موسم العودة إلى كان في دورته 64

تقام الدورة الرابعة والستون من مهرجان كان السينمائي في الفترة من 11 إلى 22 مايو/ أيار، فيما يعتبر الحدث السينمائي الرئيسي على المستوى العالمي، حينما يكون العمل في عدد كبير من الأفلام الجديدة قد اكتمل، وأصبح بوسع المهرجان العريق الاختيار من بينها.
لم يعد مهرجان “كان” مجرد سلة للعروض، بل تطور فأصبح أيضا ملتقى للثقافات، وساحة للحوار والمناقشات، إلى جانب كونه أكبر سوق سينمائي من نوعه، يتيح الفرصة للمنتجين والموزعين، للاتفاق على تمويل أفلام جديدة أو تسويقها.

البرنامج الرسمي
ويشمل البرنامج الرسمي للمهرجان عرض 50 فيلما طويلا و9 أفلام قصيرة. والمقصود عادة بـ”البرنامج الرسمي” للمهرجان، المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة (19 فيلما) التي تتشكل لها لجنة تحكيم خاصة تمنح عددا محدودا من الجوائز على رأسها بالطبع السعفة الذهبية التي اكتسبت شهرة عالمية، وأصبح الفيلم الذي يفوز بها يلقى الاحتفاء بعد ذلك، سواء في المهرجانات السينمائية الأخرى أم في عروضه التجارية.
وإلى جانب المسابقة يتكون البرنامج الرسمي أيضا من قسم “نظرة خاصة” الذي يعرض مجموعة من الأفلام (19 فيلما) يرغب المهرجان في تسليط الأضواء عليها وعلى إبداعات مخرجيها، سواء أكانت لسينمائيين يقطعون خطواتهم الأولى في عالم الاخراج السينمائي، أو من السينمائيين القدامى الراسخين.
اما خارج المسابقة فيعرض المهرجان 10 أفلام تحت ثلاثة عناوين هي: خارج المسابقة (4 افلام)، عروض منتصف الليل (فيلمان)، وعروض خاصة (4 أفلام).
والحقيقة أن هذه التصنيفات تحديدا لا يبدو أن لها معنى كبيرا لأن العروض الخاصة ليست خاصة، بمعنى أنها مخصصة لكل المشاهدين وليست قاصرة على نوعية معينة من الضيوف مثلا، لكن المقصود من العنوان قد يكون تسليط مزيد من الأضواء عليها بوضعها في خانة “خاصة”. وكذلك الأمر بالنسبة لعروض منتصف الليل التي تعرض ويعاد عرضها ليلا ونهارا، بل إن عروضها لضيوف المهرجان من الصحفيين ورجال الصناعة السينمائية يكون عادة بعد الظهر. اما الاحتفاء الكبير بها وسط الجمهور العريض فيكون في منتصف الليل حينما نكون نحن النقاد والصحفيون قد آوينا إلى فراشنا استعدادا للاستيقاظ المبكر صبيحة اليوم التالي!
ولعل من الجدير بالذكر أن عروض مهرجان كان المتعددة، تتواصل من الثامنة والنصف صباحا حتى ما بعد الثانية صباحا، أي أن المدينة المطلة على المتوسط لا تهدأ سوى لأقل من أربع ساعات فقط لمدة 12 يوما، إلى حين إعلان الجوائز.
وداخل البرنامج الرسمي أيضا 9 أفلام قصيرة هي في الحقيقة الأفلام التي تشارك في مسابقة الأفلام القصيرة التي تتحكون لها لجنة تحكيم خاصة. وهناك أيضا لجنة تحكيم رسمية ثالثة لمنح جائزة أو اثنتين لأفضل الأفلام التي تعرض في قسم “نظرة خاصة”. وأي لجان تحكيم تمنج جوائز خارج اللجان الثلاث تعتبر لجانا غير رسمية أشهرها لجنة تحكيم مسابقة الكاميرا الذهبية التي تمنح جائزة لأفضل فيلم أول في برامج المهرجان المختلفة.

لجنة التحكيم
لجنة التحكيم الرئيسية لمسابقة الافلام الطويلة تتكون هذا العام من الممثل الأمريكي الشهير روبرت دي نيرو، وعضوية كل من مارتينا جوزمان (ممثلة من الأرجنتين) وانسون شي (منتجة من هونج كونج)، وأوما ثيرمان (الممثلة الأمريكية الشهيرة)، ولينا أولمان وهي كاتبة وناقدة أدبية من النرويج، والمخرج الفرنسي أوليفييه أسايس، والممثل البريطاني جود لو، والمخرج التشادي محمد صالح هارون، وجوني تو، وهو مخرج من هونج كونج. أي أن
اللجنة تضم في عضويتها 4 ممثلين، و3 مخرجين، ومنتجة سينمائية وكاتبة. ولعل من الغريب أن تكون الكاتبة عضو اللجنة، ناقدة أدبية، في حين كان من الأفضل بالطبع أن تكون ناقدة سينمائية. لكن هكذا هو حال نقاد السينما مع مهرجانات السينما الدولية التي أصبحت تكتفي بجوائز النقاد التي تمنحها لجان تحكيم خاصة تتشكل من أعضاء الاتحاد الدولي للنقد والصحافة السينمائية (فيبريسي). وسيكون الناقد والمخرج المصري أحمد عاطف عضوا فيها هذا العام ممثلا لجمعية نقاد السينما المصريين.

فيلم شجرة الحياة

أضواء على المسابقة
ومن أهم أفلام المسابقة الرسميةفيلم “شجرة الحياة ” The Tree of Life للمخرج الأمريكي تيرنس ماليك، وهو الفيلم الذي طال انتظاره منذ العام الماضي، واقتضى من مخرجه وقتا طويلا للانتهاء من تصويره ثم استكمال العمليات الفنية من مونتاج ومكساج وغير ذلك.  والى جانب هذا الفيلم هناك فيلم أمريكي آخر في المسابقة التي تضم هذا العام كما أشرنا 19 فيلما فقط (كان العدد يصل عادة إلى 21 فيلما). هذا الفيلم هو فيلم “درايف” Drive (أو “قيادة”) لمخرج مجهول نسبيا هو نيكولاس ويندنج ريفن (مواليد 1970) وهو نرويجي الأصل، هاجر الى الولايات المتحدة عام 1993 حيث أخرج عددا من الأفلام أشهرها ثلاثية “المهرب” Pusher

الطفل وعودة داردان وفي مقابل الفيلمين الأمريكيين في المسابقة اكتفت فرنسا أيضا بفيلمين فقط هما “هدايا بيت التسامح” لبرتران بونيلو، و”بوليس” لمايوين. وهناك فيلمان من بلجيكا أهمهما الفيلم الجديد للأخوين داردان اللذين حصل فيلمهما “الطفل” Le Fils على “السعفة الذهبية” عام 2005. والفيلم الجديد بعنوان “طفل على دراجة”. أما الفيلم البلجيكي الثاني فهو بعنوان “أصل النساء” وتقوم ببطولته الممثلة التونسية الأصل حفظية حرزي التي تألقت من قبل في الفيلم الفرنسي “كسكسي بالسمك”. وتشاركها البطولة مجموعة من الممثلات والممثلين من أصل عربي مثل الجزائريتين ليلى بختي، وصابرين وزاني، الى جانب زين الدين سوالم وسعد تسولي ومالك أخميس.
يعود الى مسابقة كان هذا العام المخرج الاسباني بيدرو المودوفار صاحب الاسلوب السينمائي المتميز الذي يقوم على الميلودراما، بفيلم “الجلد الذي أسكنه”. ويعود كذلك المخرج الدنماركي المثير للجدل لارس فون ترايير بفيلم يحمل عنوان “مناخوليا” (أو خبل”Melancholia ).
ومن الأسماء السينمائية البارزة في المسابقة أيضا المخرج أكي كوريسماكي من فنلندا وهو يتميز بحسه الفكاهي وصرامته في الأسلوب وسخريته الخاصة من نمط العلاقات في فنلندا. وتعتبر أفلامه مفتاحا لفهم الكثير مما يحدث في هذا الجزء من العالم الشمالي ببرودته القاتلة.
من إسرائيل يشارك في المسابقة للمرة الأولى منذ تسع سنوات، فيلم “ملحوظة” لمخرج يدعى جوزيف سيدار. وهناك فيلم اسرائيلي آخر يشارك في برنامج “أسبوع النقاد” هو فيلم “العاهرة” لهاجر بن عاشر. وكلا الفيلمان بعيدان عن السياسة وتعقيدات الصراع في الشرق الأوسط.
وتشارك لبنان بفيلم من الانتاج الفرنسي في قسم “نظرة خاصة”، هو فيلم “هلق لوين” (أو “الآن إلى أين؟”) للمخرجة اللبنانية نادين لبكي التي سبق أن عرض فيلمها “سكر بنات” في برنامج “نصف شهر المخرجين” عام 2007.
وتردد أن الفيلم الجديد “يتناول قصة مجموعة من النساء في قرية من قرى لبنان”. وبلغت تكاليف انتاجه اربعة ملايين يورو. وهو من انتاج الفرنسية آن دومينيك توسان.

مناخوليا

وهناك أيضا فيلمان من اليابان في المسابقة، وفيلمان من ايطاليا، وفيلم من كل من النمسا واستراليا وبريطانيا وتركيا. والفيلم التركي هو “حدث ذات مرة في الأناضول” لنوري سيلان بيلج صاحب الحظ السعيد في اقتناص جوائز المهرجانات رغم أنني شخصيا أجد أفلامه ثقيلة، ولا تعكس المزاج التركي وإيقاع الحياة التركية وتفتقد إلى الأصالة، فهو يسعى عادة لمحاكاة أفلام تاركوفسكي وما فيها من تأملات فلسفية تبدو أكبر كثيرا من الشخصيات التركية التي تحملها أو تجسدها. وربما بسبب تصويرها لبعض التناقضات الاحتماعية، وانتقادها التقاليد التركية البالية في التعامل مع المرأة مثلا ومع فكرة الاختيار الفردي، تلقى هذه الأفلام     اهتماما كبيرا في الغرب، ينتقل الى بعض هواة السينما les cinephilles  في بلادنا. وللناس فيما يعشقون مذاهب بالطبع.

عالم السياسة
في العام الماضي عرض مهرجان كان فيلم “دراكيلا” وهو فيلم وثائقي كان يسخر سخرية مريرة من رئيس الوزراء الايطالي سلفيو برلسكوني ويكشف كيف استخدم امبراطوريته الاعلامية في تلميع صورته الشخصية، وكيف استغل كارثة الزلزال الذي وقع في بلدة لاكيلا الايطالية لدعم شعبيته، مع الكشف عن الكثير من الجوانب التي تتعلق بالفساد السياسي والشخصي، واستغلال النفوذ، وغير ذلك. وقد احتجت ايطاليا رسميا عن طريق وزير ثقافتها العام الماضي على عرض هذا الفيلم في المهرجان.
أما هذا العام فمن المنتظر أن يكون الفيلم الذي يثير أكبر قدر من المناقشات والجدل هو الفيلم الروائي “الفتح” La Conquête لمخرجه الفرنسي زافيير ديرنجيه (ويعرض خارج المسابقة).

فيلم الفتح

ويصور الفيلم من خلال قصة درامية الوسائل التي لجأ إليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أجل الوصول الى السلطة، وهي وسائل يصور الفيلم لا مشروعيتها بل ولا أخلاقيتها أيضا، كما يسلط أضواء على تفسخ علاقة ساركوزي بزوجته السابقة سلسيليا وانتهائها بالطلاق، مع ظهور علاقته بالمغنية والعارضة الايطالية نيكولا بورني التي تشارك في بطولة فيلم المخرد الأمريكي الشهير وودي ألين الجديد “منتصف الليل في باريس” الذي سيفتتح به المهرجان يوم 11 مايو.
ولكن بدلا من الاحتجاج على عرض الفيلم بالمهرجان اقام وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران حفل استقبال احتفاء بالفيلم، استقبل خلاله مخرج الفيلم زافيير ديرينجيه، وبطله دينيس بوداليد الذي يقوم بدور ساركوزي، وذلك ضمن الاحتفاء بالأفلام الفرنسية التي ستشارك في مهرجان كان!
وكان من المقرر أن تحضر كارلا بروني افتتاح المهرجان مع زوجها إلا أن مصادر في قصر الاليزيه أفادت بأن كارلا وزوجها الرئيس الفرنسي، ربما لن يحضرا الى كان بسبب عرض فيلم “الفتح” خشية من أن يتسبب حضورهما وتسليط الأضواء عليهما ولو ليوم واحد وليلة، في الحاق الضرر بفرص ساركوزي في الوصول الى فترة رئاسية ثانية في الانتخابات القادمة!
ولننتظر ونرى ما ستكشف لنا عنه الدورة الرابعة والستون من مفاجآت.


إعلان