مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تحت المجهر
نصّ هذا المقال مقتبس من المدوّنة الإلكترونية لمدير مهرجان القاهرة السينمائيّ، تليه محادثة إلكترونيّة بين الكاتب “صلاح سرميني” و”أحمد يوسف”، تناقشا فيها عن خلفيّات إلغاء المهرجان، وواقع السينما المصريّة بعد ثورة الـ 25 من يناير.
(منذ سنواتٍ، كان السيد “شريف الشوباشي” رئيساً لمهرجان القاهرة للسينما، وفجأةً، طلع علينا بمفاجأة، أنه يريد “نقله” إلى مدينة شرم الشيخ ـ تصوروا لو أن ذلك قد حدث! ـ، ولم يقل لنا لماذا لا يترك مهرجان القاهرة في حاله، ويقيم المهرجان الذي يعجبه في أيّ مكان آخر، لكنه حاول آنذاك إغراءنا بالفكرة، فقال أنّ رئيس الاتحاد العالمي للمنتجين وعده – إذا حدث ذلك فعلاً– بأنّ الملايين سوف تنزل على مصر، عندما يأتي إليها المنتجون السينمائيون العالميون من الغرب، والشرق.
اليوم، يعود الحديث عن هذا “الاتحاد العالمي”، أو “الدولي” في بعض الأقوال، ويصفونه بأنه “الجهة الدولية التي تمنح الشرعية لمهرجان القاهرة، وتعتبره من أهم المهرجانات السينمائيّة الإحدى عشرة على مستوى العالم ككلّ”، وأن هناك اتصالاتٍ تُجرى حاليا لمنع “سقوط المهرجان في الدرجة الثانية لو ألغى موعد انعقاده”، وقد تكررت هاتان الجملتان بين القوسين في صحفنا الفنية، كأنهم مثلا يتحدثون عن الأمم المتحدة، لكن الحقيقة أنهما من بين عباراتٍ ينقلوها دون أن يتساءل أحد عما إذا كانت تعني شيئاً حقيقياً، أم أنها مجرد لغوٍّ يكرره بعض من لا يعلمون وراء بعض المغرضين ؟!
ما هو هذا “الاتحاد العالمي” الذي يشبه اللهو الخفي؟ وما هي سلطاته على المهرجانات؟ وما هي الجهة في مصر التي تقدمت إليه لتكون عضواً فيه ؟ وبالمناسبة، ما هي الجهة التي تدفع لأعضاء إدارة المهرجان مرتباتهم، ولماذا تدفعها إذا كانت غير الجهة الأولى؟ وما هي المهرجانات العشر الأخرى في لجنة الاتحاد الدولي؟ وما معنى رقم 11؟ وهل مهرجان القاهرة أهمّ من مهرجانيّ “لندن” و”تورنتو” مع أنهما ليسا في القائمة المزعومة التي تضمّ أربعة عشرة مهرجاناً، وليس الإحدى عشرة؟ وهل هذان المهرجانان “درجة ثانية” ؟
أتمنى بأن يهتم أحد بالبحث عن إجاباتٍ لهذه الأسئلة، وساعتها سنعرف أننا ضحية من ورثوا مهرجاناً سينمائياً، ولم تكن لهم بأيّ علاقة بالسينما، وصنعوا حوله الكثير جداً من الأوهام، والمغالطات، وحولوه إلى “سبوبة” يأكلون منها بقلاوة، ويسافرون هنا، وهناك في المهرجانات العالمية على حساب البسطاء الذين لم يدخلوا السينما طوال حياتهم، وأرجو أن يبحث لنا وزير الثقافة عن إجابة، بعدها سوف يدرك أنه لو ظلت السينما، ومهرجانها أسيرين لمن اختطفوهما لصالحهم بفضل غفلتنا، واختفوا وراء تلك المفاهيم المتداولة، سوف نظلّ، كما كنا طوال ثلاثين عاماً، بلا ثقافة حقيقية، حتى لو كان لدينا منصب اسمه وزير للثقافة)
ـ أحمد يوسف ـ
***
بداية الحوار:
تحت عنوان “سرّ اللهوّ الخفيّ في مهرجان القاهرة السينمائيّ”، كتب الناقد المصري “أحمد يوسف” في مدونته انطباعاتٍ أثارت اهتمامي، ورغبتي في تطوير إمكانيات الحوار، والنقاش بهدف محاولة التخلص من ممارساتٍ، وظواهر غريبة تُفسد الثقافة السينمائية العربية، وحالما قرأت تلك الكلمات، بحثت عن عنوان من كتبها، ودار بيننا حوار تلقائيّ، أنشره بمُوافقته بعد إضافة بعض اللمسات التحريرية :
ـ لا أعرف إن كانت العناوين أعلاه تخصّ الناقد السينمائي المصري “أحمد يوسف” ؟، إن كانت كذلك، يُسعدني إعلامكَ، بأنني قرأت منذ لحظاتٍ موضوعك (سرّ “اللهو الخفيّ” في مهرجان القاهرة السينمائي)، وقفزت من الفرح، مجازياً لأنني ومنذ زمنٍ طويل، أفكر في كشف هذه الكذبة، ولم يسنح لي الوقت بعد، أو بالأحرى كلما بادرت بالكتابة، يشغلني موضوع آخر أكثر إلحاحاً، ولكن ها أنتَ تسبقني، وأعترف بذلك.

في الحقيقة، لا يهمّني أن تروّج إدارة مهرجان القاهرة هذه الكذبة الكبيرة، ولكن ما يُغضبني سماعها على ألسنة العاملين في الوسط السينمائيّ المصري، والعربيّ، واستخدامها في كتابات الكثير من الصحفيين، والإعلاميين حتى بدون أن يعرف هؤلاء الاسم الكامل لهذا الإتحاد، ومهامه، ويتناقلون معلوماتٍ خاطئة، أشرتَ بدوركَ إلى بعضها، وعندما يواجههم واحدٌ من اليقظين ببعض الحقيقة، يتلقى ردوداً عدوانية تستند على حماسٍ زائدٍ يضرّ بسمعة مهرجان القاهرة أكثر مما ينفعه.
رُبما تعرف بأنني أعيش في باريس، ومقرّ هذا الإتحاد يقع على بعد محطات مترو من مسكني، مع أنّ مكالمةً هاتفية واحدة تكفيني، والمعلومات عنه متوفرة في موقعه الرسمي، ومواقع أخرى.
لقد شجعتني جدياً على كشف هذا الكذب، وأتوقع بأن لا يقتنع أحد بما سوف أكتبه، لأننا نريد الاسترخاء في حالةٍ من الوهم، وبناء أساطير جعلتنا ننتظر أعواماً كثيرة كي نكشف عن غضبنا ضدّ أنظمةٍ لم يصمد بعضها أكثر من أسابيع، لماذا كنا نخاف إذاً ؟ هل كنا نتلذذ بعذاباتنا ؟.
كنت أتمنى بأن يثور كلّ واحدٍ منا على نفسه أولاً، هل تعتقد بأنّ هذا الفساد العامّ الذي نكتشفه، ونكشفه هو فقط حصيلة فساد الأنظمة ؟
كيف تفسرّ إذاً ردود أفعال صحفييّن، ونقاد يعيشون اليوم أوجَ حماسهم للثورة في بلادهم، هؤلاء أنفسهم، وقبل شهورٍ قليلة، رفضوا بعنفٍ، وسخرية مبادرةً “مدونة ملعونة” أخذت على عاتقها الكشف عن أوجه الفساد في الوسط الصحفيّ والنقديّ العربي، حتى أنّ البعض تعاطف مع اللصوص، والعابثين في الثقافة السينمائية بينما أقلّ ما قيل عني، بأنني “بلطجيّ” أريد تشويه سمعة النقاد الشرفاء، وأصفي حساباتي معهم، وأنها ليست مهمتي، وهل يتوّجب علينا الانتظار ثلاثين أو أربعين عاماً كي نتوجه إلى الساحات والميادين، ونطالب بسقوط العابثين في الثقافة السينمائية العربية ؟
بدوري، سوف أحقق ما تمنيتَ “بأن يهتمّ أحد ما بالبحث عن إجاباتٍ لهذه الأسئلة”.
أُعلمك، بأنني، وبمحض إرادتي، توقفتُ عن متابعة هذه المهرجانات التي يُقال عنها “دولية”، و”معترف بها” (وأحتفظ برسائل الاعتذار )، وأفضل حالياً متابعة المهرجانات “غير الدولية”، و”غير المعترف بها”.
“أحمد يوسف”: أشكرك على الاهتمام بالمقال الذي نشرته في مدونتي، ومدوناتٍ أخرى، وأرغب الإشارة بأنّ أحداً في مصر لم يحرك ساكناً، أو يعلق بكلمةٍ واحدة على الأسئلة التي جاءت فيه، وهي أسئلة، أنت أول من يعلم، بأنّ إجاباتها متاحة لأيّ إنسانٍ لو أراد، واعتاد أن يراجع الأقوال التي يرددها الجميع، وكأنها آتية من السماء.
في الحقيقة، ينسحب هذا الأمر على ظواهر كثيرة جداً الآن في مصر، فهل تصدق مثلاً، بأنّ معظم النقاد المصريين توقفوا تماماً عن مشاهدة أهمّ الأفلام في العالم، في الوقت الذي أصبحت متوفرة لمن يريد، وأجد شباباً من عشاق السينما يتابعونها أكثر من أيّ ناقدٍ مصري.
موضوع مهرجان القاهرة “الغامض” جزء من حالة تدليسٍ عامة تنتشر في المجتمع المصري، وأصبح طرفاها – النصاب والضحية – يستمتعان تماماً باللعبة.
نعم، لا يزال هناك الكثير لنفعله كي يصبح “المثقف” المصري “إنساناً” يستخدم ملكاته العقلية، وأرجو أن ينجح الجيل الشاب في التمردّ على هذه المُفارقة المضحكة المبكية.
ـ كلماتكَ عن النصّاب والضحية، لفتت انتباهي إلى أفكارٍ تدور في ذهني، وذكرتني بعقدة ستوكهولم..:
منذ فترةٍ طويلة، وأنا أفكر بموضوع “الاعتراف الدولي” الذي يتشدّق به 99 بالمائة من الوسط السينمائي المصري، ووضعتُ الملف جانباً، وتأجل الحديث عنه.
“أحمد يوسف”: أنا في انتظار مقالك على أحرّ من الجمر، أرجو أن يتمكن أحد من الذين يقفون وراء التدليس، أو على الأقل يجعلهم يحرجون من جهلهم “المتعمّد” هذا.
ـ لقد جمعتُ بعض المعلومات عن الإتحاد، وسوف أبدأ الكتابة غداً، وأنوي الاستعانة برسائلنا المُتبادلة، وتحويلها إلى حوار، ربما يُنشر هكذا، أو أضعه في هامش قراءتي كما أفعل غالباً.
بإمكاننا التحاور بهذه الطريقة الارتجالية، أسألك مثلاً : ما هو هذا الإتحاد ؟، وتردّ بدورك، ومن ثمّ، ما هو الضرر من تصريح إدارة مهرجان القاهرة بأنه واحد من المهرجان العالميّة الإحدى عشر التي يعترف به الإتحاد؟
(ملاحظة: حتى معلوماتهم عن عدد المهرجانات قديمة، وأشكّ بأنهم يتصفحوا موقع الإتحاد الذي يشير إلى أربعة عشر مهرجانا للأفلام الطويلة، وعشرات المهرجانات الأخرى المتخصصة، وهم يتوقفون عند الرقم الأول).
على أيّة حال، أعرف كيف تتأسّس الجمعيات في فرنسا، وأهدافها المتعددة، ومنها حماية، وتنظيم مهنة معينة.
المُفارقة، بأنّ بعض الأشخاص ممن يتفاخرون باعتراف الإتحاد لمهرجان القاهرة، ومنحه صفة الدولية، اعترضوا بعنفٍ، وسخرية ـ أيضاً ـ على مساهمتي في تأسيس “الإتحاد الدولي لنقاد السينما العرب”، والطريف، بأنهم لم يعترضوا على “دولية” الإتحاد فحسب ولكن، على فكرة تأسيسه أصلاً، وكأنّ هذا الأمر يخصهم وحدهم، ولا يحقّ لي الاقتراب من نشاطٍ سينمائيّ، حتى وإن كنتُ بعيداً عنهم آلاف الكيلومترات، وتسمح لي قوانين البلد الذي أعيش فيه بتأسيس ما أشاء من الجمعيات، الاتحادات، المنظمات، والهيئات المحلية، الإقليمية، الأوروبية، الدولية، والكونية..
ومن المؤسف، بأنّ نفس هؤلاء الأشخاص الذين سخروا سابقاً من فكرة “المدونة الملعونة”، و”الإتحاد الدوليّ لنقاد السينما العرب”، هم اليوم من أشدّ المُتحمّسين للثورة في بلادهم، وقبل أن تصيبني “لعنة” قوائمهم أو بركاتها، أعود إلى “لعبة” الأسئلة، والأجوبة المُتخيلة.
مثال آخر: ما هو الفرق بين الاعتراف، والاعتماد ؟

أيّ صحفيّ، إعلاميّ، أو ناقد ينوي متابعة مهرجان سينمائيّ ما، عليه أن يقدم طلباً، ويملأ “قسيمة تسجيل”(وهي بالمناسبة أبسط المُبادرات التنظيمية الجديدة التي رفضها بعض الصحفيين، والنقاد العرب).
كلّ من يرغب متابعة مهرجان “كان” الأعظم، يجب أن يقدم طلباً، وينتظر موافقة المكتب الصحفيّ، وكلهم ـ ما عدا استثناءاتٍ نادرة ـ يسافرون، ويقيمون في “كان” على نفقتهم الخاصة ولكن، هل يعني ذلك بأن المهرجان منحهم صفة الدولية، أو العالمية ؟
“أحمد يوسف”: لا مانع على الإطلاق من فكرة الحوار، وهو مقالك في النهاية، وأنت الأقدر على اختيار الشكل الأنسب، أوصيك بأن لا تنسى مسألة ترتيب الـ 11 المزعوم، والحديث عن الأمر وكأنه ترتيب دخول الجنة، يعنى أنّنا من الـ11 المبشرين بدخول الجنة بتصريح من إتحادٍ دولي.
هل تعرف ما يؤرقني حقاً ؟ أننا لم نسأل أنفسنا قط ما هي الفائدة التي تعود على السينما من المهرجان؟
ليست هذه دعوة لإلغائه كما يفعلون الآن، وإنما لأن يصبح له معنى، ومغزى.
ـ الرقم ليس 11، وإنما 14، وهي المهرجانات المُعتمدة التي تتضمّن مسابقة دولية، وهناك قوائم أخرى نسيتها إدارة مهرجان القاهرة، لا تذكرها، كي لا يزداد العدد رُبما، ويبقى عند الرقم 11، وهي قائمة مهرجاناتٍ بدون مسابقة دولية، وأخرى متخصصة لم يسمع عنها أحد، وثالثة، ورابعة،……
ببساطة، لا توجد أيّة علاقة بين هذا “الاعتماد الأسطوري” وأفضل وأكب، وأحسن مهرجان.. وإنما يتعلق بمعايير تقنية تخدم مصالح جمعيات المنتجين (والمهرجانات ليست أعضاء)، وأي مهرجان يلتزم بشروطٍ تقنية، واعتبارية، ويدفع اشتراكاتٍ سنوية باهظة، يحصل على “اعتماد” (أراهن إدارة مهرجان القاهرة بأن تكشف عن فائدةٍ واحدة تجنيها من هذا الإتحاد/ الاعتماد).
“أحمد يوسف”: أنا أعلم بأنّ القائمة إياها تتضمّن (حتى الآن، والعدد قابلٌ للزيادة بالطبع) 14 مهرجاناً، ولقد ذكرت ذلك في مقالي، ولكن، ما أنتظر تركيزك عليه هو معنى هذه القائمة، هل هي ترتيب تلامذة الفصل حسب شطارتهم مثلا، أم ترتيب جلوسهم في المقاعد، وما هو دور هذا الاتحاد الذي نخاف جداً أن يحرمنا من صفة الدولية كما يقولون، وماذا عن كلّ القوائم الأخرى التي تتضمّن مهرجاناتٍ بالغة الأهمية.
ـ طبعاً، هذا أكيد، ولكن أحاول من خلال رسائلي بأن أثير فيك رغبة التعليق كي أستفيد منها في حوارٍ متبادل، لقد انتهيت للتوّ من كتابة موضوع، وأرسلته إلى موقع الجزيرة الوثائقية، وسوف أبدأ الكتابة عن الـ FIAPF، وتعني (الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام)، وليس (مهرجانات السينما).
ما علاقة منتجي الأفلام بمهرجانات السينما، وما هي سلطاتهم، وصلاحياتهم في منح اعتمادٍ لهذا المهرجان، أو ذاك ؟
بقراءة شروط الإتحاد، سوف نجد بأنها تأسّست كي تجمع جمعيات، ومؤسّسات المنتجين من كل أنحاء العالم، ولا يعنيها من مهرجانٍ ما إلاّ مصالحها المهنية (ولا حتى تنظيم مواعيد المهرجانات كما هو شائع).