أين تذهب الأفلام بعد عرضها ؟ مهرجان الخليج نموذجًا
في لقاء مع برنامج “الفيلم”، والذي يُبثّ على المحطة الرابعة لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تحدث المخرج البريطاني “أيين بارنز” مؤخرا، عن الصعوبات الكبيرة التي يواجهها مخرجي الأفلام التسجيلية القصيرة، في الوصول إلى الجمهور الواسع وخارج سياق المهرجانات السينمائية.
الحديث إلى هنا لا يتضمن أيّ جديد أو مفاجاءات، فمخرجات ومخرجون عديدون حول العالم يشكون دائما من نوافذ العرض المحدودة جدا، وأحيانا المعدومة لأفلامهم القصيرة، الذي يميز “الشكوى” الأخيرة للمخرج البريطاني، بأنّ فيلمه الأخير، والذي كان سبب المقابلة الإذاعية، كان مرشحا في فئة الأفلام التسجيلية القصيرة لجوائز الأوسكار الشهيرة.
فإذا كان ترشيح أيّ فيلم روائي طويل لجائزة الأوسكار، يعني بالعادة سياسة توزيع جديدة للفيلم المعني، واهتماما إعلاميّا تصل نتائجه إلى شباك التذاكر.
يبقى الفيلم القصير المرشح للجائزة نفسها بعيدا عن هكذا مكاسب؛ فمنذ أن تخلت العديد من الصالات السينمائية الأوروبيّة وحول العالم ولأسباب غير واضحة بشكل كامل، عن عرض الأفلام القصيرة قبل عروضها العادية من الأفلام الطويلة، انحصرت عروض الأفلام القصيرة على المهرجانات السينمائية والتظاهرات الخاصة التي تنظم على هامش المهرجانات السينمائية، أو أحيانا بشكل منفرد، وتحت عناوين وتوجهات فنية مختلفة، فمنها التي يسعى إلى رسم ملامح قادمة في سينمات مختلفة، أو يعود بعضها إلى الماضي، كالتظاهرة التي نظمت في مهرجان روتردام الدولي قبل عامين، وعرضت الأفلام القصيرة الأولى لمخرجين معروفين مثل “رومان بولانسكي” و”وودي آلن”.
وحتى التلفزيون والذي يشكو بسبب نموّه الهائل من الحاجة المستمرة إلى البرامج لملء ساعات البث الطويلة، بقي مترددا جدا في تقديم الفيلم القصير (الروائي والتسجيلي) لأسباب عديدة، بعضها رقابية وأخرى تتعلق بزمن الفيلم القصير، والذي لا يتلائم مع تقسيم الساعة التلفزيونية والبرامجية على هذه القنوات.
الأمر نفسه طال الأفلام التسجيلية الطويلة، والتي تواجه دائما، وعند التفكير بعرضها على شاشات التلفزيون، مشكلة الزمن الخاص بهذه أفلام، حتى أن قنوات عريقة مثل “بي بي سي”، والتي تشترك في إنتاج العديد من الأفلام التسجيلية الطويلة، تفرض شروطا تتعلق بالزمن على مخرجات ومخرجين كبار؛ الأمر الذي يلقى التذمر الكبير أحيانا، بسبب ما تفرضه هذه الشروط من قيود جمالية على مخرجي تلك الأفلام.
مناسبة الحديث هذا، هو أفلام مهرجان الخليج السينمائي، والذي انتهت دورته الرابعة مؤخرا، ففرص عرض الكثير من أفلام المهرجان في مهرجانات سينمائية أخرى، وبإستثناء أعمال مخرجين خليجيين قليلين، محدودة كثيرا، لأسباب تتعلق بالمستوى الفني والأسلوبي لتلك الأفلام، وعدم قدرتها على التنافس والحصول على فرص عرض دولية واسعة.
ما الذي يبقى إذن…؟ القنوات التلفزيونية الخليجية، تحضر فقط في حفلات الافتتاح والإختتام وتسجل لقاءات من البساط الأحمر، وتغادر سريعا، حتى القنوات التلفزيونية العربية والتي تتميز بجديتها، وجرئتها في تقديم الموضوعات الحساسة خليجيا، لم تلتفت إلى الآن لأفلام الخليجية، التي تتعرض إلى الثيمات الجدلية في المجتمع الخليجي، كالإختلاط، الحريات النسوية، العنف المنزلي، الكبت السياسي، حقوق الجاليات الأجنبية في الخليج.
كذلك لم تثر الأفلام، التي تعود إلى التراث الشعبي الخليجي، والتي يعود بعضها إلى الأسئلة الفلسفية لسكان المنطقة وعلاقتهم بقوى الطبيعة، وبعيدا عن صورة المستهلك والثري السائدة عنهم، اهتمام القنوات التلفزيونية.
وبقى الإنترنت بشعبيته الواسعة، وخاصة في أوساط أجيال الشباب، بعيدا أيضا عن أفلام الدورات الأربع الأخيرة لمهرجان الخليج السينمائي؛ فالبحث عن فيديوهات خاصة بمهرجان الخليج على موقع اليوتيوب مثلا، لا ينتج عنه سوى عدد من التغطيات التلفزيونية القليلة لبعض قنوات عربية عن دورات الخليج الماضية، وقليل جدا من الدعايات الخاصة بأفلام عرضت في الدورة الأخيرة للمهرجان، مثل فيلم “ريتشاد الثالث- شخصية عربية مهمة جدا” للكويتي “شاكر آبل” والذي عرض ضمن مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة؛ وليست هناك قناة خاصة للمهرجان على موقع الفيديو الشهير، يتمّ فيها تجميع التغطيات الحيّة الخاصة بالمهرجان، كحال مهرجان دبي أو مهرجان أبو ظبي السينمائيين.
ورغم أنّ مشروع عرض جميع أفلام مهرجان الخليج السينمائي على موقع اليوتيوب أو على موقع خاص بالمهرجان على شبكة الإنترنت، يحتاج إلى تحضيرات خاصة، إلا أنه يبدو المشروع المناسب تماما لمهرجان الخليج، فالمهرجان الذي لازال في مرحلته التأسيسيّة، يمكن أن ينفرد عربيا ودوليا، بعرض مجموعة مختارة من أفلام المسابقة والتظاهرات الأخرى على الإنترنت، مستفيدة من الشعبية الكبيرة لمواقع معينة مثل اليوتيوب في الوصول إلى جمهور واسع ومن دول مختلفة.
واللافت في الدورة الأخيرة لمهرجان الخليج، زيادة عدد المواقع الإلكترونية الخاصة بأفلام خليجية اشتركت في المهرجان، كذلك الملصقات الخاصة بأفلام أخرى، والتي علقت على مدخل مجمع الصالات الذي كان يعرض أفلام المهرجان في مدينة دبي، في إشارة إلى زيادة الوعي الخاص بالدعاية والترويج بين مخرجي المنطقة، والأهمية التي تنطوي عليها بجذب الجمهور إلى المشاهدة.
كذلك يشير اهتمام مخرجين آخريين بإنجاز دعايات خاصة لأفلامهم (التريلير) ،وبإمكانياتهم الخاصة إلى احترافية تستحق الإشادة ، والدعم أيضا، ليس فقط من المهتمين والمتابعين للسينما، ولكن من جهات إعلامية مختصة، حان لها أن تشترك في مشروع مهرجان الخليج الفني الشديد الأهمية، لتأسيس تقاليد سينمائية في منطقة الخليج العربي، وهي المهمة التي يحملها في الوقت الحاضر مهرجان الخليج وحده.