مسعود أمر الله : الوثائقي مغيب في السينما الخليجية
يرى مدير مهرجان الخليج السينمائي مسعود أمر الله أن الدورة الأخيرة من المهرجان هي دورة انعطافية شهدت الكثير من التطورات المبشرة بولادة صناعة سينمائية فاعلة في المنطقة. أمر الله تحدث خلال لقاء معه عن بعض ملامح التغيير الذي شهدته الدورة التي أقيمت في الفترة 14-20 ابريل/نيسان.
*******
* شهدت دورة هذا العام تفاوتاً كبيراً وواضحاً في حجم المشاركات الخليجية، فمن بين 110 فيلم خليجي هناك 45 فيلما إماراتيا، و 23 فيلما عراقيا مقارنة ب 12 فيلما سعوديا، 11 كويتيا، 8 من قطريا، 7 من عمان، واثنان فقط من البحرين. إلى ماذا تعزي هذا التفاوت؟
هذا التفاوت طبيعي هناك سنة جيدة وأخرى غير جيدة لبعض الدول، لكن إذا نظرنا للدورة بشكل خاص سنجد أنها دورة انعطافية أغلب مشاركاتها جيدة، كما أنه لأول مرة يكون لدينا 20 فيلما وثائقيا وهذا مؤشر جيد فالسينما الوثائقية بقيت مغيبة أو غائبة عن المشهد السينمائي الخليجي. كذلك أعتقد أن شكل المهرجان كله أخذ أبعاداً مختلفة فقد تم تنظيم دورة اختصاصية تحت إشراف المخرج الإيراني عباس كياروستامي بالإضافة إلى سلسلة من ورش العمل الخاصة بالطلبة. الجمهور هذه السنة مختلف، الصالات كانت ممتلئة. الجو العام كله كان ايجابياً.
* هناك قفزة كبيرة للأفلام الإماراتية هذا العام، حيث تنافست على جميع الجوائز. هل يرجع هذا لدعم خاص للشباب الإماراتي دون سواهم، أم للدور الذي تلعبه المهرجانات السينمائية في الإمارات.
نعم الفيلم الإماراتي متقدم قليلاً عن الخليجي وذلك لأسباب عديدة أولها الدعم الذي يحصل عليه وثانياً كونه أقرب إلى المهرجانات التي تحدث في المنطقة، فهناك أربعة مهرجانات في الإمارات فقط، الأمر الذي يفتح له منافذ كثيرة. الأمر الثالث يعود لمسابقة المهر الإماراتي التي تم إضافتها إلى جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي وهو ما ساهم في إعطاء الإماراتيين مساحة لأن يتنافسوا مع بعضهم البعض ولأن يقدموا إنتاجات تصلح لأن تعرض في مهرجان دولي. بالإضافة إلى ذلك وجود المؤسسات التي تستثمر في الإنتاج السينمائي مثل مؤسسة الإمارات في أبو ظبي التي تنتج 4 إلى 5 أفلام سنويا وتعطي ميزانيات معقولة.

* أولى المهرجان في هذا العام اهتماماً خاصاً بالفيلم الوثائقي، من خلال فيلم الافتتاح، مشاركة 32 فيلماً وثائقيا خليجيا فقط، إضافة على أفلام خارج المسابقة. هل هناك توجه لديكم للاهتمام بالفيلم الوثائقي ودعم الشباب في هذا الاتجاه؟
قمنا بتنظيم دورات في مهرجان دبي لصناعة الفيلم الوثائقي كما ساهمنا عبر مبادرة “إنجاز” في دعم بعض الأفلام الوثائقية كفيلم “حمامة” الإماراتي. كما إن اختياراتنا للأفلام الوثائقية للمشاركة هذا العام كان فيها مساحة من الرحمة وليس التشدد القاسي فيما يتعلق بالشكل السينمائي. أعتقد أننا بحاجة لمزيد من الأفلام الوثائقية لأنها تحمل نفساً واقعياً مهماً يعكس صورة الخليجي بشكله الطبيعي الخالي من أي ماكياج.
* هل للأمر علاقة بتشجيع صناع الأفلام الخليجيين على أن ينحوا منحى مختلف بعيداً عن التيمات التراثية التي يلجؤون إليها غالباًً؟
الأمر غير مقصود، وقد سئلت كثيرا عن سبب توجه الكثير من الأعمال للتراث أو للماضي، ومن وجهة نظري الشخصية جدا، أعتقد أن هذه ظاهرة صحية على عكس من ينتقدون توجه الشباب للماضي فيما يعيشون حياة عصرية لها مشاكلها وعقدها. أرى أن السينما تحتاج لأن تؤرشف الذاكرة، وغياب السينما لسنوات طويلة في الخليج لم يؤرشف لحقب طويلة مر بها الخليج سواء كان ذلك فيما يتعلق بالعادات أو التقاليد أو اللباس أو اللهجة أو الموسيقى أو الفولكلور أو أي من تفاصيل الحياة اليومية. أنا أرى أن توج الشباب نحو الماضي ظاهرة جميلة جدا وصحية، على الأقل لمواجهة الحركة السريعة للزمن التي تأخذ القديم تماما وتحل محله الجديد. علينا أن نوثق بعض هذه الأشياء قبل أن تضيع. ولكن التوازن موجود لكن ربما من يفوزون بجوائز هم من يتناولوا الماضي لذا تبرز هذه القصص.
* عودة إلى الفيلم الوثائقي “طفل العراق”، وردت اعتراضات كثيرة على اختياره كفيلم افتتاح وذلك لجودته التي لا تؤهله لذلك بحسب ما ذكر بعض النقاد.
كيف نحاكم الفيلم وعلى أي أساس، الفيلم إنساني خاص تماما وطالما أنه كذلك وأنه مس أغلب الجمهور فأنا أعتبره فيلما ناجحا بغض النظر عن الشكل السينمائي الذي لا أجده ضرورياً في هذا الفيلم بالذات. هل ننتظر من صانع الفيلم الذي توفيت والدته وهو يصور فيلمه، أن يهتم بحركة الكاميرا والإضاءة وشكل الصورة. هذا الفيلم لا يحتمل كل هذه التفاصيل، هو إنساني وصادق كما هو. ثانيا تحدثنا عن الوثائقي ونحن نريد أن نقدم رسالة وهي أنه من الممكن افتتاح المهرجان بفيلم وثائقي وليس بالضرورة فيلم روائي طويل. ثالثا صانع الفيلم شاب لا يتجاوز عمره 21 عاما ونحن نريد أن نشجع الشباب ونعطيهم فرصا أكبر. الشكل السينمائي نتفق عليه أو نختلف كيفما نريد لكن نريد أن نكون جريئين في قراراتنا فالمنطقة تمر بأحداث كثيرة وموضوع العراق بدأ يتراجع وسط ذلك.
* الاهتمام بموضوع العراق هو هل السبب في ارتفاع عدد المشاركات العراقية وتميزها خصوصا مع الحديث عن الدعم الخاص أو التحيز الذي بدا واضحا في نتائج المنافسة وفي أوقات العروض من قبل إدارة المهرجان لهذه الأفلام ؟
التجربة العراقية هي الأكثر ثراءً من بين التجارب الخليجية وذلك بحكم تاريخها، وبحكم وجود تنوع فيها فهناك سينما الداخل وسينما الخارج. الفكرة هي ألا نترك الخليجي لينافس أفلاما في مستواه فقط، أردنا له أن ينافس أفلاما أخرى فهناك دولة قوية وهي العراق يمكن أن تأتي وتضع سقفا معينا للخليجيين كي يلحقوا بذلك السقف، وإلا سيظل ينافس نفسه ولن يتطور. أما عن النتائج فالدولتان الأكثر قربا للسينما الآن هما العراق والإمارات وبالتالي ينعكس هذا الأمر في النتائج. الدول الأخرى تحتاج الآن لأن تضع لنفسها سقفا أعلى وأن تطور نفسها وإلا فإنها ستخسر المنافسة. السينما العراقية لديها خاصية أخرى قد لا تمتلكها السينما الخليجية تتمثل في الموضوعات ذات البعد الإنساني والسياسي وغير ذلك. هذه خاصية ليست لدى السينما الخليجية ولذلك يميل التحكيم لصالحها.

* من بين 153 فيلما شاركت في المهرجان هناك 47 مشاركة دولية. ما مدى قدرة السينما الخليجية على منافسة هذه الدول. ألا يضعف المستوى المتقدم حظوظ الفيلم الخليجي في الفوز إن لم يكن في المشاهدة.
لم تأخذ المشاركة الدولية ألقا أكثر من الفيلم الخليجي فالصالات كانت تمتلئ للخليجي كما للدولي. الفكرة هي أن التغطية الإعلامية الدولية للدولي سوف تنفع الخليجي. كما أن وجود التجربتين إلى جانب بعضهما البعض سيخلق حوارا بين الشباب يرفع مستوى الأفلام الخليجية وإلا فسوف نظل نحاكي بعضنا بنفس المنطق. هناك أيضا جانب تقني وهو أننا بجمعنا لهذه الأفلام في مكان واحد فقد اختصرنا مسافات السفر إلى المهرجانات وجهد البحث عن الأفلام ومشاهدتها. كما إن حرمان الفيلم الدولي من المشاركة في المهرجان يحرم الخليجي من مشاهدة فيلم مهم قد لا يحظى بفرصة مشاهده إن لم يكن ضمن المسابقة، وحتى من المشاركة في مهرجانات دولية. كذلك فإن المنافسة بين الدولي والخليجي ليستا في برنامج واحد وحتى أوقات العروض لم تتعارض.
* استعراض تجربة المخرج الفرنسي جيرارد كوران هل هي دعوة للشباب الخليجي للتجريب في السينما أو لطرق أشكال سينمائية غير مألوفة؟
هي ليست دعوة للتجريب، المسألة تتعلق بالتركيز على كيفية إثارة السؤال عن ماهية السينما. يجب على المخرج الخليجي أن يفهم ما هي السينما وأن يشاهد نماذج مغايرة تماما من الأفلام المؤطرة بالصورة والإضاءة واللون. كذلك فإن تقديم هذه التجربة وهي أساسا تجربة أرشيف بصري، تجعلنا نركز على أهمية الأرشفة البصرية للمكان والناس في تأريخ الأشياء. في هذه الأفلام رسالة مفادها أن المادة التي تصنعها اليوم تخلد في الذاكرة. حين تصنع فيلماً فإنك تحفظ ذاكرتك البصرية والمكانية واللغوية وأشياء كثيرة. تجربة كوران تعرض اليوم في الغاليريهات والمتاحف وأرشيفات السينما المعتمدة، إنه يقدم مواد خاصة لا يمتلكها أحد سواه تأتي أهميتها من تأريخها البصري للأشياء والأشخاص، ومن كونها تجربة مغايرة فيها أصالة في المنهج.
* تحدث أحد النقاد السينمائيين بشجن عن واقع مهرجانات السينما العربية وعن إداراتها الفاسدة أو عن سوء الإدارة فيها. مهرجان الخليج بكل طموحات القائمين عليه في صناعة سينما خليجية أين هو من ذلك الواقع السوداوي.
هناك وسط ومجتمع سينمائي فيه السيئ وفيه الجيد كأي مجتمع آخر وهذا أمر طبيعي أنا لا أريد أن أكون سوداويا ولا متفائلا أكثر من اللازم. منذ عشر سنوات سابقة بالتحديد في عام 1997 سألني أحد الصحفيين لماذا لا توجد سينما في الإمارات فكان جوابي بسيط جدا قلت له الضرب في الميت حرام لا يمكنك أن تسألني لماذا لا يوجد تفاح في الإمارات. أنا أرى أنه لا يجب أن نكون مستعجلين فعمر السينما 116 عاما ونحن بدأنا من خمس أو أربع سنوات فقط. ما تحقق في هذه الفترة مشجع جدا ومبشر بصناعة سينمائية فلا نريد أن نقفز ونستعجل.
الآن هناك بذور كثيرة توضع فقبل مهرجان الخليج كان هناك مهرجان الكويت السينمائي الأول. اعتقد أن الاتجاه العام اليوم هو اتجاه بصري والرهان هو على هذه الأداة التي تمثل لغة العصر الذي نعيشه والعصر القادم، كما أن الثورات التكنولوجية تصب في الإطار البصري. طموحنا ليس كبيرا جدا نحن نطمح لأن يكون بكل دولة خليجية مخرجين جيدين يمثلونها في المحافل بجمال ووعي وبأفلام فكرية أكثر من كونها أفلاما تجارية، تعكس صورة الإنسان بشكل أنيق. هذه هي المراهنة ولا نحتاج لما هو أكثر من ذلك وأعتقد أن هذا قد تحقق.