس بسبب موضوعه الحيوي فقط بل أيضا لأن مستوى شغله البصري جيد، عبر من خلال هارون عن مسؤليته كسينمائي معني بالمشاكل التي تواجه الانسان في وطنه وبقية العالم، وفي نفس الوقت شكل منجزه علامة مهمة للسينما الأفريقية، وانسحبت ايجابا على مهرجانيها في السويد.


إعلان