ماذا تعرف عن إيران..؟
يمكن، وبدون تردد طويل إستبدال “إيران” في سؤال عنوان هذه المقالة، والذي أرتكز عليه فيلم المخرجة الإيرانية “فيروزة خسرواني” التسجيلي الأخير “1001 إيران”، بدول شرق أوسطية عديدة.
ليكون السؤال عندها: ماذا تعرف عن العراق، أو السعودية، أو سوريا؟؟ فمغزى السؤال، غايته والوجهة التي يتجه إليها، هم انعكاس للعلاقات المتأزمة وسوء الفهم بين الغرب، ليس مع إيران وحدها، بل مع دول عديدة في الشرق الأوسط، بعضها يتصدر الأخبار الدولية منذ عقود، وأخرى تبرز أزماتها الاجتماعية والفكرية في أوقات معينة، لتضيف مزيدا من الإرتياب والشكوك بين إعلام وشعوب دول أوروبية، والتي تتسائل بعلانية أحيانا، عن جدوى محاولات التفهم والحوار لدول وشعوب أدمنت الأزمات وإقتراف الأخطاء؟
يبدو السؤال الوحيد الذي وجهته المخرجة الإيرانية في فيلمها “1001 إيران ” شديد العمومية والتبسيط وبدون حافات حادة، “ماذا تعرف عن إيران…؟ “. هي تتوجه به إلى عشرات الناس العاديين في عدة عواصم أوروبية، وتأخذه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أيضا. يشبه السؤال ببساطته ومباشرته، ذلك الذي يطرحه طلبة السنوات الأولى في أكاديميات السينما، والذين يغالبون خجلهم وترددهم بالاستعانة بأسئلة نمطية.
لكن المخرجة الشابة والتي شاركت بفيلمها هذا في دورة مهرجان روتردام الدولي الأخير، راهنت على الأجوبة والحوار الذي سيثيره السؤال، للبحث عن انعكاسات صورة بلدها في الخارج . ورغم أن الفيلم يرتكز على سؤال واحد، إلا أنها قدمت في النهاية فيلما، يحمل الكثير من النقد لنظم الإعلام الأوربية والأمريكية المهيمنة، كاشفا ومن خلال مشاهد قوية عن أزمات المهاجرين من المسلمين في أوروبا وأمريكا وعلاقتهم المتوترة ببلدانهم الجديدة، محتفلا بدور الفنون ومنها السينما الروائية الإيرانية في السنوات الثلاثين الأخيرة، في صياغة هوية بديلة مؤثرة لدولة تحيطها المتاعب مثل إيران.

تبرز المخرجة في الجزء الأول من الفيلم، حوارات مع أوربيين لاحقتهم، في الشوارع والميادين العامة، ينطلق بعضهم من أزمة الأسلحة النووية الإيرانية، لتعريف علاقته مع البلد الشرق الأوسطي. يربط بعضهم أيضا سياسة الجمهورية الإيرانية الإسلامية، بأعمال الإرهاب العالمية، منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى تلك التي طالت دولا أوروبية، في حين يخلط البعض ( وكما يحدث كثيرا في أوروبا) بين العراق وإيران، ويبدأ ( دون أن تصححه المخرجة) بربط الأفعال التي اقترفها الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالجمهورية الإسلامية، والتي حاربها الأول لثمان سنوات طويلة.
يكشف هذا الجزء من الفيلم، الطبقات التي يتضمنها سؤال المخرجة، والعتاب الذي يقترب إلى المحاسبة للمشاهد والإعلام الأوربيين. وكيف يمكن أن تذهب دول ديمقراطية إلى الحرب ( يبدو الفيلم كاستجابة لتهديدات حرب غربية على إيران اشتدت قبل عامين ) وسط جهل سكانها بهوية وتاريخ عدوهم.
تخصص المخرجة الجزء الآخر من الفيلم لحوارات إتسم بعضها بالتعمق بأسئلة الثقافة الإيرانية والإسلامية، وبمحاولته تفهم ما يجري في إيران، وربطه بظروفه التاريخية والاجتماعية.
وكتلك التي تضمنها الجزء الأول، جاءت بعض حوارات الجزء الثاني، من شوارع باريس وروما ومدريد وواشنطن. باستثناء مجموعة من اللقاءات الداخلية، بدت أنه تم الإعداد لها مسبقا. الأمر الذي عكر انسيابية الأسلوب الذي ساد الفيلم، باختياره العشوائي لعابري طرقات عابرين، وإفساحه المجال لحوارات، إنتهى بعضها سريعا، وتوسع بعضها الآخر إلى اتجاهات مفاجئة.
من حوارات الجزء الثاني “المرتبة” لقاء مع ايطالية مسنة، تحدثت عن زيارتها لإيران قبل سنوات قليلة، والانطباعات التي خلفتها تلك الزيارة، وتفهمها لتعقيد ظروف الحياة هناك للإيراني العادي، وخاصة النساء. الايطالية وصفت شعورها عند ارتداء الحجاب “الإجباري” لدى وصولها إلى مطار طهران بأنه لم يكن رائعا، لكنها لم تفكر أبدا بالاعتراض عليه وقتها، أو أثناء تنقلها في إيران، فمعركة الحجاب ليست معركتها، والإيرانيات فقط، من يحق لهن تحديد أسلوب خوضها وتحديد وقتها.
وفي إشارة إلى أهمية النجاحات المدهشة للسينما الإيرانية الروائية المعاصرة، ركز بعض الذين تحدثوا لكاميرا المخرجة، عن الصورة التي شكلتها أفلام إيرانية معينة عن البلد المغلق بشكل كبير. فتحدث فرنسيون عن أفلام إيرانية لـ”عباس كياروستامي” ومخرجين إيرانيين آخريين.
ووصف أمريكي من واشنطن أفلاما إيرانية معينة بأنها وحدها، من منحه الصورة المغايرة التي يحملها عن إيران، وأنه مدين لهذه السينما المدهشة في موقفه الحالي ضد أي حرب تخوضها أمريكا ضد إيران.
ولأنهم صاروا جزءا من نسيج المجتمعات الأوروبية وحركة الشارع اليومي هناك، حضر المهاجرون المسلمون في فيلم “1001 إيران “.
هؤلاء أبدوا بدون استثناء تعاطفا مع إيران، وما تتعرض له من انتقادات سياسية و تركيز إعلامي أوروبي، تحولا وكما تشير تجارب قريبة، إلى مقدمة لتحرك سياسي وربما عسكري قادم.
هذا التعارض بين وجهات النظر الأوروبية في الفيلم، والتي جاءت في معظمها منتقدة لما يجري في إيران من انتهاكات لحقوق الإنسان، وبين ما يراه المهاجرين المسلمين، يمكن تفسيره بعيدا عن السياسة، ليكون مرتبطا بشكل أساسي بالغبن الذي ربما يشعر به الكثير من المهاجرين في بلدان إقامتهم، وبحثهم عن صورة البطل أو المنقذ، من خارج سياق حياتهم اليومية.
الفيلم نفسه يقدم في مشهد طويل، مشاجرة بين امرأة ايطالية وشاب عربي في أحد الأسواق الشعبية بسبب ردودهم على أسئلة المخرجة والتي تعارضت إلى درجة الشجار، الذي جاء مصحوبا بعبارات لا تخلو من نفس عنصري، وجهت إلى الشاب العربي.
تختار المخرجة الإيرانية لفيلمها “1001 إيران ” واحدا من أكثر أساليب الفيلم التسجيلي تقليدية.
البناء الفني الذي يرتكز على حوارات مع شخصيات مختلفة، تثيرها أسئلة متشابه. وهو الأسلوب الذي تحول إلى كابوس للكثير من مخرجي ومخرجات الأفلام التسجيلية، بسبب تشابهه مع التحقيق التلفزيوني الكلاسيكي.
المخرجة التي تقترب دون خشية من هذا “التابو” الفني الجديد، تمنح الكلمة إلى ناس من طبقات اجتماعية مختلفة ؛ لتجمع من تلك المقابلات وثيقتها التسجيلية التي لا ينقصها الجدية أو الحيوية.