“البوابة” : الصورة الحقيقيّة للإسلام والمسلمين

ناصر اللطيف
وفّق المخرج التونسي المقيم في جمهورية التشيك، علي المرزوقي إلى حد كبير في تقديم صورة حقيقية عن الشعب التونسي من خلال فيلمه الوثائقي القصير “البوابة”. تلك الصورة التي ترسخت منذ ثلاثة آلاف عام أو تزيد، والتي احتكرها واختزلها نظام الرئيس التونسي السابق في نمطيّة ممنهجة تكرّس الوجه الواحد والصوت الواحد.
ما أراده المرزوقي منذ اللحظة الأولى في عمله هو توجيه رسالة واضحة المعالم تقول إنّ التونسي، عربي مسلم، مسالم بطبعه ومحبٌّ يقبل الآخر كما هو دون حسابات مسبقة أو ترتيبات، يكفي أن يحس أنّ الآخر في حاجة إليه حتى يمد يديه ويقف معه وقفة أخ بعيدا عن المزايدات العرقية والعقائدية واللغوية.
الصورة والصورة الأخرى
ينطلق الفيلم الذي يدوم قرابة العشرين دقيقة بصور عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في برجي التجارة العالمية في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، ليفهم المشاهد فيما بعد أنّه كان تقديما للصورة المسبقة التي يحمله الغرب عن الإسلام والتي تفاقمت بعد تلك التفجيرات التي قيل أنّ تنظيم القاعدة قد تبنّاها وقتها. وهو ما أعطى انطباعا أنّ المسلم هو رديف الإرهابي والعابث بكل القيم الإنسانية ثمّ يتدرج في سرد أشكال ذلك الانطباع السائد من خلال بثّ صور لتفجيرات ميترو الأنفاق بلندن والتي خلّفت عديد الضحايا الأبرياء، ليصل إلى حادثة تدمير تماثيل بوذا من قبل طالبان والتي خلّفت استياء عالميا عظيما. ليجد المشاهد نفسه مباشرة أمام صفحة من صفحات فيس بوك فيها دعوة للاعتصام في شارع الحبيب بورقيبة من أجل إسقاط نظام بن علي المستبد ومن ثمّ مشاهد من شارع بورقيبة فعودة لصفحة فيسبوكية أخرى، ومن ثمّ انطلق قارئ النص في الحديث عن الشرارات الأولى للثورات العربية بداية العام الحالي أو ما يسمّى بالربيع العربي. من تونس مرورا بمصر ما جعل النظرة الغربية للشعوب العربية تأخذ شكلا آخر مغايرا تماما لما كان سائدا، هذه الشعوب التي تمرّدت ووقفت في وجه الطاغية في تونس ومصر ثم في ليبيا في مرحلة قادمة في انتظار ما سيحدث في سوريا واليمن وبدا الغرب في صورة الذي يقدّر ذلك التوق إلى الحرية وتلك الرغبة في الانعتاق من بوتقة الظلم والمهانة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه تونس تترقب ما سيأتي به قادم الأيام في ظل وضع داخلي وإقليمي وعالمي متوتر تندلع مواجهات مسلحة في ليبيا البلد المتاخم لها والذي تربطه بها علاقات متشعبة اقتصادية وسياسية وإنسانية أيضا. هذه الثورة المسلحة في ليبيا سترخي بظلالها حتما على الوضع في تونس وخاصة جنوبها وتحديدا مجالها الحدودي، حيث عرفت المعابر الحدودية نسقا متسارعا جدا من تدفق الآلاف بل مئات الآلاف من الفارين من جحيم الحرب سواء من الليبيين أو الجنسيات الأخرى المقيمة في ليبيا بغرض العيش والعمل، ووصل عدد الجنسيات التي تدفقت على الحدود ما يقرب من 45 جنسية فيهم المسلم والمسيحي وفيهم أيضا البوذيون والسيخ.
مدّ تضامنيّ أذهل العالم
وهنا يبدأ الفيلم في سرد ردود فعل التونسيين إزاء هذا الكمّ الهائل من الأنفس البشرية التي غزت الحدود دون سابق إنذار ودون أية تحضيرات تذكر. في ساعات قليلة وجد التونسيّون أنفسهم أمام سيل من الأجساد المنهكة والجائعة والهاربة من شبح الموت. كان لزاما أن يتصرف التونسيّون بما أتيح لديهم رغم الظرف العصيب الذي تمرّ به البلاد.
وبالرغم من عدم وجود أية جمعيات أو منظمات أهلية في المنطقة لاستقبلا تلك الأعداد الهائلة إلاّ أن ما حدث يدعو فعلا للدهشة وهو ما أكده الفيلم فيما طوال ردهاته. حيث تجولت الكاميرا في منازل التونسيين وفي مخيمات اللاجئين وخاصة مخيّم الشوشة أضخمها وأكثرها تنوعا الذي ضمّ جنسيات مختلفة مثل البنقلاديش والصومال والهند ومالي السودان واريتريا ومصر وغينيا منهم هم مسلمون ومنهم من أهل الكتاب ومنهم من لا ينتمون إلى أيّة ديانة ولكنّ هذا التنوع العقائدي والعرقي لم يمنع التونسيين المسلمين من تقديم العون والمساعدة لكل وافد على تونس طالبا للأمان ولم يكن ذلك يخضع لاعتبارات العرق والجنس واللون بل كان تجسيما لتعاليم الإسلام في سماحته ونبل مقاصده. كان فعلا إنسانيا بالأساس فقد تحركت كل جهات البلاد لتساهم في ذلك المدّ التضامني الذي أعطى درسا لكل العالم وسوّق صورة نبيلة عن الإسلام والمسلمين.

صورة مكثّفة وتفاصيل
اشتغل المرزوقي على الصورة فكثّفها ونوّعها وقد اعتمد في ذلك على ناصر اللطيّف وإمكانيات التلفزيون التونسي الرسمي. الصورة كانت أهمّ ما ميّز العمل إن لم نقل أهمّ ما فيه، فقد عاينت عين المخرج من خلال عدسة الكاميرا تفاصيل دقيقة وتلقّفت لحظات حميمة وكلمات قد تبدو عابرة لكنّها مربكة، من خلال الصورة تتوالى الأحداث والمعلومات تباعا دون ملل ولو أنّ النص المصاحب بدا في أحيانٍ كثيرة تقريريّا مباشرا يذكر بنشرات الأخبار، وهنا كان يمكن للمرزوقي الاعتماد على نص أكثر حميمية وتفاعلا مع الصور المتتالية في نسق تصاعديا يبعد أدنى شعور بالملل، رغم الطابع التوثيقي للعمل. وكان يمكن أن يبتعد عن “تهمة” التقريرية باعتماده صوتا آخر لقراءة النص غير خالد نجاح الذي ارتبطت صورته وصوته بنشرات الأخبار في التلفزيون التونسي.
وبما أنه لا وجود للمصادفة في العمل الإبداعي، وفي سؤالٍ حول مدى مطابقة عنوان الشريط مع رغبته في تقديم الصورة الحقيقية التي أرادها للتونسيين يقول علي المرزوقي أنّه تعمّد العنوان وأشار أنه أراد أن يقول أن “تونس كانت عبر تاريخها الطويل الذي يمتد لآلاف السنين بوابة أمام كلّ الأعراق والأجناس والأديان، بل وتعايش فيها الجميع على قدم المساواة وبمحبة فائقة جعلتها فعلا أرض التسامح واللقاء…”. وفيما يتعلّق باختياره التأكيد خلال الشريط على غير المسلمين وأهل الكتاب وتحديدا البوذيّون والسيخ وهل أنّ لزواجه من بوذية تأثير على هذا الاختيار قال أنّ “تعامل التونسي مع المسلم أو المسيحي سيكون عاديا جدا ومن منطلق التوحيد على الأقل، ولكن حينما يتعلّق الأمر بديانة أخرى أو شكل آخر من أشكال التعبّد فإنّ الأمر يختلف حتما، ولكن ما لاحظناها على مدى أيام التصوير كان عكس ذلك تماما..” ويضيف “كان تعامل التونسي مثاليا لأبعد الحدود وسعى للتواصل مع كل الأعراق والأديان وحتى الطوائف وبكل الطرق الممكنة ما جعل مخيّمات اللاجئين تبدو عالما مصغرا يعيش فيه الجميع في سلام وتسامح ورغبة في التواصل..”
أمّا عن مدة الشريط التي لم تتجاوز العشرين دقيقة وأنّه كان بالإمكان تقديم عمل من ساعة أو تزيد نظرا لطرافة الموضوع وتوفر المادة وخاصة على مستوى الصورة قال المرزوقي أنّ “الهدف ليس في حجم العمل بقدر ما هو في الرسالة التي سيوجهها للعالم والصورة التي ستصل إلى الآخر عن المسلم المعتدل والمتسامح والقابل للآخر بدون حسابات مسبقة..”
نوبل للسلام
الشريط فكرة وسيناريو وإخراج علي المرزوقي وإنتاج التلفزيون التونسي، أدار التصوير ناصر اللطيّف وتعليق خالد نجاح، وحضر العرض الخاص الدكتور شنيتي الأمين العام للهلال الأحمر التونسي الذي أشاد بالشريط مؤكدا أنه “قدم صورة رائعة عمّا حدث ويحدث في مخيمات اللاجئين بالجنوب التونسي..” مؤكدا في ذات السياق أنّه تعهد بتسويق الشريط في كل البلدان العربية في مرحلة أولى إلى حين ترجمته إلى لغات أخرى. وفي هذا الإطار قال المرزوقي أن سيتمّ الشريط ترجمته على الأقل للفرنسية والإنجليزية مع إمكانية ترجمته بلغات أخرى من بينها العبرية وذلك بالتعاون مع معهد بورقيبة للغات الحية.
ودائما مع “البوابة” حيث علمنا أنّ الشريط سيتمّ تقديمه في إطار ترشيح الهلال الأحمر التونسي لجائزة نوبل للسلام، علما أنّ الأخير نال مؤخرا عددا من الجوائز العالمية كان آخر الميدالية الذهبية لملكة إسبانيا.