“المؤامرة” تهيمن على وثائقيات الحادي عشر من سبتمبر

تستعد عدة قنوات تلفزيونية أوربية لعرض الفيلم التسجيلي الأمريكي ( المولود مجددا) يوم الأحد القادم. أي في الذكرى العاشرة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر التي ضربت مدينة نيويورك الأمريكية. ويتبع الفيلم، الذي أخرجه الأمريكي جيمس وايتتيكير، وخلال العشر سنوات الفائتة، قصص خمس من أبناء المدينة، من الذين قضت تلك الاعتداءات على مقربين لهم، ليسجل الفيلم الطريق الذي سلكه كل منهم للتعاطي مع فقده الشخصي المأساوي، من دون إغفال الاقتراب من الجرح الغائر الآخر، الذي تركه الاعتداء على قلب مدينة نيويورك بروح سكانها.

ورغم القائمة الطويلة للأفلام التسجيلية التي تعرضت لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن فيلم (المولود مجددا) ينضم إلى قائمة محدودة من الأفلام التسجيلية التي قاربت حياة أبناء مدينة نيويورك، بعد يوم الحادي عشر من سبتمبر، واهتمت بتسجيل حياتهم، حزنهم، تصدع مفاهيم الأمان بينهم، علاقتهم الجديدة مع المدينة، التي كانت تعتبر واحدة من  أكثر مدن العالم أثنية وانفتاحا. فابرز مخرجي السينما التسجيلية الأمريكية، مايكل مور، وجد في الأحداث، مناسبة لتوجيه هجائه السينمائي الأكبر حتى ذلك التاريخ، لشيطانه الشخصي (جورج بوش)، وليتجه فيلمه ( فهرنهايت 11 من عام 2004 ) ليكون شريط اتهامي للحكومة الأمريكية الجمهورية. ليس بقدر الأفلام التسجيلية التي ستشيع بشكل كبير بعده، وتتهم أجهزة مخابراتية أمريكية بالوقوف وراء (الحادي عشر من سبتمبر)، لكن اتهام “مور” لا يقل خطورة، فهو يوجه الانتباه لعلاقات عائلة بوش السياسية مع عائلة أسامة بن لادن نفسه والعائلة المالكة السعودية، بأنها وراء التراخي الأمني، الذي انتهى باختطاف الطائرات، وتوجهها إلى أهدافها في صباح الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

فيلم إعادة الولادة

وإذا كان الكثيرون قد شاهدوا وسمعوا بفيلم مايكل مور (فهرنهايت 11)، والذي حصد جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان السينمائي لعام 2004، فإن قليلا فقط من الاهتمام الإعلامي اتجه إلى واحد من أكثر أفلام الحادي عشر من سبتمبر تأثيرا، ففيلم ( الرجل الهابط) للمخرج هنري سيجنر والذي عرض عام 2006، الذي ينطلق من البحث عن هوية صاحب الصورة الشهيرة التي التقطها مصور فوتوغرافي من وكالة (أسوشيتد برس) الإعلامية، لرجل قذف بنفسه من أعلى أحد برجي التجارة العالمي، هربا من النيران التي اشتعلت فيه، بعد اصطدام الطائرة، وقبل انهياره. يمر بحساسية مدهشة على أحزان عوائل بعض الذين قتلوا في البرجين، والذين لم يجدوا أي آثار لأقاربهم. لا يملك الفيلم، غير الصورة الشهيرة التي لا تظهر وجه الرجل ، لكن بدراسة الثياب التي كان يرتديها، ينجح بالاقتراب من تحديد شخصية الرجل المحتملة، لكن من دون تأكيدات جازمة. لتبقى الصورة، التي منعت  معظم التلفزيونيات الغربية عرضها لقسوتها، واحدة من رموز  يوم الحادي عشر من سبتمبر، والرجل الذي ربما كان أحد العاملين في مطعم على سقف احد البرجين ، الضحية المجهول لذلك اليوم.

ما يلفت الانتباه في معظم الأفلام التسجيلية التي تناولت حادثة الحادي عشر من سبتمبر، هو محدودية المشاهد الأرشيفية التي صورت الحرائق في برجي التجارة أو سقوطهما وردود أفعال الناس المتجمعين في محيط البنايات، والتي تم توظيفها في سياق تلك الأفلام، هذا باستثناء الأفلام التي اعتمدت بالكامل على أفلام صورها هواة للأحداث وقتها، كفيلم (102 دقيقة غيرت أمريكيا) والذي أنتجته قناة (History) التلفزيونية. وكأن قوة تلك المشاهد العديدة، والذهول الذي أصاب العالم أثناء المشاهدة الحية لتلك الصور القاسية، جعل استعادتها دون ضرورات بنائية، خطوة غير مرغوبة، بل وتبعث على الكثير من عدم الارتياح ، للأهمية المتصاعدة لما عنته تلك الساعات من الزمن، للعالم  الذي تسمر أمام شاشات التلفزيون. وحساسية التعامل اللامبالي معه.

المؤامرة….

يفوق عدد أفلام نظرية “المؤامرة “، والتي تلقي باتهاماتها على أجهزة مخابراتية أمريكية وحتى إسرائيلية بتدبير ما حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر، مجموعة الأفلام التسجيلية التي تهتم بالجوانب الإنسانية من الأحداث. هي أيضا ظهرت سريعا وبعد عام فقط من الاعتداءات، أحيانا بجهود شخصية، بسبب رفض المناخ العام بالمساعدة على إنتاجها وعرضها، لما تتضمنه من نتائج، تخلل الشعور الجمعي الغاضب، على تنظيم القاعدة، والذي أعلن عن مسؤوليته عن الأحداث، وبعد ساعات فقط من انهيار مبني التجارة العالمي.

وإذا كان الإعلام التقليدي امتنع  عن عرض هذه الأفلام، أطلت هي بدورها  من الإعلام البديل، حيث وجدت جمهورها المثالي في شبكة الانترنيت. وحققت من هناك أرقام مشاهدة عالية جدا، أقلقت أحيانا محطات تلفزيونية جادة ضخمة، خاصة أن الأفلام تلك وجهت اتهامات إلى قنوات مثل (بي بي سي) وغيرها بالتواطؤ مع الرواية الأمريكية الرسمية، الأمر الذي دفع محطة تلفزيونية مثل قناة (بي بي سي) الثانية، لتخصيص فريق كامل لإنتاج فيلم تسجيلي عن النظرية، حمل عنوان  (ملف المؤامرة) عرض بعد ثلاث سنوات من الحادي عشر من سبتمبر. ومؤخرا عادت القناة نفسها إلى “تقييم” حلقتها السابقة، بحلقة جديدة عرضت قبل أيام قليلة فقط على شاشة القناة، وكجزء من موسم كامل من البرامج التي أعدت بمناسبة عشر سنوات على الأحداث.

تفشل معظم أفلام “المؤامرة” هذه، من التحليق أعلى من مستوى الجدل الدائر منذ سنوات على شبكة الانترنيت بين أنصار النظرية، وتمسكهم بأدلة، تم تحديها بكتب وتحقيقات صحفية جادة عديدة. كذلك لا تخطو كثير من هذه الأفلام، وبسبب ضعف إمكانياتها، وأحيانا تشنج صانعيها، خطوة تقترب من الجمهور الواسع، تفسر بجدية الدافع الشديد الإلحاح الذي ربما دفع مخابرات دولة عظمى لقتل أكثر من ثلاث آلاف شخص في نيويورك.
كأمثلة على هذه الأفلام : فيلم (11-9 شهود عيان ، من عام 2007) للمخرج ريغ سيجال وفيه يتم ربط شهادات ناس كانوا قريبين من الأمكنة التي شهدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مع نظرية “المؤامرة”. فيلم (11-9 أعلام مزيفة ) للمخرج فيل مارشال والذي ينطلق من حرب العراق، لدراسة سجل حكومات غربية في افتعال حروب، باختلاق قصص واستخدام الأعلام أحيانا لتجييش الرأي العام. فيلم (11-9 ألغاز) ، والذي يركز على دحض روايات الإعلام الرسمي الأمريكي التي تخص الاعتداءات. فيلم (الرابط المفقود) بنسخه المختلفة. وهو أكثر أفلام نظرية “المؤامرة” شهرة، بسبب طول الفيلم، والأدلة التي يقدمها، ومنها ما يعود إلى بدايات عقد الستينات من القرن الماضي، إذ يكشف وثيقة أرسلتها وكالة الاستخبارات الأمريكية، ورفضتها حكومة الرئيس الراحل جي اف كينيدي، تقترح فيها بضرب مباني حكومية، وإلقاء اللوم على متعاونين مع الحكومة الكوبية الوليدة وقتها، كمقدمة لحرب على نظام الجزيرة الشيوعي.

فيلم “فيل في الغرفة”

ودفع حماس وإخلاص مريدي نظرية المؤامرة حول العالم، مخرجين تسجيلين، لانجاز أفلام تتعرض لهذه الظاهرة، وعن الذين يقفون وراء الترويج والدفاع عنها في السنوات التسع الأخيرة. من ابرز تلك الأعمال: الفيلم التسجيلي البريطاني (الفيل في الغرفة) للمخرج ديين بوكيت والذي عرض في عام 2008 .يبدأ الفيلم رحلته من بريطانيا، حيث يلتقي بريطانين أطلقوا من قراهم ومدنهم الصغيرة، حملة على شبكة الانترنيت، تطلب من الحكومة البريطانية الضغط على حليفتها الأمريكية لإجراء تحقيق مستقل. وهو المطلب الذي يشغل أنصار “المؤامرة” في الولايات المتحدة الأمريكية، والذين رفضوا بشدة نتائج التحقيقات الحكومية التي تمت في ظروف تحيطها الريبة، كما يرى من قابلهم الفيلم، الذي انتقل في نصفه الثاني إلى مدينة نيويورك، وقابل، بعض شهود الأحداث، والذين تحولوا في السنوات الأخيرة، إلى “مراجع” للمدافعين عن نظرية المؤامرة. كالحارس الذي كان يعمل في إحدى البرجين، والذي يؤكد أن التيار الكهربائي قطع عن بنايات مركز التجارة العالمي لليتين متتاليتين قبل الحادي عشر من سبتمبر، وان مجموعة غريبة كانت تدخل المباني لساعات في الليل. وهو الأمر الذي يؤكد ما تزعمه نظرية المؤامرة، بان انهيار المباني يوم الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن بسبب الحريق، الذي سببه تصادم الطائرات، وإنما بفعل قنابل خاصة تم وضعها في المبنى قبل أيام من يوم الاعتداءات.

ورغم أن أفلام “المؤامرة” التسجيلية تنطلق من روايات ونظريات، بعضها يهيج أسئلة جدية، إلا أنها، وخاصة الجيدة منها، تنتهي بكشف بعضا من السخط العميق الذي يحمله أمريكيين لحكومتهم، لحروبها الشرق أوسطية، وعلاقتها الجدلية مع إسرائيل. في حين تؤكد أفلام مثل (الفيل في الغرفة) على “وطنية” كثير من أنصار “المؤامرة”، وليس كما يصفهم الإعلام الأمريكي الشعبي، بأنهم “ليبراليون فاسدون”. فالفيلم الأخير ينقل تجمعا لمجموعة من أنصار نظرية المؤامرة في احد شوارع مدينة نيويورك، و نقاش لأحد أنصار “المؤامرة” وسيدة “ساخطة” على التجمع، كانت تصف الموجدين فيه بخيانة ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، ليبرز لها شاب صور قريب له قتل في ذلك اليوم، وبأنه مثلها تماما يريد معاقبة الجاني، لكنه على النقيض منها، يرى أن الجريمة لم تحك خيوطها في أفغانستان، بل  في مباني حكومية أمريكية سرية!


إعلان