نستلة وتجارة المياه المعبأة

لمن تعود ملكية المياه ؟                                      

 ندى الأزهري – باريس
سؤال مصيري يطرحه المخرج أرس شنل والصحفي رس غيريغير في فيلمهما الوثائقي الجريء ” نستلة وبزنس المياه المعبأة”. ورغم رفض الإدارة التعاون معهما، وإغلاق الشركة أبوابها بوجههما في كل أنحاء العالم لأنه “الفيلم السيء في اللحظة السيئة”،  فقد حاول المخرجان الكشف في كواليس سوق المياه المعبأة الذي يتعاطى بمليارات من الولايات المتحدة إلى نيجيريا مرورا بباكستان، وتمكنا من اكتشاف الدورة التي تتبعها زجاجة المياه قبل وصولها للمستهلك مسلطين الضوء على طرق المؤسسة الضخمة التي تستدعي انتقادات السكان المحليين.
الفيلم الذي عرضته محطة آرتي الفرنسية الألمانية، يعرَف بادئ ذي بدء عبر الأرقام بنستلة الشركة السويسرية الأولى عالميا في مجال التغذية والمشهورة بالشوكولا والقهوة والتي تعتبر رائدة في سوق المياه منذ 1992 . فهي تمتلك 70 ماركة في كل أنحاء العالم، و لها مئات المواقع لإنتاج المياه في ستة وثلاثين بلدا وتوظف أكثر من ثلاثين الف عامل وتقدر تعاملاتها في عام بأكثر من خمسة مليون يورو… وليس أفضل من تصريح لرئيس مجلس إدارتها من الدلالة على الاهمية التي توليها للمياه إذ صرح بأن المياه ” تستطيع ضمان 140 سنة من الحياة للشركة”! كل هذه الأرقام دفعت صانعا الفيلم لبحث دام ثلاث سنوات في كواليس هذا السوق الضخم.

 يبين المخرجان مدى انتشار ظاهرة  المياه المعدنية المعبأة اعتبارا من الثمانينات بحيث يباع في العالم كل سنة مائة مليار ليتر من الماء. ويحاولان تسليط الضوء على طرق استثمار المياه من قبل الشركة وسياسة التسويق الدعائي لها عبر رحلات قاموا بها إلى الولايات المتحدة ونيجيريا وأثيوبيا والباكستان للحصول على المعلومة من مصادرها.
في فري بورغ مثلا في الولايات المتحدة، تدفع نستلة 10 دولارات لصاحب الأرض عن كل 30 ألف ليتر من الماء  لتوضع بعدها في زجاجات ولتقدم على أنها صحية أكثر من مياه الحنفية، ما يكسبها عشرات الآلاف من الدولارات. وحين يحتج السكان الذين يريدون الحفاظ على الاحتياطي الطبيعي لمنطقتهم لا يستمعون لهم” نحن من يعيش هنا وهم وراء البحار” يقول احدهم، ويشعر هؤلاء باليأس من إمكانية فعل شيء أمام هذه الشركة العملاقة” وهو ما يفرض السؤال في الفيلم: من يملك الماء؟ لهذا الغرض يبحث المخرجان في التشريعات المحلية فلا يجدون أجوبة واضحة وهو ما تستغله الشركة المتعددة الجنسيات بحسب بعض رجال القانون. وفي مدينة أخرى تستغل نستلة  قانونا سُن للمزارعين يسمح لهم باستغلال الماء بلا حد. ويتهم  بعض الشهود في الشريط الشركة بأنها لا تكترث بالبيئة ولا بالتطور الاستدامي ولا بجفاف منابع الماء بل فقط بالمال. يعتمد الفيلم أيضا على شهادات خبيرة كندية حائزة على جائزة نوبل 2005 تهاجم نستلة بعنف” يسحبون كل شيء وعنما يفرغ البئر يغادورن”.
لكن الشركة الرائدة  في سوق المياه تتحدث دائما عن “مسؤوليتها الاجتماعية”، وتدَعي بأن السكان يستفيدون من وجودها في منطقتهم عبر التوظيف والخدمات التي تقدمها للاقتصاد المحلي من تمويل جمعيات وأقسام البلدية. وقد يصح هذا في بلدان الشمال ولكن كيف هو الأمر في الجنوب؟ يحمل منفذا الفيلم عصا الترحال للتحقق بأنفسهما عن مدى المساهمات الاجتماعية للمؤسسة. ويصلا إلى شرق اثيوبيا حيث مخيم للاجئين صوماليين وحيث تعلن صفحة الشركة على الشبكة بأنهم ما زالوا هناك لتزويد الناس بالمياه، و يري الواقع أنهم تخلوا عن المشروع منذ 2005 ولا يقومون بأية صيانة للأنابيب التي مدوها ” إنه نوع من تسويق الصورة الحسنة، ولكن لا تهمهم سوى المنفعة” يقول عامل هناك بمرارة. ويتابع المخرجان رحلتهما إلى نيجيريا  حيث تباع بيور ووتر التي ليست أكثر من مياه عادية منقاة ومغذاة ببعض المعادن  بسعر أغلى من البنزين! أما في باكستان فتسحب المياه من الطبقات الأكثر عمقا مما خفض من مستوى المياه الجوفية بمقدار 90 مترا في عشر سنوات. وفيما تصدر تلك المياه إلى أفغانستان يبقى سكان القرية القريبة محرومين من المياه. و فيما تخصص نستلة ميزانية عالية للبحوث لاكتشاف مصادر جديدة للمياه كما كان الأمر يتم في الماضي للبحث عن الذهب، فإن احصاءات منظمة الأمم المتحدة لعام 2012 تدل على أن 800 مليون شخص لاتتوفر لديهم مياه الشرب و205 مليار محرومين من التمديدات الصحية…

وينتقل المخرجان من كشف سياسة استغلال المياه إلى سياسة الدعاية والتسويق التي تتبعها الشركة ولا سيما في بعض البلدان. ففي الباكستان مثلا تقنع الناس بأن لاغنى لهم عنها وتربط بين استعمال المياه المعبأة بيور لايف وبين الانتماء لطبقة معينة، تلك التي تساير الموضة والعصر، بحيث يعتبر استخدام أحدهم لزجاجة بيور لايف نستلة كدليل انتماء لهذه الطبقة.
وكل ما كشفه المخرجان رفضت نستلة الرد عليه” نستلة رفضت لأنها تدرك مدى الرهان القائم على “الذهب الازرق” ” بحسب الخبيرة  الكندية، وكان الأسلوب الذي اتبعه المخرجان للحصول على آراء الشركة هو بث مقاطع من مؤتمرات علنية لها. وهكذا نتطلع على دفاع رئيس مجلس إدارة نستلة لرد ما يتعرضون له من تهم عبر مداخلة في أحد المؤتمرات” 70 % من المياه الصالحة للشرب تذهب للزراعة و20% للصناعة و10% للاستخدام المنزلي لا تستخدم منها نستلة سوى 0.005%”. لكن رغم هذا الرقم الذي يبدو صغيرا فإن كل ما ذكر من أرقام في الفيلم- التحقيق لا بد أن تثير التأمل لدى المشاهد وتجعله ينظر نظرة مغايرة إلى زجاجة المياه التي أمامه ليتحقق من ماركتها! وفي هذا يمكن القول أن المخرجين نجحا في غرضهما!.


إعلان