مستقبل السينما العربية بعد الثورات الشعبية
من السابق لأوانه الحديث عن مستقبل السينما في ظل الثورات..
يقال ” أن الصورة هي ما يلج إلينا ليصبح فنا ” ويجزم الكثير بأن السينما هي إحدى متنفسات الشعوب للتعبير عن الواقع وعما يختلج الإنسان من أفكار بقسط من الحرية والجمالية.
الحديث عن ثورات اليوم صاحبه حديث عن سابع الفنون، ولما انطلق قطار التغيير من الخضراء تونس، عبقت شوارعها برائحة الياسمين وجعلت شعبها يتنفس الحرية، لينتقل نسيمها إلى الشقيقة مصر مهد الحضارة العربية والإسلامية، و ليمتد تيار المطالبة بالتغيير إلى عدد من الدول العربية كـ: ليبيا، سوريا، اليمن.. وغيرها.
وبحكم أن الصناعة السينمائية في مصر صناعة متطورة مقارنة بدول عربية أخرى فإن الانشغال والاهتمام بالتغيير أراد أن يواكبه نقلة في المشهد السينمائي كغيرها من بلدان العالم العربي الذي قد يشمل تغيره كل مجالات الحياة وقطاعاتها.
الميدان يحرر الخيال و ينقل إرادة شعب مجابه للنظام بامتياز

الحديث عن مسار ومستقبل السينما المصرية التي تعتبر من أعرق التجارب السينمائية في العالم العربي بدأ من ميدان التحرير بعد أن أصبح انشغالا رفع منذ الأيام الأولى لثورة مصر بفضل واقع فرضته قناعة شعب ثائر قوته أثبتت هشاشة النظام بعد أن أسقطت إرادة الشعب النظام الأسبق للرئيس حسني مبارك، فمنذ ذلك الوقت تنبأ سينمائيو مصر بعد انقسامهم بين مؤيد ومعارض بتحرر القطاع السينمائي من القيود التي لا طالما كانت عائقا للعميلة الإبداعية رغم جرأة الطرح في أعمال بعض مخرجي مصر، هو ما أكده الناقد المصري “مصطفى الكيلاني” الذي كان أحد المنادين والمشاركين في التغيير من ميدان التحرير والذي إلتقته “الجزيرة الوثائقية”، و في سؤال عن مدى تأثير وانعكاس الثورة على الإنتاج السينمائي المصري أكد “الكيلاني” بأنّه ”سيكون للثورة انعكاس وتأثير على السينما المصرية ككل ففي السابق كان الإنتاج السينمائي المصري مرتبط ببعض الشركات الاحتكارية الكبرى التي سيطرت على العديد من الإنتاجات، بينما اليوم المعطيات تغيرت خاصة بتوفر مساحات كبيرة للعرض فالآن يمكن لكل من يحصل على ترخيص أو تصريح أن ينتج و ينجز فيلما سينمائيا ويعرضه حتى في الشارع وبكل حرية ”…
ويرى ذات المتحدث أن السينما المصرية ستكون في أفضل حالاتها وفي أوّج عطاءاتها بعدما أزيلت من طريقها مجموعة القيود التي كبلت صناع العرض السينمائي بمصر لسنوات طوال فالبوادر الأولى توحي بأن المشهد السينمائي بمصر ينعم اليوم وأكثر من أي وقت مضى بكمّ هائل من الأفكار والحرية وهذا بتحرر الخيال سواء عند المشاهد أو صناع العرض السينمائي وبالتالي هذه كانت إحدى النقاط الايجابية التي أفرزتها الثورة ونقاط أخرى شكلت موضوع حديثنا ونقاشاتنا اليومية في ميدان التحرير بشكل مستمر ودائم.
و بلغة الأرقام التي لا تقبل النقاش وصف “الكيلاني” حركية المشهد السينمائي في الأشهر القليلة المنصرمة قائلا ” أنه بعدما حدث في ميدان التحرير من صراع وثوران أفرز هذا الأخير أكثر من ثلاثة مائة (300) فيلم تسجلي قصير كلها إنتاجات حاولت أن ترصد بالصوت والصورة الأيام الصعاب التي عاشها الشعب المصري لتكون بذلك السينما السباقة للتأريخ فتلك الأحداث كتبتها الصورة السينمائية ليدون التاريخ في سجله المليء بالمواقف فيما بعد تلك الحقبة الزمنية لمصر الحديثة التي انقسم فنانيها بين مؤيد لإرادة الشعب ومعارض لنظام الدولة وبين مساند للنظام ورافض للثورة.
وهو ما تجلى في المشهد السينمائي الذي سيعرف بدوره حركة تغيير مماثلة فقد أورد “الكيلاني” في ذات السياق مردفا بالقول ”إن أول قائمة سوداء وضعت في مصر كنت أول من وضعها وأظن أنها أتت ثمارها و نتائجها وهذا تجلى في مقاطعة أعمال عدة فنانين كآخر أفلام “طلعت زكريا” الذي تطاول وصرح بدل المرة مرات – حسب الكيلاني – أن ميدان التحرير كان مسرحا للممارسات الجنسية وغير ذلك في الوقت الذي كانت فيه الناس تواجه وتصارع الموت يوميا في الميدان، فآخر أفلام طلعت زكريا ”فيل في منديل” وهو فيلم كوميدي تمت مقاطعته ولم يحقق أي إيرادات فنحن يضيف “الكيلاني” في معرض حديثه ” لسنا ضد من كانت لديهم مواقف من الثورة بل ضد من تطاول على المتظاهرين وشكك فيما حدث في الميدان ففي الأخير من حق أي إنسان أن يكون معارضا للنظام أو مؤيدا له حسب استفادته منه”.
توثيق استعجالي للأحداث و ابتعاد عن الصناعة السينمائية السليمة
ما هو مؤكد أن العديد من دول العالم العربي على فوهة بركان فإرادة الشعب هناك تسابق نظام حكامها، من جهتها ترى الإعلامية والناقدة السورية “لمى طيارة” أن ما أنتج لحد الآن من أفلام عن الأحداث التي تعيشها البلاد العربية هي أعمال توثيقية إعلامية فحسب، واستشهدت في كلامها بمراسلي ”بي بي سي” الذين صوروا وأنجزوا أعمالا توثيقية من داخل ميدان التحرير بالقاهرة، إذن لا يمكن تصنيفها في خانة الأعمال السينمائية لأنها أقرب للعمل الإعلامي التوثيقي الذي يوثق للثورات من مكان حدوثها.
في حين أن الأفلام الجديدة القائمة بشكل كبير على تركيب لصور الأحداث الشعبية العربية في كل من مصر وتونس وغيرها لا تمثل بأي شكل من الأشكال أفلاما سينمائية وليست سوى أفلام هواة.
و بحكم أن سوريا تعيش أوضاعا مماثلة لما يحدث في الكثير من الأوطان العربية يمكن التوقف كذلك عند الحالة السورية وفي سياق متصل أوردت “طيارة” قائلة أنه ” في ظل الوضع المتأزم والأحداث الاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد لا يمكن أن تكون مصدر إلهام المخرجين السوريين لأنهم يوجدون في قلب الأحداث”.

دعوة لتحرير الإبداع الفني واستغلال المادة السينمائية
أي فعل سياسي، اقتصادي أو اجتماعي يكون له أثر على الآداب والفنون ومن بينها السينما هي رؤية المخرج والناقد المغربي “عبد الإله الجوهري” للموضوع، بحيث يرى أن ما يقع في العالم العربي اليوم سيكون له تأثير، إلا أنه جد متحفظ على كلمة “ثورة”، فكما يقول “الجوهري” الكل يتحدث عن ثورة مصر وتونس … لكن الكثيرين لم يحددوا بعد طبيعة الحدث بالضبط هل هي ثورة، مظاهرات، اضطرابات أم ماذا ؟! وبالتالي يمكننا أن نسميها ثورة أو ما شبه بعد مرور فترة من الزمن بعد خمسة، ستة أو عشرة سنوات حتى يكون هناك فاصل زمني يسمح لنا بالتأمل والتفكير والحكم، جازمًا بأن ما يحدث الآن سيكون له تأثيرا واضحا على السينما العربية، وأننا سنلتمسه في المواضيع والرؤى الفنية.
ويرى المتحدث أن السينما العربية من المفروض أن تستهلك الأحداث لتحول المادة الخام إلى مادة سينمائية و إن لم يكن متفائلا من إستهلاكها واستثمارها بشكل ناجح وسليم، نظرا لضعف السينما العربية، ما يظهر جليّا من خلال تدني مستوى الإنتاج في العالم العربي؛ بحيث تنتج مصر ما قدره أربعين (40) فيلما في السنة، أمّا المغرب فعشرين (20) فيلمًا، بينما ارتفع معدل الإنتاج في الجزائر من فيلم واحد إلى ثلاثة أفلام، ولا يتجاوز عدد الأفلام المنتجة سنويّا الفيلم الواحد في كلّ من: تونس وسوريا، فيما تنتج ليبيا، واليمن صفرا.
لذا يؤكد “الجوهري” على ضرورة الاستغلال الجيد للمادة المتوفرة بين أيدي العرب من أجل تقوية وتعزيز القدرة الإنتاجية، مما يعزز حتما الرصيد السينمائي العربي.
ولكي تكون هناك حركية يجب في هذه الحالة أن نقتدي بالتجارب الناجحة لأوروبا وأمريكا والبلدان العريقة في الإنتاج السينمائي فبمجرد وقوع حادثة مثلا لا بد أن تكتب كقضية ”سترا وسكان” قبل أن يخرج من السجن طرحت في المؤسسات السينمائية الفرنسية أكثر من أربع سيناريوهات حول القضية وستنجز وتنفد بالفعلن بينما في العالم العربي لازلنا نتخبط في عدة مشاكل خاصة ما تعلق بالإنتاج فبالضرورة يكون عدد الأفلام حول هذه المواد الخام ضعيفة إلى حد كبير.
“عبد الإله الجوهري” أكد لـ “الجزيرة الوثائقية” أن ما ينتج في الآونة الأخيرة من أفلام تزامنا مع ما يحدث في مصر، تونس… ليست سوى “أفلاما استعجالية غير ناضجة لا تخضع لمقاييس الصناعة السينمائية ولا ترقى لذاك الحجم والمستوى لأن العمل السينمائي الجيد والمبني على أسس أكاديمية وفنية يحتاج إلى بحث وتروي في التحضير والانجاز لأن السينما ستؤرخ وتوثق على طريقتها لما عاشته شعوب القرن الواحد والعشرين من أحداث وأزمات.”
والحديث عن مستقبل السينما سيكتمل بعدما تتعرف المجتمعات العربية على مصيرها بعد سلسة الثورات التي قادتها الشعوب و جملة التغيرات التي أرادوها لمستقبل أحسن وأفضل.