سلسلة تسجيلية ترصد عودةالشباب البريطاني الوطن الأم
بعد النجاح الذي ناله الفيلم التسجيلي (أفغانستان: نساء ، زفاف ، حرب وأنا ) والذي عرض العام الماضي في التلفزيون البريطاني ، وبيع بعدها إلى عدة محطات تلفزيونية أوروبية، عرضت القناة التلفزيونية الثالثة لهيئة الإذاعة البريطانية مؤخرا، فيلم ( مكان خطر لمقابلة العائلة) والذي يسير بالاتجاه نفسه للفيلم السابق، لينضم فيما يبدو، إلى سلسلة من الأفلام التسجيلية، التي تركز على حياة الشباب البريطاني المسلم، الذي ولد أو قضى معظم حياته في بريطانيا، والعلاقات التي تصل إلى التعقيد بين أبناء هذا الجيل مع بلدان الآباء الأصلية.
يرافق الفيلم الأول بطلته الشابة “نيل” ، إلى العاصمة الأفغانية “كابول”، فيما يعود بطل الفيلم الثاني “دين” إلى اليمن؛ كلا الزيارتين لن تكونا عاديتين على الإطلاق، بسبب أوضاع البلدين الأمنية، والتي إستدعت فريقين أمنين بريطانيين ليرافقا شخصيتا الفيلمين الرئيستين في رحلتهما إلى بلاد الأجداد؛ هذه الاحتياطات الأمنية والتي أشار إليها الفيلمين في مناسبات مختلفة، فرضها بشكل أساسي وجود فرق تصوير أجنبية مع شخصيتي الفيلمين، فالوضع الأمني في أفغانستان أو اليمن ليس بهذا السوء، الذي يفرض حراسة أمنية على أيّ زائر يحمل جنسية أجنبية، خاصة إذا كان هؤلاء الزوار من أصول البلد نفسه، ويحملون سحنات أبنائه ويتكلمون لغتهم. الأمر الذي جعل تناول الترتيبات الأمنية مناسبة، لتضخيم مهمة الشخصيتين الرئيسيتين والفيلمين أيضا.
يبدأ الفيلمان بمشاهد للبطلين من حياتهما اليومية في بريطانيا؛ تعيش الفتاة الأفغانية المرحة والمولودة في “كابول” منذ أكثر من خمسة عشر عاما مع عائلتها الصغيرة في العاصمة البريطانية لندن؛ فيما يسكن البطل اليمني والمولود في بريطانيا، في مدينة “شفيلد” في وسط انجلترا، مع والدته اليمنية ووالده البريطاني.
هناك الكثير الذي يجمع البطلين: العائلة التي تنتمي للطبقة المتوسطة، والتي بدت راضية كثيرا بخيارها بالعيش في بريطانيا.علاقة الشخصيتان ببلدان الآباء، والتي لا تحمل الرفض أو التعالي الذي يحمله بعض أبناء المهاجرين، أو إصباغ المثالية الممتزجة بتلبس دور “الضحية” عن تلك البلدان، والتي يحملها آخريين.
بدت علاقات الشخصيتين مع بلدان آبائهم، وكما وصفوها في مقدمة الفيلمين صحية كثيرا، هم وجدوا مكانهم في بلدهم الجديد، لكن علاقتهم مع البلدان “الأصلية”، مازالت مشبوبة بالعاطفة، وتثير الفضول، وتفجر الكثير من الأسى، بسبب ما تمر به تلك البلدان من مشاكل أو مآسي.
يستمر التشابه بين شخصيتي الفيلم الرئيستين حتى بعد وصولهما إلى أفغانستان واليمن، فكلاهما مازال يملك شبكة الأقارب الواسعة هناك، وعن طريق أولئك الأقارب، سنتعرف على الكثير من التفاصيل المهمة عن الحياة اليومية في البلدين، وسيوفر هؤلاء الأقارب بمعضلات حياتهم المستعصية، النافذة على مجتمعات مغلقة وإلى حد كبير بوجه الإعلام الشائع.
تركز الفتاة الأفغانية في فيلم (أفغانستان: نساء، زفاف، حرب وأنا) ، على حال الفتيات والنساء الأفغانيات؛ وتتعرض البطلة التي لم تتخلى عن مرحها، حتى في أكثر المواقف سوداوية، إلى حياة النساء الأفغانيات بعد انتهاء حكم الطلبان.
إذ تزور سجن نساء ، تقابل بطلات برنامج تلفزيوني من برامج تلفزيون الواقع، تلقين بعد ظهورهن التلفزيوني لتهديدات بالقتل، ويعشن تحت حماية الشرطة الدائمة.
كما تقابل برلمانيات أفغانيات، يتحدثن بحزن عن مشاعر الاحتقار والكره، التي يواجهنها من زملائهن الرجال في البرلمان الديمقراطي.
كما تزور الفتاة التي لم تتجاوز الواحدة والعشرين من العمر مستشفى لعلاج نساء أفغانيات، تعرضن للحرق من قبل أزواجهن أو عائلاتهن، كنوع من العقوبة الشائعة هناك, ورغبة منها في تقليل الانتباه الذي يرافقها في تجولها في شوراع مدينة “كابول”، تجرب الشابة البريطانية ارتداء النقاب الأفغاني المعروف؛ وهي التجربة التي لم تستمر إلا لدقائق معدودة فقط بسبب ضيق التنفس الذي كاد يقضي عليها، وكما وصفت في المفكرة الفيديوية التي كانت تسجلها مساء كل يوم من أيام زيارتها لأفغانستان.
واذا كانت رحلة الفتاة الأفغانية في فيلم (أفغانستان: نساء ، زفاف ، حرب وأنا) حفلت بالكثير من التفاصيل، واجهت سفرة زميلها اليمني في فيلم (مكان خطر لمقابلة العائلة) الكثير من المصاعب، منها نفسية للبطل الشاب، والذي بدا عليه التأثر الشديد طوال وقت الفيلم ، وانهار أحيانا في موجات بكاء شديدة، بعضها أثناء مقابلات عادية أجراها مع أفراد من عائلته، منها مع جدته والتي تحدثت عن حياتها الشخصية، بغياب الأبناء.
كما اثر الوضع الأمني في اليمن وقتها على كثير من خطط الفيلم، فأثناء وجود فريق التصوير في اليمن، تعرض السفير البريطاني هناك إلى محاولة اغتيال كادت تقضي عليه؛ في المقابل خصص فيلم (مكان خطر لمقابلة العائلة) كثير من الاهتمام لتنامي نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن، والحرب الدائرة بين الحكومة اليمنية والموالين لتنظيم القاعدة؛ وعندما قابل الشاب البريطاني اليمني قريبة الطفل الذي أصيب بشظية في رأسه، بدا أنه وجد الهدف الذي سيخصص له الكثير من جهده ووقته بعد عودته إلى بريطانيا، إذ يبدأ حمله لجمع نقود لعلاج قريبة الطفل من الإصابة الخطيرة التي تهدد حياته.
يسجل الفيلمان انطباعات ما بعد الرحلة في الجزء الأخير من الفيلم؛ تؤكد “نيل” بأنها صارت تقدر بشكل أكبر حياتها في بريطانيا والحريات الكبيرة للنساء فيها، وأنها تبحث عن دور لمساعدة النساء الأفغانيات في بلدها، فيما ينشغل “دين” بجمع المال بين بريطاني مدينته؛ في أحد مشاهد الفيلم الختامية، يتصل بقريبه المجروح ليخبره بأنه يقترب من تجميع المبلغ الضخم اللازم لعلاجه خارج اليمن.
يحقق الفيلمان كثيرا من أهداف قناة (بي بي سي) الثالثة، والتي بدأت بالبث قبل سنوات قليلة، وتتجه إلى جمهور بريطاني شبابي، فالفيلمان يوفران معلومات ضخمة عن أفغانستان واليمن موجه لشباب بريطاني، لا يهتم معظمه بإخبار السياسية أو العالم. كذلك يساعد الفيلمان على توجيه الانتباه والتفهم لأزمات الشباب البريطاني المسلم، وتشتته أحيانا بين حياته في بلده الحالي، وارتباطه مع بلد آبائه.