الخلافات الزوجيّة في السينما الإيرانيّة

على مدار 123 دقيقة هي مدة عرض الفيلم الإيراني “انفصال نادر وسمين” تابعت “الجزيرة الوثائقية” تفاصيل الخلافات الزوجية بين الزوج “نادر” والزوجة “سمين” والتي نسجها السيناريست الإيراني “أصغر فرهادي” ( وهو نفسه مخرج الفيلم) بخيوط متشابكة ومعقدة بنفس تعقيدات الواقع, إلى أن تصل النهاية يجيئك كمشاهد بينما لا تزال القضية الزوجية تنظر في محاكم الأسرة.
على الرغم من النكهة الإيرانية لقصة انفصال نادر وسمين إلا أن الطابع الإنساني يغلب عليها, فالزوج يغضب حين يعرف أن زوجته تعامل والده المسن معاملة سيئة, ويقرر طرد الزوجة من المنزل, انتصارا لأبيه, بينما هناك سوء تفاهم لا يستطيع الأب المسن توضيحه لعدم قدرته على الكلام نظرا لتأزم حالته الصحية, ويصل الخلاف بين الزوجين إلى قاعات المحاكم, أين يحاول الأهل الصلح بينهما من خلال جلسات عرفية لكن كل المحاولات تبوء بالفشل وتتفاقم المشكلات بينهما, والأولاد يكونوا هم الضحية؛ لتنتهي الأحداث بينما لا تنتهي المأساة, فآخر مشهد يكون للزوج حيث يجلس في قاعة انتظار بالمحكمة ليتابع مرحلة جديدة من مراحل قضيته الزوجية المعقدة.
الفيلم من إنتاج العام 2011 وتمّ عرضه ضمن فرع “آفاق” بمهرجان “كارلوفي فاري” بالتشيك والذي انتهت فعالياته منذ أيام, وهو الفيلم الإيراني الوحيد بالمهرجان وشارك في بطولته كلا من “ليلى حاتمي”، و”بيمان موعادي”، و”شهاب حسيني”، و”سارح بيات”، و”سارينا فارهادي”.. وعدد من نجوم السينما الإيرانية الشباب.
تعد هذه خامس تجربة إخراجية للمخرج “أصغر فرهادي” الذي تخصص فيما قبل في إخراج الأفلام القصيرة, وحازت أعماله بتقدير دولي من خلال فوزه أكثر من مرة بمهرجانات دولية, وقد استخدم “أصغر فرهادي” لغة سينمائية بسيطة للتعبير عن مشكلة إنسانية- إجتماعيّة قد تحدث في أي مكان, ولم يستغرق المخرج في تفاصيل محلية تتعلق بالثقافة الايرانية, وبالتالي بدت القصة في مجملها ذات طابع إنساني مأساوي.

مخرج الفيلم “أصغر فرهادي”

برع المخرج “أصغر فرهادي” في استخدام أدواته كمخرج, وأهم تلك الأدوات الممثلين الذين يقفون أمام الكاميرا, خاصة الأطفال الذين جسدوا شخصيات أبناء “نادر” و”سمين”, واستطاع المخرج أن يخرج من هؤلاء الأطفال أفضل ما عندهم, لنجدهم في مشهد الانفصال يبكون بكاء شديدا ويقفون حيارى لا يعرفون كيف يتصرفون, فهم يحبون الأب ويحبون الأم, ولا يريدون الانفصال, بينما أصبح الانفصال قدرا محتوما.
تصل المشاعر الإنسانية إلى ذروتها مع الإبنة الكبرى ذات العشر سنوات حينما تبدو متماسكة تحبس دموعها وتحاول إقناع أمها بالعيش مع الأب، فتصرخ الأم في وجهها, وتقول لها اتركيني ثم ما تلبث أن تحتضنها وتطرح عليها خيار المجيئ معها أو البقاء مع والدها, ثم يحين موعد المحكمة لتقف الطفلة أمام القاضي الذي يسألها “هل تعيشين مع الأم أم مع الأب؟” فتصمت الفتاة فيقال لها :”ألم تقرري قبل المجيئ للمحكمة؟”   فتقول: “طبعا قررت ” ثم تبدو الدموع في عينيها وتصمت, فيقول لها القاضي :”اخرجي الآن وقرري ثم أبلغينا بقرارك لاحقا”.

شحنة كبيرة من المشاعر الإنسانية يحملها فيلم “انفصال نادر وسمين” ولغة بصرية بسيطة ومفهومة يستخدمها المخرج للتعبير بأدواته عن مشكلة تحاكي ملايين المشكلات في كل بلد, وإ كانت النكهة الإيرانية أعطتها طابعا مميزا, وإن كان المأخذ الوحيد هو تلك النهاية المفتوحة, فقد تمنى عدد كبير من النقاد – خلال أحاديث جانبية عقب عرض الفيلم – أن تكون النهاية محسومة وواضحة, خاصة في تلك النوعية من القصص الإنسانية المعقدة.


إعلان