“جاذبيّة العرب”..من النمسا إلى اليمن

هل من الممكن أن ينجح الحبّ في تحويل امرأة غربية من رائدات الحركة النسائية في أوروبا كانت تؤمن بنظريات التحرّر والراديكالية إلى زوجة مسلمة تؤمن بالله وترتدي الحجاب وتتفرغ لرعاية زوجها ومنزلها؟؟
نعم .. نجح وتحولت الناشطة النمساوية “باربرا والي” إلى زوجة مسلمة تصلي خمس مرات في اليوم ولا تأكل لحم الخنزير وتمتنع عن شرب الكحوليات, ليس هذا فحسب بل قبلت وارتضت أن تكون زوجة ثانية للسائق اليمني “خضر” الذي قابلته صدفه خلال إحدى رحلاتها السياحية في مدينة عدن باليمن, وربط الحب قلبيهما, لكنه رفض إقامة علاقة جسدية معها إلا بعد أن تتزوجه وتدخل الإسلام, وبالفعل حدث الزواج والآن يعيشان حياتهما بين “صنعاء” في اليمن و”سالزبورغ” في النمسا .
تطوّرات هذه القصة رصدها المخرج/ اندرياس هورفاث، ومعه المخرجة/  مونيكا موسكالا خلال فيلمهما التسجيلي “جاذبية العرب” أو “arab attraction” وهو الفيلم المشارك في مسابقة الأفلام التسجيلية بمهرجان “كارلوفي فاري” المقام حاليا في دولة التشيك .
يبدأ المخرجان النمساويان أحداث فيلمهما بمشهد لـ “باربرا” وهي ترتدي الحجاب وتصلي الفجر وعلى مدار 118 دقيقة عرض الفيلم حديث كلا من “خضر” وزوجته “باربرا” عن استقرار حياتهما الزوجية, ولا يخلو الفيلم من مشاهد قليلة يتحدث خلالها الشيخ عبد الله (من اليمن) بالانجليزية عن نعمة الإسلام وقدرته على تنظيم حياة البشر وهو الرجل نفسه الذي تعتبره “باربرا” مرجعا لها تسأله باستمرار عن أي معلومة تريد معرفتها بخصوص الشريعة والفقه، والفرق بين الفرض والسنة.
في أحد المشاهد يتحدث الشيخ عبدالله عن تشريع الزواج في الإسلام   فيقول: “تخيل أن في صالة منزلك عدد كبير من الناس الجوعى, وفي غرفة تناول الطعام يوجد ما لذ وطاب, هل الأفضل أن تفتح لهم الباب على مصراعيه ليأكل من يأكل ويتخلف من يتخلف؟؟ أم الأفضل أن تنظم لهم وجبات متساوية ليأكل الجميع؟؟ بالتأكيد الاختيار الثاني هو الأفضل, وهكذا ينظم الله حياتنا ويشرع الزواج لتعيش المرأة في حماية زوج واحد يرعاها ويجعلها تشعر بالأمان والاستقرار”.
تميزت عدسة المخرجين “اندرياس هورفاث” و”مونيكا موسكالا” بالإيقاع السريع ومراعاة جماليات الصورة والاهتمام بمفرداتها, فكل ما يظهر داخل الكادر له مغزى درامي يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع الفيلم, وفضلا عن أن مواقع التصوير كانت متعددة بين “سالزبورغ” في النمسا وبين “عدن” و”صنعاء” في اليمن، فقد اهتم المخرجان بتنسيق وترتيب تلك المشاهد, حتى أن الفترة التي كانت تسافر فيها “باربرا” بمفردها إلى “سالزبورغ” كانت تؤدي هناك الصلوات, وفي التوقيت ذاته كان “خضر” يؤدي الصلاة في “صنعاء”.

“بربرا” و”خضر”

تحكي “باربرا” في بداية الفيلم وتقول :” قابلت “خضر” عام 2004 وخطف قلبي لأنه كان متعاون لأقصى درجة, وكنا نعتبره في الرحلة مرشدنا وليس فقط سائقا لنا, واحترمته أكثر لأنه طلب مني أن يتم الزفاف أولا, وقبلت ذلك, كما لم يؤرقني أنه لديه زوجة أولى ولديه منها 6 أولاد, بالعكس أحسه دوما على زيارتهم وأسعد بهذا “.
في مشهد آخر يتحدث “خضر” مع “باربرا” أمام كاميرا الفيلم ويقول لها بلطف :”يجب أن ترتدي الحجاب أنت الآن امرأة مسلمة ولا يصح أن يتم تصوير شعرك” فتستجيب له وترتدي حجابها ويبتسمان لمخرجي الفيلم وهما يقولان:”قواعد الإسلام ليست تعسفية وإنما نطبقها بسعة صدر لأن فيها مصلحتنا”.
المهم أيضا في الفيلم أن المخرجين سلطا الضوء على درجة تدين خضر والتي لم تصل إلى حد التشدد, حيث ظهر في أكثر من مشهد يستمع للأغاني في سيارته ويتحاور في الأسواق بـ”اليمن” مع زملاء له حول الأسعار والغلاء وضرورة أن “يفاصل” الزبون مع البائع حتى يحصل على أفضل سعر كما يجالس المدخنين ويتبادل الحديث معهم حول الوضع العربي الراهن.
اعتمد السرد الدرامي للفيلم على مونتاج عالي الدقة وله فلسفة واضحة في ترتيب المشاهد, فالفيلم يبين الفوارق الثقافية بين “باربرا” و”خضر”, ففي حين تتجول هي في معرض للفن التشكيلي في “سالزبورغ” تعود الكاميرا بسرعة لترصد “خضر” يتجول في أسواق بدائية باليمن, وتؤكد المشاهد التالية لذلك على أن تلك الفوارق الثقافية لم تعكر صفو حياتهما الزوجية لأنها – أي “باربرا” – أسلمت عن قناعة وتعيش مع “خضر” الذي يبادلها الحبّ والاحترام .
وفي مشهد احتفالي آخر ل”باربرا” في “سالزبورغ” نجدها تشرب عصير برتقال في حين تشرب زميلاتها مشروبات كحولية دون أن يحدث صداما بينهما فكلاهما حرّ, يشرب ما يشاء .. هكذا تقول عدسة “اندرياس هورفاث” و”مونيكا موسكالا”.

يختتم المخرجان فيلمهما كما يبدءانه – بصوت الآذان – وقبله تتحدث “باربرا” عن حياتها حاليا وتقول: “اشعر أنني سعيدة ومطمئنة, لست خائفة من الموت الآن, إن حياتي تتسم بالسلام النفسي, أعبد الله وأطيع زوجي وأسافر لأهلي وصديقاتي.. التفرغ لحياتي العائلية له مذاق خاص فقد عشت لفترة كمديرة لمنظمة حقوقية مهمة في “سالزبورغ”, لكنني الآن مديرة لمنزل الزوجية.. ما أجمل هذه الحياة.”

 


إعلان