لا مفاجآت في جوائز مهرجان “كان” السينمائي
أُسدل الستار مساء الأحد 22 أيّار/ مايو على الدورة الرابعة والستين من مهرجان “كان” السينمائي التي استمرت طيلة اثني عشرة يوما، وعرض في مسابقتها عشرين فيلما. لم تكن هناك مفاجآت كثيرة عند الإعلان على الجوائز، عكس ما حدث خلال الدورات السابقة الحديثة، فقد حصل الفيلم الأمريكي “شجرة الحياة” لمخرجه “تيرنس ماليك” على السعفة الذهبية لأحسن فيلم في المسابقة.

عن فيلم “شجرة الحياة”
وكان هذا الفيلم أحد الأفلام الأولى المتوقع حصولها على السعفة الذهبية مع الفيلمين الفرنسيين “الفنان” و”الهافر” للمخرج الفنلندي الشهير آكي كوريسماكي، وفيلم “كآبة” للمخرج الدنماركي “لارس فون ترايير”؛ إلا أنّ “كوريسماكي” الذي يشارك منذ أكثر من عشرين عاما في مسابقة المهرجان بأفلامه المتميزة فنيا لم يسبق له الحصول على السعفة الذهبية، وينظر إليه عادة على أنه قادم من سينما “هامشية” كناية عن السينما الفنلندية، رغم أن معظم أفلامه تنتج بتمويل فرنسي.
ويعتبر “شجرة الحياة” من الأفلام التي نلمح فيها طموحا فنيّا وتجريديّة في الأسلوب، ويروي الفيلم قصّة الخلق، ويتأمل في العلاقة بين الحياة والموت، وبين الإنسان والله، وبين الآباء والأبناء، في سياق سينمائي يستخدم فيه التشكيلات اللونيّة بطريقة غير مسبوقة في السينما عموما وفي السينما الأمريكية تحديدا، ويُذكر أن “تيرنس ماليك” لم يُخرج سوى خمسة أفلام طيلة الـ 33 سنة.
أمّا “لارس فون ترايير” فقد ابتعدت عنه السعفة الذهبية في الأيّام الأخيرة من المهرجان بعد الضجّة الكبيرة التي أحدثتها تصريحاته خلال مناقشة فيلمه الأربعاء الماضي، واختلط فيها الجدّ بالمزاح حينما قال أنه يستطيع أن يفهم “هتلر”، وأنّه لا يتعاطف كثيرا مع اليهود بسبب أفعال اسرائيل، وقد أدّت هذه التصريحات إلى غضب الجماعات اليهوديّة واحتجاجها، ما دفع إدارة المهرجان لإصدار بيان تُدين فيه تصريحات “فون ترايير” معتبرة إيّاه “شخصا غير مرغوب فيه بالمهرجان.”
أمّا الفيلم الفرنسي “الفنان” فهو مصنوع على شاكلة أفلام هوليوود الصامتة، بمهارة عالية، ورؤية مصوّرة بالأبيض والأسود، وبإستخدام اللوحات التي تظهر عليها بعض الأسطر التي تلخص الحوار تماما كما كانت الأفلام الصامتة، فقد رأت لجنة التحكيم التي ترأسها الممثل الأمريكي الشهير “روبرت دي نيرو” منحه جائزة أحسن ممثل لبطله “جان دوجاردان” الذي برع في أداء شخصية مخرج سينمائي أمريكي أصيب بإكتئاب وحاول الإنتحار بعد أن عجز عن مواكبة عصر السينما الناطقة.
أمّا جائزة أحسن ممثلة فقد ذهبت إلى الممثلة الأمريكية “كريستين دانست” عن دورها المتميّز في فيلم “كآبة” لـ “فون ترايير” الذي يروي موضوعا حول نهاية العالم عن طريق اصطدام كوكب آخر بكوكب الأرض وهو أمر يعرفه الكثيرون ويخشونه في الفيلم، دون أن يجرؤ أحد على الحديث عنه أو مناقشته، وتقوم “كريستين دانست” بدور عروس شابة تشعر بحالة من الإكتئاب وعدم القدرة على التكيّف مع المجتمع بسبب ادراكها الخفيّ للكارثة المحدقة، والفيلم يدور في اطار أقرب إلى الأوبرا أو الأداء الأوبرالي التعبيري معتمدا على الحوارات القصيرة، ويجسد التناقض بين شخصيتي شقيقتين احداهما “دانست” والأخرى “شارلوت غينسبرج” – الممثلة الفرنسية- التي لعبت بطولة فيلم “المسيح الدجال” للمخرج نفسه الذي أثار انقساما كبيرا بين النقاد في الدورات الماضية لمهرجان “كان”.
الجوائز الثلاث في محلها تماما، رغم أن الكثيرين كانوا يتوقعون أن تذهب السعفة الذهبية إلى الفيلم البريطاني “يجب أن نتحدث حول كيفين”، وهو دراما مثيرة عن مراهق يتجه للشرّ منذ طفولته وينتهي بقتل والده وشقيقته وعدد كبير من السكان بطريقة بشعة، في البلدة التي يقيم فيها دون أيّ سبب واضح، مع إصرار والدته رغم كل تصرفاته الغريبة المتطرفة من البداية، على التستر عليه والتسامح معه حتى بعد أن يتسبب في فقع عيني شقيقته.
جائزة لجنة التحكيم الكبرى التي تأتي مباشرة بعد السعفة الذهبية لأحسن فيلم ذهبت لسعيدي الحظ المخرجين اللذين يشكلان معا ثنائيا سينمائيا وهما الأخوان البلجيكيّان “داردان” عن فيلمهما الجديد “طفل ودراجة” الذي يصور حالة طفل ينبذه والده وتتبناه امرأة شابة، لكنه يحاول التمرد عليها للالتحاق بشاب يريد استخدامه في ارتكاب جرائم سرقة لكنه يثوب إلى رشده في النهاية دون أن تتوقف متاعبه، ورشح الكثيرين هذا الفيلم لنيل السعفة الذهبية لكي يصبح الفيلم الثالث لمخرجيه من بلجيكا بحيث سبق لهما وأن تحصلا عليها مرتين متتاليتين، ويتميز الفيلم بأسلوبه الواقعي مع نزعة واضحة إلى التجريد وكأنه يتكلم عن علاقات محكومة بالقدرية أو مدفوعة بيقين داخلي غير مبرّر في سياق الفيلم.

عن الأطفال أيضا وعالمهم الغريب يأتي فيلم ثالث من أفلام المسابقة هو فيلم “بوليس” POLISSE الفرنسي للمخرجة “ميوين” -ذات أصل تونسي-، وهو الفيلم الذي يروي ما يواجهه رجال شرطة حماية الأطفال من متاعب كبيرة خلال عملهم في التحقيق في قضايا التحرّش الجنسي على الأطفال سواء من داخل الأسرة أو من خارجها، ممّا يتسبّب لاحقا في انهيار نفسي لرجال الشرطة الرجال منهم والنساء، وقد حصد الفيلم جائزة خاصة من لجنة التحكيم تقديرا لبراعة مخرجته في السيطرة على عدد كبير من الخيوط الدرامية في فيلمها، وادارتها لعدد كبير من الممثلين والممثلات أغلبهم من الهوّاة.
وقد ذهبت جائزة أحسن إخراج إلى المخرج الدنماركي “نيكولاس ويندنج ريفن” عن فيلمه الأمريكي “درايف” Drive الذي أمتع المشاهدين برواية قصة تدور في أوساط الجريمة ولكن بأسلوب خاصّ يبرز مهارة مخرجه وسيطرته الشديدة على كل أدواته، وقدرته على تقديم رؤية انسانية لفيلمه دون أن يفقد القدرة على الإمتاع والإثارة.
أخيرا تذهب جائزة أحسن سيناريو إلى الفيلم الإسرائيلي “ملحوظة” لـ “جوزيف سيدار” الذي كان الرأي الغالب أنه فيلم متواضع المستوى، محلي بل شديد الاغراق في المحلية بسبب موضوعه الذي يدور على خلفية أخلاقية، حول الصراع بين الأكاديميين وخصوصا عندما يمتد إلى أب وابنه، من منهما الأجدر بجائزة الدولة الإسرائيلية في أبحاث التوراة، وماذا يحدث عندما يحصل الأب عن طريق الخطأ على تلك الجائزة، ثم يكتشف الإبن أنه هو الفائز الأصلي بالجائزة.. كيف يمكن أن يتحمل الأب هذا، وهل يتناول الإبن عن الجائزة للأب؟ !
وعلى الرغم من قدرة السيناريو على تكثيف الشخصيات إلا أن المخرج لم يُوفق في تقديم عمل سينمائي يبقى في الذاكرة بسبب استخدامه اللقطات الثابتة الطويلة مما يؤدي إلى هبوط الإيقاع كثيرا، خصوصا مع اعتماده على الحوارات الطويلة المرهقة بين الشخصيات المختلفة، ومشاهده التي تدور داخل ديكورات مغلقة، وإفراطه في استخدام اللقطات القريبة.