الحوار من طرف واحد.. بمهرجان الفيلم الفرنسي العربي

    جسور التواصل والتبادل الثقافي والمعرفي، عناوين ضمنية للنشاطات الثقافية والسينمائية التي تنظم بالعادة بين سفارات الدول والبلد المضيف، وفي هذا الاطار اختتمت الدورة الـ 17 لمهرجان الفيلم الفرنسي العربي في عمان، الذي أقامته السفارة الفرنسية، والمعهد الثقافي الفرنسي، بالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وأمانة عمان الكبرى، حيث عرضت أحدث الانتاجات السينمائية العربية والفرنسية بحضور أغلب المخرجين  – لكن أحدث الانتاجات هنا لا تعني بالضرورة أجودها- تنوعت الأفلام بين الروائي والوثائقي، كما تراوحت برمجة هذه الدورة في اختياراتها بين الأفلام التي أنتجها أو أخرجها عرب، وتتناول هموم اجتماعية عربية أو قضايا عربية راهنة، وبين الأفلام المنتجة أو التي ساهمت في انتاجها فرنسا أو أخرجها فرنسيون وتتناول قضايا عربية أو عرب يعيشون في فرنسا أو فرنسيون تجمعهم علاقة مع العرب والمسلمين.

حوار من طرف واحد
  السلام والتسامح… ليس هناك أفضل من هذه الرسالة التي أريد لها أن تفتتح أيام المهرجان، حيث جاء عرض الفيلم الروائي الفرنسي “عن الآلهة والبشر” الحائز على سعفة “كان” 2010، من إخراج “كزافيه بوفوا”، ليرسخ هذه الدعوة، وهو فيلم مبني على قصة واقعيّة حدثت في تسعينات القرن الماضي في الجزائر، حيث قامت جماعة اسلامية متشددة باختطاف سبعة رهبان فرنسيين ثم قتلتهم، في حين كان هؤلاء الرهبان – الذين قدموا لخدمة الفقراء- يعيشون بتوافق وانسجام وتعاون وترابط مع المجتمع المحيط الذي يتشكل من جزائريين مسلمين معتدلين، على الضفة الأخرى عُرض فيلم فرنسي وثائقي “الأئمة يذهبون إلى المدرسة” إخراج التونسية / كوثر بن هنية، تتناول فيه الصورة التي ترغب الحكومة الفرنسية أن تُحدّث الإسلام وفقها، فتطلب من الأئمة في مسجد باريس الكبير الذهاب إلى معهد ليتم تدريبهم على العلمانية، وفي تأمل لخيارات المهرجان تبرز مفارقة كبيرة إذ أنه من المفترض أن المهرجان يُعقد على أساس حوار الحضارات والثقافات، والواقع هنا لا يعدو أكثر من كونه حديث من طرف واحد( الفرنسي) بينما يغيب عنه الطرف العربي،  فتختار كل من السفارة والمعهد الثقافي الفرنسي الأفلام التي تتوافق مع الصورة التي تريد الآخر العربي أن يكون عليها، أو مع الصورة التي تود أن تظهر بها أمام هذا الآخر، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال، لماذا لم يتم اختيار الفيلم الفرنسي الجزائري “الخارجون عن القانون” للمخرج رشيد بو شارب الذي عرض في مهرجان كان ذات السنة التي عرض فيها فيلم “عن الآلهة والبشر” ؟ فـ “الخارجون على القانون” اثار حين عرض في كان ضغوطا كبيرة على إدارة المهرجان لمنع عرضه حينها، بالاضافة لمظاهرات من قدامى المحاربين تطالب ذات الشيء، ولماذا كل هذا؟ لأن الفرنسيين غير مستعدين لا بالإعتراف بصورتهم الهمجية إبّان حقبة الاستعمار، ولا بأفعال البطش والعنف التي تعرض لها الجزائريون على يدهم وتحديدا في مايو 1945 في ما عرف بمجزرة سطيف، وهي التجربة التي يتناولها فيلم رشيد بوشارب، لكن ممكن بسهولة للفرنسيين أن يعرضوا للعنف الذي تعرض له الرهبان الفرنسيون على يد الجماعة المسلمة المتطرفة، وعوضا عن مواجهة جادة مع الذات، يفضلون عرض الفيلم الوثائقي الفرنسي الجزائري “ما زالت الصين بعيدة” إخراج مالك بن إسماعيل، الذي يعود فيه المخرج إلى المكان الذي يشكل الشرارة الأولى للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، ليتقصى اهتمامات الناس بعض انقضاء وقت على استقلالهم، أو يفضلون أن يدرجوا في برنامجهم “الإيطالي” وهو فيلم روائي فرنسي للمخرج “أوليفيه بارو”، يتناول شخصية عربية تعيش في فرنسا باسم إيطالي مستعار، وما يمكن أن تواجه تلك الشخصية عندما تعرف حقيقة هويتها.  
 

ملصق الفيلم الجزائري “الخارجون عن القانون”

كما أسلفنا القضايا الاشكالية العربية كانت حاضرة في المهرجان بغض النظر عن قيمتها الفنية؛ كالحرب الأهلية اللبنانية عبر الفيلم الروائي “شتي يا دني” للمخرج بهيج حجيج، كذلك القضية الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي؛ عبر أفلام روائية كالفيلم الفلسطيني “المرّ والرمان” إخراج نجوى نجار، والفيلم الفرنسي الكندي “حرائق” إخراج دوني فيلنوف، أو عبر أفلام وثائقية كـ؛ الفيلم الفرنسي “عايشين” إخراج  نيكولا واديموف عن غزة، الفيلم الفرنسي “عندك نكتة؟” إخراج / فانيسا روسولو.

 أما الفيلمان الروائيان المصريان؛ “احكي يا شهرازاد” للمخرج يسري نصرالله، و”ميكرفون” ثاني فيلم روائي للمخرج أحمد عبدالله -الذي اختتم المهرجان به- تشاركا المواضيع المتعلقة بالحقوق والحريات العامة، والمناخ الاجتماعي والسياسي المحيط في مصر قبل الثورة، في “ميكرفون” مجموعة من شباب الاسكندرية، اتخذوا من الفنّ وسيلة للتعبير عن أنفسهم ورؤيتهم، سواء عبر الغناء، الرسم، أو الاخراج، إلا أنهم بحاجة منبر أو ميكرفون يصل صوتهم للآخرين، أما في “احكي يا شهرزاد” فيتناول حقيقة واقع المرأة وحقوقها وحريتها الضائعة.
على ضفة مختلفة يقف فيلمان؛ الأول الوثائقي المصري “ظلال” إخراج “مريان خوري”، الذي يعاين فئة المرضى نفسيا عبر تتبع شخصيتين في مستشفى للأمراض النفسية، أما الفيلم السوري “مطر أيلول” إخراج “عبد اللطيف عبد الحميد” فهو يعاين روائيا مجانين من نوع آخر، إنهم مجانين الحبّ، لكنه الحبّ الذي لا يمكن إلا أن يبقى بعيدا ومفارقا.

مسابقة الأفلام الأردنية القصيرة
 رغبة من القائمين على المهرجان في دعم الطاقات السينمائية الأردنية الشابة، جاءت هذه المسابقة لتحفيزهم على الابداع عبر جوائز رمزية تحمل قيمة معنوية كبيرة، والعام القادم سيستحدث تمثال يتخذ شكل الصقر ويحمل اسم المهرجان، أما في الدورة الخامسة للمسابقة هذه حصد الفيلم الروائي “بهية ومحمود” للمخرج زيد أبو حمدان جائزة الأفلام الروائية، أما فيلم “هل هذا شرف” لـ داليا عودة، فنال جائزة الأفلام الوثائقية، كما حصل فيلم “محرم” على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وفيلم “طوارئ” نال جائزة الجمهور، لكن بلا شك كانت مهمة لجنة التحكيم صعبة في اختيار الأفلام الفائزة، حيث جميع الأفلام التسجيلية التي عرضت لم تكن أكثر من تقارير اخبارية، أما الأفلام الروائية السبعة المعروضة، كان بعضها أقرب إلى الدعاية من كونه فيلم، وبعضها الآخر ضعيف على مستوى الشكل والمضمون، “بهية ومحمود” كان أفضلهم رغم لهجة شخصيات الفيلم اللبنانية التي خلقت مسافة لدى المشاهد الأردني، فكان من الصعب عليه أن يشعر بأنه فيلما أردنيا، أما جائزة الجمهور فكان من السهل التكهن بها قبل إعلان النتائج إذ طغى على الحضور طلاب المدرسة التي انتجت الفيلم.

على الهامش
أقيمت على هامش المهرجان ما رغب المنظمون الفرنسيون تسميته بورشة عمل حول النقد السينمائي مع الناقد الفرنسي (جون ميشيل فرودون)، لكن في الواقع لم يتم الاعداد والتحضير لها، لذا تحولت إلى دردشة حول نقد الفيلم؛ كذلك بمناسبة يوم الموسيقى خصص يوم كامل للعروض الموسيقية الحية، كما خصص يومين لمهرجان وظائف المهن السينمائية، الذي يتيح للراغبين بالتعرف على الوظائف الشاغرة في مختلف المهن السينمائية في الأردن والتواصل مع أصحاب العلاقة.


إعلان