فرقة النخبة 2: من الهم الاجتماعي الى السياسي
لأسباب كثيرة مَثل الفيلم البرازيلي “فرقة النخبة” عند عرضه قبل ثلاثة سنوات تقريبا، حدثا مهما في المشهد السينمائي لهذا البلد، منها: حصوله على جائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي عام 2008 وشدة إقبال الجمهور عليه، إذ شاهده قرابة 12 مليون متفرج، في البرازيل لوحدها، وبالتوازي مع عروضه المحلية شارك الفيلم في مهرجانات سينمائية عالمية وعرض في أكثر من بلد خارج القارة وبشكل خاص في أوربا، الى جانب الترحيب النقدي الكبير الذي استقبل به، ولهذه الأسباب، وفي مقدمتها التجارية طبعا، توقع المهتمون بالسينما أن يفكر منتجوه بإنتاج جزء ثان منه، وهذا ما حدث فجاءت “فرقة النخبة 2” اليوم والطريق معبدة أمامها. على مستوى آخر، ولأسباب النجاح ذاتها، واجهت خوسيه باديلاس صعوبة إخراج عمل ثان متحرر من هيمنة وموروث الأول، يُشعر مشاهده ويقنعه بأنه يتابع شريطا مستقلا عن سابقه وليس هناك نقصا في حكايته يحتاج الى اكتمال تسده المشاهدة الأولى، لهذا سعى الى إحداث تغيرات في السيناريو مبتدئا بالحدث وزمانه، ومجريا تحولات على شخصياته الرئيسة، فرأيناه يبدأ جزءه الثاني بعد ثلاثة عشر عاما على نهاية مهمة “فرقة النخبة” في حماية البابا الذي جاء لزيارة العاصمة ريو دي جانيرو عام 1997، كما صار الضابط ومؤسس الفرقة الخاصة، ناسمنتو (الممثل فاغر مورا) اليوم جنرالا، وصار عنده صبيا، وانفصل عن زوجته.

المتغيرات الكثيرة في حياة ناسمنتو، رافقتها تغيرات على المستوى الإجتاعي والسياسي في البلاد ولكن مشكلة المخدرات وانتشارها ظلت كما هي بل تفاقمت الى حد شجعت بعض رجال الشرطة للتورط فيها، فازدادت بذلك درجة فساد مؤسسات خطرة مثل الشرطة والجيش وتحولت “فرقة النخبة” نفسها الى جزء من نظام سياسي سيء استغلها كوسيلة لتصفية المعارضين والشرفاء من البرازيليين ومصدرا للثراء غير الشرعي للبعض، لهذا انتقل “فرقة النخبة” من شريط مغامرة مقنع على المستوى الدرامي والتقني الى فيلم سياسي ذَكرنا بأعمال اليوناني كوستا ـ غافراس، وأن ظل طابعه الاجتماعي قريبا من فيلمي: “بلاد الله” و”ترافيك”. العبور من بوابة الهم الاجتماعي، المتمثل بالفقر وانتشار المخدرات وسط أحياء حزام ريو دي جانيرو البائسة، الى السياسي، لم يغير كثيرا في لغة الصورة المستخدمة عند خوسيه باديلاس، فالطابع التسجيلي، وسرعة التقطيع وقوة المؤثرات بقيت نفسها، الجديد نجده في مناخ الفيلم الذي توزع بين هاجسي، العام والشخصي، بين المشكلات الفردية، الوجودية المتمثلة في علاقة الرجل بالمرأة وبين الآباء والبنين، وبين العام الذي يبدو لنا المشهد الواحد فيه كما لو أن حربا، أو صراعا عسكريا يجري أمامنا بالكامل، ولهذا كنا نسمع أكثر من مرة عبارات مثل: “حرب العراق” و”عملية العراق” وغيرها. ثمة معارك محسوسة تجري في المناطق الفقيرة وفي المقابل يوجد جيش منظم من رجال شرطة وعسكر يقومون بتصفية وقتل البشر بذات الطريقة التي تجري في الحروب.
قتل منفلت بحجة محاربة المخدرات وتجارها وفي الحقيقة يراد منه تقوية نفوذ بعض السياسيين الذين وجدوا في الموضوع مدخلا رحبا لوصولهم الى مراكز حساسة في بلاد تأن تحت تمايز اجتماعي وقهر صارخ لم نعثر عليه بهذا الوضوح في الجزء الأول. وعلى المستوى الأفراد ظلت بعض الشخصيات القديمة تتفاعل مع يحيط بها، وأخرى جديدة ظهرت مثل الناشط في جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان، استاذ التاريخ ديغو فراغا (الممثل ايراندير سانتوس) الذي تزوج من طليقة الجنرال ناسمنتو وبسبب سوء علاقة الأخير بإبنه ذهب للعيش مع والدته، وتأثر بأفكار فراغا الماركسية، حاله حال الكثيرين من الشباب وحتى السجناء الخطرين.
في الجزء الثاني ثمة اعلان صريح بتبني الوجهة اليسارية اللاتينية في معالجة المشكلات التي تواجه البرازيل والقارة بأكملها ولهذا نشب صراع مبطن بين الجنرال النزيه وبين الناشط السياسي على خلفيتين: شخصية ومهنية. فالعسكري يريد حسم الأمور على طريقته في حين يرى السياسي اليساري الأمور من منظور مختلف وهنا منبع الخلاف الذي بدأ مع المشهد الأول حين أتصل رئيس مجموعة من مروجي

المخدرات في سجن بانغو وطلب توسط فراغا بينه وبين رجال الشرطة الذين أسرهم، وحين وصل كان الضابط اندريه ماتياس (الممثل اندريه راميرو) قد سبقه مع أعضاء من فرقة النخبة، لقد حدث تصادم تمثل في توصل فراغا لحل يُسلم السجين بموجبه نفسه الى القضاء خارج السجن ليحاكم أصوليا، وبين أوامر أعطيت للضابط راميرو لإطلاق الرصاص عليه، الأمر الذي أعتبره فراغا خرقا لدوره فشبه قتل السجين ب”عملية اعدام متعمد بدم بارد” فقام من أجل هذا بحملة دعائية ضد الشرطة اتهمهم فيها بارتكاب مجزرة، على إثرها جمد الضابط وأحيل الجنرال بوصفه مسؤلا عن الفرقة الى موقع بعيد عنها، فتُركت، بهذا الاجراء، الساحة خالية للفاسدين من رجال الشرطة والسياسيين المنتفعين الذي ركبوا الموجة فظهروا في وسائل الاعلام كمدافعين عن الناس وحماة لهم ضد تجار المخدرات وقسوة الشرطة.
خلال ساعتين، تصاعدت أحداث “فرقة النخبة 2” ديناميكيا وأنشد المشاهد الى مادة بصرية كتبت بشكل جيد صورت البرازيل اليوم، وكيف تسمح آلية جهاز القضاء فيه لتحقيق بعض العدالة أو حتى فضح ثلة من الفاسدين في نظامه ولكنها في المقابل لن تُغير هيكيلية الدولة حتى في ظل تحالف الضباط الشرفاء والسياسيين اليساريين مثل فراغا وناسمنتو، فالمسألة أبعد من حكاية فرقة شرطة نشأت معافاة وحاربت المخدرات وتجارها، ثم سرعان ما تحولت الى وسيلة لقتل الناس والربح السريع، فالأمر في النهاية كما قال خوسيه باديلاس، سينمائيا وبرؤية واضحة، يتعداها الى نظام سياسي وقضائي لا إمكانية لإصلاحه إلا بتغيره جذريا.