الأوسكار والعرب 1 /2

موضوع الحرب والسينما اللبنانية 
محمّد رُضــا

 
مع وصول فيلم نادين لبكي «وهلأ لوين؟» إلى الترشيحات الأولى، قبل النهائية، لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، تكون المخرجة اللبنانية قد أنجزت ثاني جهد لها في هذا السبيل. في العام 2007 حققت فيلمها الروائي الأول «كاراميل»  الذي مثّل، أيضاً، لبنان في تلك الترشيحات الأولى. ولكي نكون واضحين، هذه الترشيحات هي التي تبعث بها الهيئات السينمائية الرسمية او شبه الرسمية في دولها وليست اختيارات أكاديمية العلوم والفنون السينمائية مانحة الأوسكار. الإختيارات هي الترشيحات الرسمية وهي التي يقدم عليها أعضاء الأكاديمية بعد مشاهدتهم لكل ما تم إرساله. وهي محددة بخمسة أفلام فقط تُتلى عناوينها في لحظة توزيع هذه الجائزة وترتفع الآمال الخمسة مرّة أخرى وأخيرة قبل أن تهبط أربعة منها. ولا مرّة كان الفيلم الرابح عربياً علماً بأنه وصل لتلك الترشيحات الرسمية أكثر من مرّة.

ليس المقترح هنا عرض تاريخ الأوسكار وأفلامه ونتائجه، لكن حين يصل الأمر إلى محاولات السينما العربية دخول المسابقة فإن هناك ما يمكن طرحه على غير صعيد: ما هي المواصفات المطلوبة للفيلم العربي لكي يصل إلى الخارج؟ للتواصل مع الآخر؟ لكي يفوز بالعروض العالمية دخل او لم يدخل مسابقة الأوسكار؟ لماذا السينما الإيرانية تبدو الأنشط في هذا المجال وليس السينما العربية؟ لم هي التي تفوز بالجوائز الكبرى في برلين ولوكارنو وروتردام وسواها من المهرجانات الرئيسية وأفلامنا تبدو ضعيفة ومتفرّقة؟ ثم ما هي مفردات هذه اللغة المطلوبة إذا كانت اللغة هي أصل المشكلة؟ وامتداداً: هل الموضوع هو الذي يحدد وصول الفيلم إلى العالمية او الشكل الذي يرتديه، بما في ذلك الأسلوب والمعالجة او أنهما منفصلان؟ .

من فيلم ايام المجد لبوشارب

الاسئلة لا تريد أن تنتهي والسؤال التالي يحمل جوابه بنفسه: لماذا فيلم شادي عبد السلام الفني أصبح كلاسيكياً واستقبل بترحيب نقدي عالمي تكرر حين أعيد عرضه في العام الماضي، بينما لم يحظ «المسافر» لأحمد ماهر، قبل ثلاث سنوات، الا بأقل قدر من الإهتمام حين تم عرضه في مهرجان فنيسيا، ثم حين تكرر عرضه في مهرجانات أخرى؟ كل من هذين الفيلمين تشبّع برؤية صاحبه. حقيقة أن رؤية عبد السلام كانت أفضل او لم تكن هذا ليس ما يحدد الجواب على هذا السؤال، لأنه من المفترض أن ينتهج الفيلم الفني، وكلاهما فني، طريقاً واحدة حتى ولو كانت النتائج مختلفة. لكن «المسافر» لم يحظ بسبر غور الطريق. انكفأ سريعاً وها هو معروض حالياً في القاهرة بإقبال أقل من معتدل. ومع أنني سأعود إلى هذا الجانب من الموضوع في حلقة مقبلة، الا أنه مطروح بإصرار في هذا النطاق، لأن السؤال يعكس وضعاً ربما ليس طبيعياً.

هناك لغة تواصل مع الجمهور غير العربي بالتأكيد. إذا لاحظنا الأفلام اللبنانية التي حطّت رحاها على أبواب الأوسكار من العام  1998 وجدناها حافلة بذلك: «بيروت الغربية» لزياد الدويري (1989)، »البيت الزهري» لجوانا حاجي توما وخليل جريج (1999)، «لمّا حكيت مريم» لأسد فولديكار (2002)، «طائرة من ورق» لرندة الشهال (2003)، «بوسطة» لفيليب عرقتنجي (2006)، «كاراميل» لنادين لبكي (2007)، «تحت القصف» لفيليب عرقتنجي (2008) و«وهلأ لوين؟» لنادين لبكي (2011) لوجدناها
تلتقي بأنها تلتقي في مواصفات مهمّة:
خمسة منها تتحدّث عن حروب او ما بعدها: «بيروت الغربية»، «البيت الزهري»، «طيارة من ورق»، «تحت القصف» و«وهلأ لوين؟«.
خمسة منها هي الأفلام الأولى لأصحابها: تلك المذكورة أعلاه بإستنثاء «طيارة من ورق» لرندة الشهّال. الفيلم الخامس عوضاً عنه هو «لما حكيت مريم» (الذي لا يزال وحيد مخرجه للآن).
وأخيراً، كل  هذه الأفلام عرضت في مهرجانات دولية ووجدت إهتماماً بين روّادها وإعلامييها.

من فيلم هلأ لوين

كذلك كانت الحرب موضوع فيلم محمد الدراجي «أحلام» حين زف فيلمه إلى الأوسكار ممثلاً العراق سنة 2007 وكانت القضيّة الفلسطينية محور فيلم الفلسطيني هاني أبو أسعد «الجنّة الآن» وفيلم إيليا سليمان «يد إلهية» وفيلما الجزائري رشيد بوشارب  «أيام المجد» و«خارج عن القانون» كانتا عن موضوع حرب الاستقلال الجزائري (أول فيلم له وصل الأوسكار كان «غبار الحياة» سنة 1996).
كل هذه الأفلام أخفقت في الوصول إلى الأوسكار، باستثناء فيلم هاني أبو أسعد وأفلام رشيد بوشارب الثلاثة.
ماذا يقول لنا ذلك؟ موضوع الحرب لازمة بسبب تعرّضنا، نحن العرب، لها منذ العام 1948، من فلسطين النكبة إلى فلسطين هذه اليوم ومن الحروب ضدها إلى الحروب بسببها (بما في ذلك الحرب الأهلية اللبنانية) ومن حرب الاستقلال الجزائري إلى حربي الخليج والوضع في العراق. طبيعياً أن تشكّل هذا القدر من الاهتمام، ومن الطبيعي أن نحاول تصدير هذا الاهتمام إلى العالم. بنجاح أحياناً ومن دون نجاح في أحيان كثيرة.  حقيقة أن الأفلام اللبنانية، وقد تبلورت هنا كنموذج، دارت في غالبيّتها، ومنذ انتهاء الحرب الأهلية في مطلع التسعينات، عن الحرب لم يكن خياراً، بالتالي وعلى الرغم من كثرة عددها في حصيلة الأفلام المرشّحة للأوسكار، إلا أن موضوع الحرب ليس ما أوصلها إلى هناك. الذي أوصلها هو موضوع آخر…

 

 

 

 

 

 

 

 


إعلان