أي آفاق للسينما التونسية بعد ثورة 14 جانفي

يمثّل مستقبل السينما التونسيّة بعد ثورة شعبها مدار جدل بين المهتمين بالشأن السينمائي وإن جمع بينها التفاؤل بنهضة إبداعية وسينما حرة تخلخل الكثير من الرؤى والأفكار وتعيد المخرج التونسي إلى همومه الجماعيّة بعد أن انساق طويلا وراء هموم فرديّة وهلوسات نرجسيّة عمقتا من عزلته. وفضلا عن توفّر الحرية الضروريّة للإبداع يعوّل هؤلاء على ما أخذ يترسّخ من علاقة جديدة بين المبدع والمتفرج وتوفر المحامل الجديدة وفضاءات للعرض وفرها الانترنات ومواقع التواصل الاجتماعي.

للإبداع عقيدة واحدة هي الحريّة
هذه الإشكاليات كانت حاضرة بقوة في مهرجان قليبية لسينما الهواة. وقد عبر الشباب المشارك عن هذه الانشغالات سواء بأفلامهم أو في النقاشات الدائرة على هامش المهرجان. فهذا المخرج التونسي الشاب وليد الطايع فرغم امتعاضه من مستوى الأفلام التونسيّة المقدّمة في الدورة السادسة والعشرين للمهرجان الدّولي لأفلام الهواة في قليبية واعتباره أنها “ضعيفة مفتقرة للرؤية الجماليّة والعمق الفكري” إلا أنه يعزو هذا الأمر إلى تخلي الكبار عن الشباب وعدم الأخذ بأيديهم وتكوينهم التكوين الصحيح وانصراف هذه الأفلام إلى توثيق الثورة التونسيّة والسقوط في فخّ السهولة والاقتصار على تدوين المظاهرات والاعتصامات والمواجهات مع الشرطة. لكنه يظل متفائلا بمستقبل السينما التونسيّة لأن عقيدة الإبداع هي الحريّة وقد أضحت في متناول الشباب بفضل تضحياتهم. ومن منطلق هذه الحرية فإنه يختار السينما الملتحمة بقضايا الجماهير على خلاف جيل من السينمائيين التونسيين الذين حرّفوا مفهوم سينما المؤلف وحوّلوها إلى نرجسية مفرطة لا تتجاوز الذاتي من المبدع إلى الكوني والإنسانيّ الجماعي. ويرد الفضل في اختياراته هذه إلى نشأته في قلعة يعتبرها السينمائيون التونسيون من قلاع المقاومة الفنيّة في عهد الديكتاتوريّة هي الجامعة التونسيّة للسينمائيين الهواة التي ظل يدين لها بالوفاء بعد انصرافه إلى الاحتراف.

المخرج حبيب المستيري

الثورة السينمائيّة وضرورة تقويض هياكل الاستبداد.
لحبيب المستيري، مخرج فيلم “صور متواترة” الذي يوثق لسينما الهواة في تونس، رأي مخالف  مداره على أن تقهقر السينما التونسيّة يعود إلى القوانين المنظمة للممارسة السينمائيّة التي تدعّم هيمنة المنتج على مصير الفيلم وتهمّش  دور المخرج مع أن هذا المنتج ليس في حقيقة الأمر غير منفّذ يشتغل بما يصيب من الدولة من المنح ومن ثمة يرى أن إصلاح السينما أمر تنظيميّ بالأساس يقتضي تنقيح القوانين الراهنة وإعادة ضبط العلاقة بين أطراف العمليّة الإبداعية مبدعا كان أو تقنيّا أو منتجا وهذا ما سيعمل المركز الوطني للسينما والصّورة على تحقيقه شرط أن يكون خاضعا للديمقراطية في انتخاب مختلف هياكله وقائما على مصادر تمويل مستقلّة وأن يكون مجالا مفتوحا أمام الجميع بعيدا عن سياسة الاحتكار التي عملت الجمعيّة السينمائيّة على تكريسه قبل 14 جانفي لفائدة حزب التجمع المنحل وخدمة لسياساته.

السينما التونسيّة والحاجة إلى روح الابتكار 
ولإقبال زليلة أستاذ جماليات السينما والتحليل الفيلمي بالجامعة التونسيّة موقف مختلف تمام الاختلاف، فرغم انتظامه الحزبي المعرض لسياسات الحكومة زمن بن علي فإنه يحاول أن يقارب المسالة من وجه نظر تحليليّة موضوعيّة بعيدا عن الاندماج العاطفي. وهذا ما يحول دونه والتفاؤل بتغيير جذريّ في السينما التونسيّة في القريب العاجل قائلا ” أنا لا أؤمن بسينما ردّ الفعل أو الانعكاس الشرطي” داعيا السينمائيين إلى الإبداع في هدوء والانصراف ما أمكن عن التطرق إلى موضوع الثورة التونسيّة الآن تجنبا للموقف العاطفي المتشنّج لأن الإبداع يقتضي ضربا من المسافة بحثا عن الرؤية الناضجة العميقة. ولم ينف تخوّفه من أن تفوّت السينما التونسيّة على نفسها الفرصة لتدارك هناتها بطرحها لسؤال الخطأ الذي يؤدي حتما إلى الجواب الخطأ. فالسينمائي أضحى يتساءل “كيف لي أن أتموقع في المؤسسات السينمائيّة بعد إقصاء أتباع النظام السابق منها” وعلى أهمية الهياكل التسييريّة وأهميّة استقلالية هذه المؤسسات يرى إقبال أنّ انصراف المبدع إلى الإداري يؤدي إلى التناحر على المناصب بين الفرقاء الإيديولوجيين وإلى سياسة الإقصاء والتهميش التي كان يتّبعها بن علي. والخطير حسب رأيه أن المتواطئين زمانا مع ديكتاتوريّة بن علي بطريقة أو بأخرى ضمنيّة أصبحوا اليوم فرسانا للثوريّة الفنيّة.

الباحث ولاناقد إقبال زليلة

ويرى إقبال زليلة أنه من الشجاعة الاعتراف بأنّ معضلة السينما التونسيّة لم تكن زمن بن علي مؤسساتيّة بقدر ما كانت إبداعيّة وأن على المخرج التونسي أن يبحث أولا عن سينما مبتكرة عميقة المقاربة الجماليّة قبل أن يرمي بالعبء كله في تقهقره على النظام السابق  فمن الأمانة – عنده – أن نقر بان حجم المضايقات المسلطة على المبدعين في زمن بن علي لم يكن بحجم المضايقات التي كانت تسلّط على السياسيين والحقوقيين.
وفي استقرائه للواقع السينمائي يرى إقبال زليلة أن مستقبل الفيلم التونسي سيتحقق من خلال سينما الهوامش فقد أثبتت السنوات الأخيرة أن الأفلام التي تركت أثرا في الساحة النقدية لم تكن سينما الشيوخ المتنفّذين ممن تضخ لهم المنح والمكافآت وإنما من إنتاج مستقلين وطلبة سينما ومن رواد الفيلم الوثائقي.

السينمائيون الشباب: “آن لشيوخ السينما أن يتمتعوا بتقاعد إبداعيّ”
يرى أمين عيسى السينمائي الشاب ودارس للفنون الجميلة وصاحب فيلم “الطريق” الذي يوثق رحلة بين تونس وليبيا لجمعيّة خيريّة تأخذ المساعدات إلى الليبيين الفارين إلى تونس من جحيم القذافي في تونس، يرى انه آن الأوان لمن يعتبرون أنفسهم فرسان السينما التونسية أن يترجّلوا وأن يفسحوا المجال للشباب صنع اليوم ثورة عجزوا هم عنها وسيصنع غدا ربيع المشهد السينمائي التونسي لم يكونوا هم قادرين على تحقيقه وهي الآراء التي يشترك فيها مع عدنان المؤدب مخرج فيلم “في الطريق” الذي حاول أن ينقل أحداث الثورة جاعلا من الرسوم على الجدران خيطا ناظما مؤكدا أن المسار الثوري لم يكتمل وأن إصلاح السينما التونسيّة لا يتم إلاّ من خلال تنقيح التشريعات والقوانين التي كانت موظّفة لإقصاء قطاع كبير من المبدعين وتهميش من لا يركب ركاب السلطة.  
ويلاحظ ما فعله القمع بالأطفال من خلال بحث الأطفال عن الهدايا ذات الطابع العسكري كالدبابات والطائرات وبالمقابل يسجل دور الأباء في التهدئة من روع الأطفال وشرحهم لضرورة الثورة من اجل الحرية ومن اجل مستقبل ليبيا ..


إعلان