ملتقى السينما العربية” في معهد العالم العربي

الفيلم القصير والمضمون الاجتماعي 

 ندى الأزهري- باريس
مع ” ملتقى السينما العربية” الاول، الذي نظمه معهد العالم العربي في باريس بالتعاون مع كومن برود الدولية ، تعود عروض الأفلام العربية إلى المعهد بعد توقف بينالي السينما العربية الذي كان ينظمه كل سنتين
أكثر من ثلاثين فيلما وثائقيا و روائيا طويلا وقصيرا، عرضت في نهاية سبتمبر، وكانت مناسبة للتعرف على أعمال مخرجين من كل أنحاء العالم العربي ولكن أيضا من هؤلاء المقيمين خارجه. مخرجون مكرسون وآخرون شباب في أعمالهم الأولى “القصيرة”
الأفلام الروائية اقتصرت على فيلم الافتتاح “ياخيل الله” للمغربي الفرنسي نبيل عيوش في عرضه العالمي الأول بعد مشاركته في قسم “نظرة ما” في كان، وفيلم الختام” شتي يادني” للبناني بهيج حجيج في عرض فرنسي أول، وبينهما  “الشراكسة” للأردني محي الدين قندور و”ظل البحر” للإماراتي نواف الجناحي و”النهاية” للمغربي هشام العصري.

أما الأفلام القصيرة والوثائقية فقد طغت على التظاهرة، وعكست حيوية سينما شابة  تتيحها التقنيات الحديثة وتغذيها رغبة متزايدة في التعبير عن واقع يمور بالتحولات، عن تجارب تنطلق من الذات لتعكس مجتمعاتها. وفسح عرض بعض مما ينتج في الخليج العربي  المجال للتعرف على حركة سينمائية فردية ومؤسساتية تشهدها تلك المنطقة.
عبر”لندن بالحجاب” سعت المخرجة الإماراتية مريم السركال باللغة الانكليزية(!)، لتسليط الضوء على نظرة المجتمع الإماراتي لسفر شابة خارج البلاد، وحتى داخلها، بدون محرم. قرار قد يؤثر على حياة بأكملها لصاحبته، ففي نظر الرجال وإنما أيضا النساء، يشكل هذا الخيار “غير العادي” و”غير المقبول” عائقا أمام الارتباط. الحركة السريعة للكاميرا تعطي حيوية للشريط ولكن تعدد المواضيع من حجاب وسفر وانتماء وزواج من غير إماراتي ومجابهة ثقافة جديدة… شتت الطرح وسطَحه.
أما “ملل” لنايلة الخجا من الإمارات أيضا، فيجسد بأسلوب واعد، فراغ الروح، الملل الداخلي الذي يرافق الفرد في تنقلاته فلا يزيله تغير الأجواء. هكذا يبقى الملل واحدا وإن تعددت الأمكنة.
 حاولت المخرجة- الممثلة- الاعتناء بالصورة، وعكست نظرة ذاتية على جمال الطبيعة في ماليزيا، حيث عروسان يقضيان شهر العسل، بعيدة عن السياحي.
من البحرين افتعال في محاولة البحث عن شكل متميز، وضعف في إدارة الممثلين في “سكون” لعمار عبد الله الكوهجي مضمون اجتماعي مثير للاهتمام عن فتاة “جدارها مهدم” أي فقدت عذريتها وعن تمييز يطال شابة سوداء، إنما ثمة بطء ومشاهد طويلة صامتة تُثبَت فيها الكاميرا على وجوه حزينة لكن تمرير الأحاسيس والاقناع بالكآبة مثلا لايأتي برسم نفس التعبير من بداية الفيلم وحتى نهايته.
وعرض من السعودية  “حياة” للمخرج مجتبى سعيد، المقيم في المانيا، عن الزواج المختلط بين عراقية وألماني في طرح يغاير المتوقع، فالزوج يتطرف بعد اعتناقه الإسلام.
أفلام اعتمدت” الموضوع” مضمونا وشكلا إذا جاز التعبير، مع استثناءات نادرة في بعض اللقطات المدروسة التي تضفي على العمل أجواء مغايرة لما يمكن أن نراه في تحقيق تلفزيوني مثلا.

 هذا ما نصادفه أيضا في ” خلفي شجر الزيتون” للبنانية باسكال أبو جمرة  التي تلفت الانتباه إلى قضية هامة تتمثل في عودة فتاة وأخيها إلى جنوب لبنان من …إسرائيل. فبعد تحرير الجنوب وخوفا من الانتقام، غادر الأب الذي كان متعاملا مع جيش الاحتلال، مصطحبا عائلته إلى إسرائيل.
 “لكن الناس لا تنسى ولا عودة “حتى يموتوا اللي ما بيعرفونا” في القرية أداء مقنع للمخرجة- الممثلة ولأخيها الصغير و موضوع شيق ومعالجة مباشرة وصورة بحاجة إلى مزيد من الاعتناء. و البحث عن الشكل كان هاجسا لدى اللبنانيين وجدي اليان وليا لحود.
 “مكان يعاد” فيلم لافت بالأبيض والأسود لوجدي اليان، عن الوحدة والوحشة، حياة آلية “لإنسان” تدخل قطة” “آلة في حياته”.
 و في لغة تعبيرية متميزة اعتمدت الأبيض والأسود، قدمت ليا لحود في” ملح”، فيلما ذاتيا أهدته لعشاق بيروت حيث آخر مساحة خضراء دخلت في مشروع إعمار في هذه المدينة الضائعة كالروح التائهة.
الأبيض والأسود ايضا في ثلاثة أفلام من العراق. التجريب وأجواء غرائبية مع قتيبة الجنابي في “القطار” و”مازال حيا”. فيما كل الشجن العراقي في”العربانة” لهادي ماهود حيث مشاهد من حياة وموت وجندي عابر على عربته بكل ما عبر بالعراق من أحداث. وفي سياق بعيد تماما تعرض رانيا توفيق في “نسمة هوا” فلسفة فتاة في عشقها للرقص، من خلال مشاهد طالت وطالت للقاءات محورها الرقص لمجموعة من الصديقات..

مقلوبة فلسطينية
طبق “المقلوبة” الفلسطيني الشهير قدمه نقولا داموني في فيلم لم يمنع ألم موضوعه هذا الحس الهزلي والطرافة التي تجلب الابتسامة رغم الظرف الحزين. مقلوبة حضرها مجموعة شباب ولم يتذوقوها لهجوم جنود الاحتلال عليهم.

نذكر أيضا من  فلسطين “حنين” لأسامة بواردي ويوميات مؤثرة لامرأة وحيدة، بريد فارغ وماء يغلي في ركوة و طفل يسرق برتقال الجنينة و تطريز في أجواء أغنية عبد الوهاب يا مسافر وحدك.
أما نورما مرقص فاعتمدت  “وحدن” أغنية فيروز التي كتبها الشاعر طلال حيدر لتثير  من خلالها ذكرى فرنسواز كيستمان أول فقيدة فرنسية في سبيل القضية الفلسطينية.
 موعد آخر مع الغناء في” ألفيس في الناصرة” لراني مصالحة عن حب المشاهير والرغبة في تقليدهم حيث يدعو “صياد البحر” لمحمد بكري إلى التأمل في فكرة الحقيقة التي لاتفيد معرفتها أحيانا بل على العكس.
ونهار من الغضب ممتع من تونس مع “علاش أنا” لأمين شيبيوب وعن الكيفية التي يصب فيها كل شخص الغضب الذي وقع عليه على من هو أضعف منه! و”صباط العيد” لأنيس الاسود عن حلم طفل بشراء حذاء بأجنحة.
أما من مصر ولبنان فكان “شفتو بيرقص” لمنى غندور عن ولع المخرج يوسف شاهين بالرقص والموسيقى، واهتمامه بموسيقى المشهد أولا بأول ووضعه “المزيكا والرقص” حين الانتهاء من كتابة مشهد حلو… نتعرف على صورة أخرى لشاهين… ومن لم يلحظ قبل كل مشاهد الرقص في أفلام شاهين سيراها مجتمعة هنا.
لا بد في الختام من الإشارة إلى أن عدم الاشارة إلى بقية الأفلام لا يعني سوى عدم مشاهدتها رغم موضوعها الشيق مثل “سقف دمشق وحكايات من الجنة” لسؤدد كعدان من سورية… كما أن قيام بعض المخرجين الشباب بعدم كتابة أسمائهم على الشارة باللغة العربية، أمر يؤسف له كثيرا ويدفع للتساؤل و قد يوقع في أخطاء النقل إلى العربية وخاصة أن الكثير منهم غير معروف.


إعلان