لأول مرة الوثائقية في “كان” بفيلم من إنتاج مشترك
“لا خوف بعد اليوم” بعد الثورة معالجة الخوف بالفن
حسن مرزوقي
مرة أخرى تبرهن الجزيرة الوثائقية عن سيرها الحثيث نحو العالمية بفضل رصانة خطواتها وقوة اختياراتها. حيث ستكون حاضرة في مسابقة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان الذي سينطلق بعد أيام من خلال إنتاج مشترك مع المنتج التونسي حبيب عطية في فيلمه الوثائقي الجديد “لا خوف بعد اليوم” الذي يتناول وجها من وجوه الثورة التونسية. وهذا الفيلم تشارك في إنتاجه وزارة الثقافة التونسية والجزيرة الوثائقية وحبيب عطية هو المنتج المنفذ ويخرجه مراد بن الشيخ.
“لا خوف بعد اليوم” فيلم لم ينتظر هدوء الأمور في تونس. ففي اليوم التالي لسقوط نظام ابن علي انطلق الحبيب عطية صحبة المخرج مراد بالشيخ طليقين بكاميراتهما التي كانت ككل كاميرات المخرجين

التونسيين تعاني من حرية الحركة في العهد السابق. بدأ التصوير يوم 15 يناير ليستوي الفيلم جاهزا يوم 15 أبريل. في تلك الفترة كانت الجزيرة الوثائقية قد وجدت طريقها سالكة نحو تونس للاطلاع عن قرب عما يجول في أذهان المخرجين الوثائقيين التونسيين بعد الثورة. فكان اللقاء مع الحبيب عطية الذي أنجز عدة أفلام للوثائقية تناولت تونس من عدة زوايا (أبو القاسم الشابي – لطفي بوشناق – رمضان في القيروان – كلام الريح عن القرى الصامتة في تونس .. وأفلام أخرى). فكان الاتفاق سريعا بين الطرفين للمضي في هذا الفيلم.
وقد اعتبر أحمد محفوظ مدير الجزيرة الوثائقية أن الفكرة كانت هذه المرة على مستوى الحدث التاريخي في تونس فلم تتردد الجزيرة الوثائقية في دعمها والدخول شريكا في إنتاجها. وأضاف بأن ثقتنا في حبيب عطية ومراد بن الشيخ كبيرة فقد خبرنا مستواهما الفني والفكري واهتمامهما بالقضايا الوطنية والعربية والإنسانية عموما وذلك أثناء التعاون معهما في أكثر من عمل. وتمنى أن يحصل الفيلم على جائزة الكاميرا الذهبية كي تكون الوثائقية أول تلفزيون عربي يحصل بهذا الإنتاج المشترك على جائزة من أكبر مهرجان سينما في العالم.
الفيلم الذي يمتد على 74 دقيقة، يتحدث عن يوميات ما بعد الثورة التونسية لثلاث شخصيات متفرقة ليس بينها أية علاقة سوى علاقة النضال والمعاناة في العهد السابق. راضية النصراوي محامية ورئيسة هيئة مقاومة التعذيب والتي لم تنج هي نفسها من التعذيب والعنف من طرف بوليس ابن علي حتى أصبح اسمها في تونس لصيقا بالنضال والمعاناة مع زوجها حمة الهمامي رئيس حزب العمال الشيوعي التونسي.
المدونة لينا بن مهني خريجة أدب انجليزي كان اختيارها مختلفا عن قريناتها حيث اختارت المجال الافتراضي للتعريف بمعاناة الشعب التونسي تحت الدكتاتورية وساهمت مساهمة كبرى في الثورة من خلال صفحتها الإلكترونية.
أما الشخصية الثالثة فحكايتها معقدة فالأمر لا يتعلق به فقط وإنما بمعاناة عائلة بأكملها إنه الصحفي كارم الشريف الذي لم يكتف النظام السابق بالتشفي منه هو فقط بل شرد عائلته وأهانها أيما إهانة. ولكن كارم كان صامدا.
الشخصيات الثلاثة لا يعرف بعضها بعضا ولكن المخرج جعل بينها تقاطعات درامية وفنية وفكرية اختزل من خلالها حكاية شعب. ولعل أهم تلك التقاطعات بحسب عطية هي محور المكان حيث كان ثلاثتهم يحضرون إلى ساحة القصبة ليشاركوا في الاعتصامات دون أن يتعرفوا على بعضهم بعض ولكن هدفهم كان واحدا وحكايتهم كانت متشابهة . أما المحور الثاني من التقاطعات بحسب المخرج فهو محور الخوف الذي يقول عنه المنتج إنه “أكبر سلاح استعمله النظام”.
وفي تصريح لموقع الجزيرة الوثائقية يذهب الحبيب عطية إلى أن”الدراسات النفسية التي أجريت في مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية بتونس بينت أن عهد ابن علي ترك تونسيا من اثنين يشعر بالإحباط وأن تسعة من عشرة مواطنين لا يعلمون بأنهم محبطين.. لذلك فإن الفيلم محوره الخوف وغايته التصدي له “.
ويضيف “إن الفيلم يبحث في التفاصيل الحياتية التي تعيشها الشخصيات بعد الثورة فراضية النصراوي يوم 15 يناير تتناول فطور الصباح لأول مرة مع زوجها دون خوف من مداهمة شقتهما. أما كارم فيتمتع في ذلك الصباح بمشهد الفرحة في عيون عائلته .. وكذا سعادة لينا بمملكتها الافتراضية دون رقيب”. وبعد تعداد التفاصيل الجميلة بجمال صانعي الثورة يعتبر المخرج أنه “روى حكاية ولم يصف وضعا” ورواية الحكاية تبقى أما الوضع فيتغير.
إحدى شخصيات الفيلم وهي شديدة التألم لحالة تونس، تلقي بأبرز جملة في الشريط:
” ثورة تونس لم يصنعها البؤس والفقر بل صنعها اليأس الشديد لجيل شاب من حاملي الشهائد… لم تكن ثورة خبز أو ثورة ياسمين…” وواصلت باللهجة التونسية ” الياسمين ما فيهاش موتى وما فيهاش شهداء… إنها ثورة شهائد… ولا خوف على تونس إنشاء الله ! ”

الفيلم بعيد كل البعد عن ضجيج الإيديولوجية .. هكذا أجاب حبيب عطية عندما سألناه عن علاقة فيلمه بالوضع السياسي في تونس وما نلاحظه من تعالي الشعارات السياسية والحزبية والإيديولوجية والتي كلها باسم الثورة.
أما عن وصول الفيلم إلى مسابقة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان فقد اعتبره عطية شرفا كبيرا. وبتواضعه المعهود لم يعتبر عطية نفسه سفيرا للثورة التونسية في كان. ولكنه اعتبر وصول الفيلم إلى هذه المسابقة نافذة لتونس وللعالم العربي للتعبير عن مشاغلهم بالفن وفي الفن. واعتبر أنه يفتخر بهذا العمل سواء تحصل على جائزة أم لم يتحصل.
وردا على سؤالنا عن مشاركة الجزيرة الوثائقية في إنتاجه.. عبر المنتج عن سعادته وامتنانه لهذه القناة التي خبرها وخبرته ووثق بها ووثقت به. كما لم يفوت الفرصة ليشكر وزارة الثقافة التونسية التي تحاول أن تنزع عنها قيود الماضي والتوجه إلى دعم الإبداع الحقيقي.
وجدير بالذكر أن جائزة الكاميرا الذهبية هي من المسابقات الرسمية في مهرجان كان إلى جانب مسابقة السعفة الذهبية تساهم فيها خيرة الأفلام العالمية. وأن مجرد الوصول إلى قائمة الأفلام المشاركة يعتبر حلما لكل مبدع في ميدان السينما.